د فوزي ابو دنيا يكتب : الريف المصري بين واقع ” يئن “بحثا عن مستقبل لا يشوبه ضباب

10 يناير، 2024 - بتوقيت 9:11 م

المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية

 

 

في ظل الأزمات الاقتصادية التي نمر بها الآن أرى انه من الواجب علينا النظر مليا الى بناء القدرة على الصمود من خلال خلق فرص العمل للشباب خاصة في الريف المصري لدعم وصول الشباب بشكل مبتكر إلى فرص العمل اللائق والوظائف الخضراء في أنظمة الأغذية الزراعية. على مر السنوات الماضية وفى غضون السبعون سنة الماضية كانت هناك فرص لتطوير وتحسين وضع الريف المصري ووضع أسس تنموية مبنية على متطلبات المجتمع سواء الوظيفية أو الاجتماعية أو الخدمية التي كان من الواجب على الحكومات المتعاقبة تقديمها، بداية من السكن نهاية بالأساليب الزراعية والأعمال المعاونة مرورا بالخدمات الصحية والتعليمية …الخ. سيقول قائل “لقد هناك اهتمام بدليل بناء المدارس والوحدات الصحية والجمعيات الزراعية وغيرها. نعم كانت هناك اهتمامات لكنها غير منظمة في الأداء والتأثير، لذا يكمن هنا السؤال هنا هل تحقق المرجو من تلك الاهتمامات غير المنظمة والتي يمكن القول عليها أنها اهتمامات عشوائية من الشو الإعلامي على المستوى السياسي لا أكثر، والدليل على ذلك هل قدمت الوحدات الصحية العمل المنوط بها ونفذت أهدافها وسيطرت على الزيادة السكانية على مستوى كل قرية في الريف المصري التي استفحلت في الريف بشكل يجعلنا اليوم ندور حول أنفسنا في البحث عن مخرج. هل فتش أحد عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأثار السلبية التي ترتبت على هذا الوضع؟ هل فكر أحد في موديلات السكن الذي انتشرت كالنار في الهشيم ولا يتناسب مع البيئة الزراعية المصرية فاثر على الأداء الزراعي بشقية الإنتاج النباتي والإنتاج الحيواني. بل أصبح من الواقع الصريح التعدي على الأراضي الزراعية بالبناء والتوبير، وضاعت كل اموال العمال المريين ذات الأصول الريفية فى البناء على الأراضي الزراعية ولم يتم توجيهها الى استثمار فاعل لتطوير الريف المصري بل وجهها هؤلاء العاملين الى بناء مباني فاخرة لا تتلاءم مع طبيعة الريف ودون ان يحرك أحد ساكنا بطرح أحد النماذج البديلة للتطوير بدلا من العشوائية التي أصابت الريف وضربته فى العمق. فلم يعد المسكن به مكان لتربية الحيوانات ولا أسطح لتخزين نتاج المحاصيل ولا لتربية الدواجن، ولا صرف صحي مما زاد من انتشار أبيار الصرف الصحي (الترنشات) التي صرفت مياهها الى الأراضي الزراعية فأخلت بالتوازن البيولوجي في التربة الزراعية مما أثر على إنتاجيه الأراضي الزراعية، وعدم التدخل لتطوير نظم الري بالريف حتى أصبحت الترع منفذ لصرف الترنشات وإلقاء القمامة والحيوانات النافقة. كل هذا حدث على مرأى ومسمع من وزارة الصحة ووزارة الإسكان وكل مؤسسات الدولة. كانت هناك جمعيات زراعية لكن هل تطورت هذه الجمعيات ويوجد لها دور مؤثر وواضح في التطوير والتغير في الأساليب الزراعية والأنماط الاجتماعية والاقتصادية للمزارعين؟ وهل قامت الإدارات المحلية بدورها في المصري كما يجب ان يكون ومواكبا للتغيرات والتطورات التي تحدث أو يجب أن تحدث في الريف المصري؟ هل التعليم الزراعي المتوسط خلق فلاح من طراز فريد وجديد يمكن أن يجر قطار التنمية للأمام؟ وهل ساهمت المدارس الثانوية الزراعية في تطوير أساليب الزراعة ونشر مفاهيم زراعية حديثة وجديدة تخدم أهداف التنمية؟ هل يرغب الفلاحين في مصر في تعليم أبنائهم فنون الزراعة وتطويرها وتعظيمها؟

كل هذا الأسئلة وغيرها الكثير يجب أن يطرح بشفافية ووضوح للنقاش بشكل علني ويتم تجميع كل الأفكار والأطروحات لتقويم الوضع في الريف المصري للاتجاه الأصوب. علينا أن نبحث وبشكل جدي عن متطلبات الريف المصري وكيف يمكن للشباب المساهمة في طرح وتنفيذ حلول مبتكرة تفتح أمامه أفاق جديدة وفرص للعمل والمعيشة بشكل آدمي. لذا علينا البحث عن حالات نجحت في البحث عن فتح فرص عمل جديدة وغير تقليدية في الريف المصري وتعميمها في باقي المناطق التي تتسم بالميزة النسبية وأيضا وسم تلك المنطقة التي نجحت فيها حالات الدراسة المرصودة. علينا أن ننظر للعالم حولنا وكيف يخطو خطوات ناجحة نحو التطوير والتغيير لصالح مجتمعاتهم الريفية.

في الواقع فان أمامنا في الوقت الحاضر العديد من التحديات، بما في ذلك الافتقار إلى الآفاق الاقتصادية وفرص العمل اللائق، إلى جانب ضعف إمكانية الوصول إلى التعلم والتدريب المهني والخدمات الأساسية الشاملة في الريف المصري مع العلم بانه وفي هذا السياق، سوف يؤدي تغير المناخ إلى إضعاف المنظومة الحالية بالريف. وتزداد هذه التحديات بالنسبة للشباب الذين يقل عمرهم عن 18 سنة. لإن شباب الريف هم المستقبل للأمن الغذائي وهم الأمل في خفض منحنى الفقر في الريف، وهم كذلك الحاضر حيث أن تعداد الشباب يتجاوز في الوقت الحالي أكثر مما كان عليه من قبل، وإجمالا بلغ عدد الأسر المصرية وفقا لأخر تقديرات السكان في مصر، 25.5 مليون أسرة، ويقيم 55.3 % من إجمالي عدد الأسر في الريف (بواقع 14.1 مليون أسرة)، بينما يقيم 44.7 % من إجمالي عدد الأسر في الحضر (بواقع 11.4 مليون أسرة). ووفقا للتوزيع العمري للأفراد يقع 34.3 % من الأفراد في الفئة العمرية أقل من 15 سنة و26.8 ٪ من الأفراد في فئة الشباب (15-29 سنة) و35.1٪ من الأفراد في سن العمل (30-64 سنة) في حين بلغت نسبة كبار السن 3.1 % (65 سنة فأكثر). يعيش معظمهم في المناطق الريفية الأقل نموًا. ومع ذلك، يواجه شباب الريف تحديات ضخمة استعدادًا للحصول على فرصة للعمل اللائق وخاصة في قطاع الزراعة.

يرجع سبب اهتمامنا بالبحث عن الفرص التي نراها لان معظم الشباب من العمالة الفقيرة، وسيستمر وضع بطالة الشباب في التدهور إذا تُرك دون معالجة في ظل دخول ملايين الشباب لسوق العمل. ونواجه في نفس الوقت مشكلة عمالة الأطفال، والتي يتواجد منها أعداد غفيرة في القطاع الزراعي. ولا يرى معظم الشباب في المناطق الريفية أمامهم سوى بضعة فرص ضئيلة لتوفير الدخل والحصول على العمل، ولذلك يترك الكثيرون العمل في الزراعة والعيش في مجتمعاتهم للهجرة بحثًا عن الفرص في المناطق الحضرية أو في الخارج. ولكن مع تقدم أفراد المجتمعات الزراعية في العمر بالريف، تحتاج الزراعة للشباب. وينبغي توفير الممارسات صديقة البيئة وعالية الجودة لتحقيق استدامة الزراعة وسبل كسب الرزق ولضمان الأمن الغذائي. ويستطيع الشباب قيادة التحولات الزراعية والريفية التي تؤدى إلى تكوين نظم غذائية أكثر شمولًا واستدامةً، ولكن يحتاج الشباب لأن يرى الأنشطة ذات الصلة بالزراعة كفرص صالحة وجذابة لكسب الرزق تتميز كذلك بالربحية وتتماشى مع تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل.

يواجه شباب الريف مجموعة الكثير من التحديات التي تواجه شباب الريف فى مصر يمكن ان نوجز بعضها في النقاط التالية:

 معاناة شباب الريف في الوصول الى المعرفة والمعلومات والتعلم،

 معاناة من ضيق رقعة الأرض الزراعية والذي يزداد صعودا مع زيادة تعداد السكان.

 معاناة نقص التمويل حيث لا تتوفر قنوات تمويل تتعامل باحترافية التنمية الحقيقية.

 معاناة عدم توافر الوظائف اللائقة التي تشمل الوظائف الخضراء.

 معاناة من الأسواق وسبل التسويق الصحيحة والمبنية على أسس علمية.

 معاناة عدم المشاركة في حوار السياسات والمنظمات الريفية.

إن هذه بعض التحديات فقط ولكن علينا البحث والرصد لكل التحديدات التي تواجه الريف المصري وشبابه. وتنطبق هذه التحديات على نطاق واسع يشمل جميع شباب الريف، كما يواجه الشباب تحديات إضافية – أو مختلفة – للوصول إلى الوظائف اللائقة أو للنجاح في مجال ريادة الأعمال. فعلى سبيل المثال، عدم توافر فرص عمل مع إعاقة حصولهم على الموارد والخدمات الإنتاجية مثل التمويل أو الانضمام لعضوية المنظمات التي تمثلهم. وكثيرًا ما يكون التدريب المهني الملائم غير متوافر في المناطق الريفية وما زاد الطين بله ضعف النظام الإرشادي في وزارة الزراعة وتقاعسه عن القيان بدوره المنوط به في نقل التقنيات والخبرات الحديثة في الزراعة للشباب، إلى جانب ضعف دعم الانتقال من مرحلة الدراسة إلى مرحلة العمل. أضف الى ذلك أنه من المتوقع أن ينمو عدد الشباب في الريف، ومن المحتمل أن يتحول تضخم الشباب إلى كارثة، إذا ظلت فرص العمل وريادة الأعمال للشباب محدودة، فسيظل الشباب في حلقة مفرغة من انعدام الأمن الغذائي والفقر المدقع