فوزي ابودنيا يكتب : ماذا يريد الفلاح المصري من الدولة؟

8 سبتمبر، 2023 - بتوقيت 7:55 م

المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية

 

بمناسبة عيد الفلاح الذي يستدعينا في كل عام النظر الى أحوال الريف المصري عامة والفلاح المصري خاصة. في الواقع إن التعامل الخاطئ مع الريف المصري وإدارته بصورة عشوائية تركت كثير من المشكلات المتداخلة والصور السيئة وظهور صعوبات وعقبات لم يكن أكثر المتشائمين يظنها تظهر أو تحدث. ولابد على الدولة الاهتمام بالقطاعات التالية والتي نرى من وجهة نظرنا أنها تخدم الفلاح وتسهم في تنمية مستدامة بالريف المصري.
الإهمال الإداري:
في هذا الجزء لابد أن نبدأ بسؤال شديد الأهمية، لماذا تفشل كل خطط التنمية والتطوير في الريف المصري؟ لعل الناظر بتركيز في هذا السؤال سوف يرجع ذلك وللوهلة الأولى الى غياب النظام الإداري في القرية المصرية. فلا نحن الذين حافظنا على نظام العمد ولا نحن الذين طورنا نظام التعاونيات في الريف المصري. كان منصب عمدة القرية في مصر معروفا بداية من عهد المصريين القدماء، وكان يعد امتدادا لوظيفة شيخ البلد التي كانت تطلق في البداية على هذه الوظيفة، واستمر ذلك حتى عهد المماليك ومن بعدهم العثمانيين وفي عهد الخديوي إسماعيل وفي عام 1871م تم إصدار قانون نص على أن يكون على رأس كل قرية عمدة يرأس فرقة أمنية من الخفراء ويعاونه شيخ البلد أو أكثر من شيخ للبلد. وبالرغم من مساوئ هذا النظام الإداري إلا أن عدم تطويره وتطويعه في خدمة المجتمع والتنمية الريفية كان خطاء كبيرا. وفى المقابل كان لنظام العمد في حال استخدامه بالشكل الصحيح كثير من المميزات، أولها وجود كبير للقرية يمكن الرجوع اليه ليكون قائدا ورائدا ريفيا تسير على نهجه القرية وكان من الممكن ان يكون هذا النظام ركيزة ترتكز عليه خطط التنمية في الريف وبالتالي لم يكن ليظهر كثافة سكنية مرتفعة ولا إسكان عشوائي ولا مشاكل إنتاجية أو تسويقية أو أمنية. ومع إلغاء هذا النظام كانت الفرصة مواتية أمام التعاون الزراعي ليكون البديل الأمثل والحل الأوفر حظا إلا أن التعاون سقط وسقطت معه سبل التنمية الزراعية في الريف المصري على مدى عقود كاملة. وأصبح الريف المصري الآن يعج في مستنقع مشاكل لا حصر لها تؤثر على الفلاح والإنتاج الزراعي والإسكاني والأمني وغيرها الكثير والكثير من السلبيات التي ضربت الريف المصري في العمق.
الإهمال الصحي:
على الرغم من انتشار عيادات الأطباء أبناء القرى في الريف المصري إلا أن النظام الصحي في الريف يعاني من مشاكل جمة سواء على مستوى صحة الفرد والصحة العامة للمجتمع او على مستوى الزيادة السكانية التي فاقت الحدود في الريف المصري وأصبحت حجر عثرة في تنمية المجتمعات الريفية في مصر. فلا الوحدات الصحية يتم تطويرها لتكون مؤهلة لخدمة الفلاح البسيط ولا الأدوية وأسعارها وتكاليف العمليات الجراحية والأمراض المزمنة تتناسب مع دخول الريفيين ولا يوجد نظام تامين صحي يغطى متطلباتهم الصحية.
الإهمال الزراعي:

في المجال الزراعي حدث ولا حرج، الزراعة تتطور على مستوى العالم كله وتظهر مستجدات كثيرة لا يعرف الفلاح المصري عنها شيء ويعود ذلك الى نظام الإرشاد الواهي والذي أصبح الآن لا وجود له. يعاني الفلاح المصري من عدم وجود نظام تمويل مالي يسهم في التطوير الزراعي بشكل جاد سواء للمحاصيل او للمنتجات التي يمكن ان تخرج من التصنيع الزراعي انتهاء الى التسويق للمنتجات الزراعية سواء الحقلية او المصنعة. بجانب ذلك توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة ومعدات وأعلاف مرورا بنظم الري والزراعة ونظم تربية الحيوانات التي يجب الاهتمام بها وتطويرها بشكل فاعل. ظل والى الآن الفلاح المصري يقوم بتجهيز التقاوي الخاصة بالزراعة بنفسه وكل يوم نسمع عن التقاوي المحسنة والتي يتم توزيعها على المزارعين ثم نفاجئ بتقاوي غير جيدة وإنتاجيه ضعيه يضيع معها جزء كبير من مجهود ودخل الفلاح المصري. وكلنا يتذكر ان الفلاح المصري كان ينتج خبزه في بيته وكان يكتفى ذاتيا من البيض والألبان ومنتجات الألبان ويوفر الفائض لبيعه في المدينة، أما اليوم أصبح الريف والمدينة سواء. لم يكن الجانب التسويقي للمنتجات الزراعية ببعيد عن منظومة الترهل التي ضربت الريف المصري وبقوة وبسبب هذه الأمر وحده يهدر جانب كبير من دخل الفلاح المصري والذي يؤثر على توفير متطلبات الفلاح وأسرته. لذا فان الفلاح المصري بحاجة ماسة للاهتمام بالجوانب التالية (الإرشاد – التصنيع – التمويل – التسويق – التقاوي المحسنة – الإنتاج الحيواني والدجنى – الري…الخ)

الإهمال في قطاع الخدمات:
الطاقة
على الرغم من اتساع القطاع الريفي وتوفر الشمس على مدار العام إلا أن الدولة وعلى مدى عقود طويلة وحتى الآن لم تلقى بالا بأهمية واستخدام الطاقة الشمسية في القطاع الزراعي سواء للاستخدامات المنزلية أو للاستخدامات الزراعية مثل إدارة الري والميكنة التي يمكن إدارتها عن طريق الطاقة الشمسية. حتى تقنية إنتاج الغاز الحيوي التي تهتم بها دول كبرى مثل الهند والصين وكثير من دول اوربا لاستخدام طاقة البيو جاز في إنتاج الخبز والطهي وغيرها من الأمور الحياتية التي يمكن أن يستخدمها الفلاح فيها. سواء الطاقة الشمسية أو طاقة البيو جاز كان من الممكن ان تساعد الدولة في توفير استهلاك الكهرباء والغاز مما يزيل حمل كبير عن كاهل الدولة التي تعاني وبشدة الآن من نقص موارد الطاقة ومشاكل نقصها.
مياه الشرب
لقد أصبح التلوث يضرب وبشدة في شتى مناحي الحياة وخاصة مياه الشرب النظيفة، وتسبب المياه الملوثة إصابة الفلاحين بالأمراض المزمنة والمعدية في ذات الوقت وبالتالي يؤثر ذلك وبشكل مباشر على الإنتاجية الزراعية. ويعاني الريف المصري من قلة الاهتمام بتوفير مياه الشرب وعلى الرغم من قيام الأهالي بالقرى بشراء معدات تنقيه وفلترة مياه لتوفير مياه صحية لاستخدامها في الشرب والطهي إلا أن الدولة عليها دور كبير في هذا الاتجاه
الحكم المحلى
إن التنمية الإقليمية والمحلية بالريف المصري لا تتم إلا بتطوير القرى عبر إعداد الخطط ورسم السياسات وتخصيص الموارد. ولقد ضع نظام الحكم المحلى للمساهمة في دفع قاطرة التنمية إلا انه أصبح معيق للتنمية وصورها بشكل كبير فلا يظهر له دور إيجابي في أي منحى من مناحي الريف المصري. كما أصبح الفلاح المصري يعاني الأمرين في استخراج شهادات الميلاد والزواج وغيرها من الأوراق الرسمية للدولة بسبب ارتفاع تكاليف استخراج هذه الأوراق التي ترهق كاهله.