دعلي اسماعيل يكتب : الموارد المائية و الامن الغذائي المصري
16 مايو، 2022 - بتوقيت 4:28 م
استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية مصر
نظرة واقعية الي الموقف الحالي مع ازمة الغذاء العالمية وما تقوم به القيادة السياسية بالاهتمام بالملف الزراعي واستصلاح الاراضي مع مراجعة منظومة ادارة الموارد المائية ، و نظرا للظروف الحالية وتطوير وتحديث الزراعة المصرية واستصلاح اراضي جديدة لتفي باحتياجات السكان الذي وصل ال ١٠٢ مليون نسمه وسوف يصل الي ١٧٥ مليون بحلول 2050 وان ما يطرا من متغيرات محلية مرتبطة بخطة تطوير وتحديث منظومة الزراعة المصرية في مجالاتها المختلفة سواء في انشطة الانتاج النباتي والحيواني والاستزراع السمكي والوصول الي الاكتفاء الذاتي من مصادر البروتين الحيواني والتصنيع الزراعي المرتبط بهذه الانشطة من صناعة الاعلاف وتوفيرها ربما يسهم الي حد كبير في توفير اللحوم والدواجن والاسماك باسعار اكثر ثباتا في المرحلة القادمة مع ذيادة مساحة الذرة في العروة الصيفي والنيلي وتصنيع الاعلاف الغير تقليدية وان المتغيرات الاقليمية نحو توفير الموارد المائية والمحافظة عليها والاستفادة منها بالشكل الذي يعظمها لتغطية كافة الاستخدمات الملحة للسكان سواء في الاسكان او الصناعة . وان الموارد المائية الموجودة أصبحت غير كافية من الناحية العملية والتطبيقية وان التطور السريع الذي تشهده مصر خلال السنوات القليلة الماضية من توسع عمراني حضاري والذي يمثل نقلة حضرية ونوعية للدولة المصرية يلزم معه تطوير منظومة الري وتحديثها في النشاط الزراعي بهدف الاستفادة القصوي من وحدة المياه مع وحدة الارض لتعظيم الانتاجية الزراعية وذيادة الناتج القومي الزراعي المرتبط بالتركيب المحصولي الاقتصادي والاستراتيجي – ذيادة الرقعة الزراعية بإضافة مساحة جديدة ( التوسع الافقي) – ذيادة الانتاجية في الاتجاه الراسي لوحدة المساحة من خلال المعاملات الزراعية وحزم التوصيات – تحسين الاصناف النباتية وتطويرها وتحسين برامج التربية تحت ظروف التغيرات المناخية القائمة – تطوير وتحديث منظومة الري الحقلي وصيانة التربة – التصنيع الزراعي والقيمة المضافة واستمرار تطوير منظومة الانتاج الحيواني ( السمكي والداجني وانتقاء السلالات عالية الانتاجية من ماشية الالبان والتوسع في مراكز تجميع الالبان واختيار البلدان المناسبة لإنتاج اللحوم الحمراء بها الا ان الامن الغذائي اصبح قضيه امن قومي اهتم بها السيد الرئيس منذ تولية السلطة ودعم و هذا القطاع الحيوي الذي اهمل لسنوات في ظل متغيرات عالمية ظهرت مؤخرا مع الأزمة العالمية لوباء كورونا والحرب الاوكرانية حاليا والتي مثلت بعد نظر القيادة السياسية لزيادة مساحة القمح المزروعة والتي يجب ان تصل الي ٤.٥ مليون فدان العام القادم لتحقيق الاكتفاء من رغيف الخبز مع خلط الذرة بنسب من ١٠ الي ٢٠ بالمائة ويجب زيادة مساحة الارز هذا العام الي ١.٣ مليون فدان كجزء من خطة الاكتفاء الذاتي لان معظم سكان الوجه البحري يعتمدون علي الارز في طعامهم بدلا من الخبز بخلاف الوجه القبلي مما يقلل من الضغط علي القمح. .
وان مشروعات التنمية المتكاملة والشاملة التي تنتشر في ربوع مصر والتي يتبنها السيد الرئيس والتي سوف تنعكس مردودها علي الشعب خلال السنوات القادمة ومنها زيادة حجم الرقعة الزراعية بمقدار 4 مليون فدان في حدود 8 اعوام وبما يعادل ما تم استصلاحه منذ ثورة يوليو 1952 لذا فالأمر يحتاج منا الاهتمام واعادة التفكير بهدوء في حجم الطلب علي المياه والقدرة علي تلبية هذه الاحتياجات للزراعة التي تمثل صمام الامان والامن القومي في تأمين امدادات الغذاء واتاحة فرص العمل المباشرة والغير مباشرة التي تمثل اكثر من 50 بالمائة لحجم سوق العمل الداخلي ومصدر دخل اكثر من 5 ملاين اسرة مصرية تمتلك مساحات اقل من واحد فدان تعمل بمهنة الزراعة ولذا ينبغي العمل بشكل قوي علي تعزيز فرص العمل من خلال الاستدامة والتنمية المتكاملة للمنظومة الزراعية خلال المائة عام القادمة من خلال مفهوم جديد وهو الادارة المائية الجيدة في الاراضي المصرية بالتعاون المثمر والبناء والشراكة بين وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي ووزارة الموارد المائية والري والتفهم المؤسسي ان إدارة منظومة المياه في مصر لابد وان تتغير من منظور الوفرة الي منظور الندرة ووضع التدابير المؤسسية من خلال إدارة متكاملة للموارد المائية تنظر خارج الصندوق وليس داخل الصندوق اعتمادا علي خبراء مصريين وطنيين بمنظور عام وشامل مع تشجيع البحث العلمي في مجال ترشيد الاستخدام للمياه والطرق الغير تقليدية لتحلية المياه بتقنيات مصرية وأفكار وطنية للوصول الي اقصي استفادة من المتر المكعب من المياه والاستفادة من التكنولوجيات العالمية لتعظيم الاستفادة من وحدة المياه في الزراعة باستخدام كل التكنولوجيات الحديثة للري وتوزيع المياه وتطوير المنظومة المائية في كلا الجانبين ( منظومة النقل والتوزيع من خلال وزارة الموارد المائية والري ومنظومة الادارة الحقلية من خلال وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي). وتعتمد ممارسات الإدارة المتكاملة للري الحقلي سواء كانت من خلال منظومة تطوير الري السطحي في الحقل للمساقي والمراوي وتوزيع المياه الداخلية وادارة المياه مع المحصول القائم سواء بنظم الري الحديث ( الرش او التنقيط ) او الري السطحي المطور والاهتمام بقضية الغذاء في ظل الازمة العالمية لنقص الغداء وارتفاع الأسعار بعد الحرب الاوكرانية وتوقف الامدادات منها بخاصة القمح والذرة الصفراء والزيوت.
لذا يعتبر الماء أهم موارد الثروات الطبيعية الذي يجب ان نهتم به ونعظم استخدامه بالشكل الامثل الذي يساعد في عملية الاستدامة لكافة الانشطة والتى لولاه ما كانت هناك حياة على وجه الأرض فقد صدق الله العظيم فى كتابه العزيز ” وجعلنا من الماء كل شئ حى” فنقص المياه فى العالم بصفة عامة وفى مصر بصفة خاصة أخذ شكلاً ساخناً فى الصراع على المياه بين الدول ونظراً لثبات حصة مياه مصر من جميع الموارد المائية ومع الزيادة المطردة فى تعداد السكان فى مصر فإن الحاجة الآن أصبحت ملحة إلى تيسير موارد مائية جديدة وتعظيم الأستفادة من الموارد المائية المتاحة لسد الأحتياجات الاساسية للسكان ونظراً لما يشكله الماء باعتباره الركن الأساسى فى التنمية الأقتصادية والأجتماعية بصفة عامة وندرة الأمطار ومحدوديتها وعدم الاستفادة منها بالشكل الامثل وتكرار دورات الجفاف نتيجة للتغيرات المناخية مما ينعكس سلباً على الموارد المائية من جهة وعلى الانتاج الزراعى من جهة أخرى ويترتب على ذلك تفاقم الأزمات الأقتصادية والأجتماعية ويتسبب الأستعمال غير الرشيد للموارد المائية وسيادة الطرق التقليدية فى الرى إلى ضياع كميات كبيرة من المياه بصورة مزعجة مع ان منظومة الادارة الكلية للمياه تصل الي 76% ويقع العبيء الاعظم علي القطاع الزراعي رغم مايبذل فية من جهود واهتمام القيادة السياسية بدعم وتطوير القطاع الزراعي والذي يمثل الركيزة الاساسية في توفير احتياجات البلاد من الغذاء والسلع الاساسية ودعم منظومة الصادرات الا ان ذلك غير كافي بما يحقق الامال المنشودة وفي ظل المتغيرات العالمية بعد جائحة كورونا ومدي ثباته في مواجهة هذه الازمة وحماية الدولة المصرية من مخاطر المجاعة ونقص الغذاء وتوفير الخضر والفاكهة والمحاصيل الاستراتيجية كالارز وغيره وكذلك اللحوم والالبان والبيض والاسماك التي ظلت اسعارها ثابته خلال الستة اشهر الماضية وربما انخفضت اسعار البعض منها وهذا يحسب لهذا القطاع الهام والحيوي الذي لم يلقي الاهتمام الكافي الا في السنوات القليلة الماضية والذي تم وضعه في اولويات القيادة السياسية ولما حققه جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وشركاته المتخصصة في توفير احتياجات الدولة والمواطنين من منتجات زراعية متعددة ومتنوعة والتي امنت حاجة البلاد لكثيرا من المنتجات الغذائية . وان الامال معقودة علي طفرة في الانتاج الزراعي بما يتناسب الاهتمام والدعم الموجه للقطاع الزراعي لزيادة حجم الأنتاج الزراعى المتحقق منه بما يوكب المتغيرات واليات الجديدة وخطة التنمية الاقتصادية واستراتيجية التنمية الزراعية بالإضافة إلى عدم اغفال النظرة الشمولية فى إدارة القطاع المائى وتعظيم الموارد المائية وتوطيين تكنولوجيا تحلية ومعالجة المياه المالحة والعادمة وحصاد المياه كخيار استراتيجي في المستقبل القريب والمتوسط وان تأخذ بعين الأعتبار الركائز الأساسية الحديثة كالبعد البيئى ومبدأ الأستدامة والعدالة فى التوزيع بالأضافة إلى ذيادة التوعية على مستوى الفرد والمجتمع وترسيخ مفهوم قضايا المياه حالياً ومستقبلاً والتعامل معها من خلال منظور الندرة وليس الوفرة.
وبناء عليه فان الميزان المائي لمصر يمر بعجز دائم ومتراكم في التوازن المطلوب بين العرض الكلي والطلب الكلي المتزايد بمعدل متزايد بزياده عدد السكان متمثله في مشروعات المجتمعات العمرانيه والقري الجديده علي مستوي الاسكان والتوسع في زياده مشروعات الاستصلاح القوميه والاهليه في الاراضي الجديده الامر الذي بات ومن المؤكد تضأل نصيب الفرد من المياه الي اقل من ٦٠٠ متر مكعب الي ٤٥٠ متر مكعب في السنه عام ٢٠٢٥ ومن المتوقع ان يصل نصيب الفرد عام ٢٠٥٠ الي ادني من ٣٥٠ متر مكعب في السنه وذلك لزياده متوسط معدل النمو السكاني ٢% ويصل استهلاك الفرد الي ٢٤٧ لتر/ يوم وبالتالي سوف يصل عدد السكان عام ٢٠٥٠ الي ١٧٢ مليون نسمه الامر الذي يتطلب زياده الموارد لتصل الي نحو ٩٧ مليار متر مكعب الامر كذلك الذي بات يؤكد علي فجوه مائيه كبيره. لذا من الاهمية رفع الكفاءه الاقتصاديه علي مستوي الحقل التي تعمل علي توفير المياه وزياده الانتاجيه من وحدة المياه والارض الامر الذي يجعل الاولويه لمشروعات تطوير الري الاولويه الاولي لاهميتها وخاصة المساقي والمراوي ونظم الري داخل الحقل عنها في المجاري المائية لترع النقل والتوزيع.
إن ندرة وشح المياه سوف تؤثر على القطاع الزراعى اكثر من القطاعات الاخرى ، وفي ظل جميع السيناريوهات ، فإنه يتوقع ان ينخفض متوسط المياه المخصصة لكل فدان بنحو يتراوح من 6% الى 11% ، وللحفاظ على القطاع الزراعى بوصفه احد الدعامات الاساسية للاقتصاد الوطنى ، فإن القطاع يحتاج الى التكيف مع حالة ندرة المياه عن طريق قدرة القطاع علي تطوير منظومة الري الحقلي وتحديثها والاستفادة من البحوث العلمية المرتبطة بالاصناف والسلالات عالية الانتاجية المتحملة للجفاف وقصيرة العمر والممارسات الزراعية وعلاقة وحدة الارض بإنتاجية وحدة المياه.
وقد اوضح الميزان المائي ان الأسلوب المتوقع لتخصيص المياه بين كافة القطاعات سيشهد في المستقبل انخفاض كمية المياه المخصصة للقطاع الزراعى وستقع مسئولية التكيف مع نقص المياه المتوقع في القطاع الزراعى على عاتق القطاع الخاص والمزارعيين الذى يشمل صغار المزارعيين والشركات الزراعية ، وستقوم وزارة الزراعة بتقديم الدعم والارشاد والحوافز للمزارعيين لتشجيع اجراءات التكيف مع ندرة المياه على المستوى المحلى ضمن منظومة تحديث الري وتطوير الري الحقلي كبرنامج قومي لاستكمال الاستفادة القصوي من كمية المياه المخصصة للقطاع الزراعي وتطبيق مفهوم عدالة التوزيع للمياه بترشيد مياه الري مع تطبيق الممارسات الزراعية الداعمة لمفهوم زيادة انتاجية وحدة المياه من وحدة المساحة .
وينبغي النظر إلى الإدارة المتكاملة لمنظومة تحديث وتطوير الري الحقلي على أنها عملية مستمرة بدلا من نهج الطلقة الواحدة وهو نهج طويل الأجل ومتكرر وليس خطيا في الطبيعة.
وباعتبارها عملية تسعى إلى تحويل نظم ادارة مياه في الحقل من صورة الي صورة اكثر انضباطا في توزيع المياه ورفع كفاءة استخدامها وتقليل الفاقد منها من خلال منظومة جديدة تتيح تنفيذ كل ذلك لترشيد استخدام المياه وذيادة انتاجيتها في الحقل وان تنمية المياه وإدارتها من أشكالها غير المستدامة حاليا والتي تصل كفاءتها الي حوالي 50 % في الري بالغمر الي مايقرب من 75 – 85% حسب النظام المستخدم . ولابد ان نتصور بشكل واقعي إن الإدارة المتكاملة لتطوير وتحديث الري الحقلي والاستفادة من الموارد المائية ليس لها بدايات أو نهايات ثابتة يمكن البدء عندها او التوقف معها فهي عملية مستمرة تلزمها الصيانة والاحلال والتجديد للانظمة المستخدمة ولابد ان يراعي ذلك من خلال المنظور بعيد الامد .