دفوزي أبودنيا يكتب : عزيزي المواطن.. كم من المياه يُستهلك مقابل ما تتناوله من بروتين؟

26 يوليو، 2022 - بتوقيت 7:12 م

المدير السابق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية

 

هل جربت يوما ما عزيزي المواطن أن تسال نفسك هذا السؤال. كم من المياه يُستهلك مقابل ما تتناوله من غذاء؟
هذا السؤال الآن مثار اهتمام العلماء المهتمين بالموارد والزراعة وتغذية الإنسان. وعندما يثار هذا السؤال يتبادر سؤال أخر الى الذهن، ماهي المكونات الهامة في الغذاء الذي يتناوله الإنسان، بالطبع الإجابة ببساطه هي البروتينات، الكربوهيدرات والدهون. وعادة ما يكون البروتين هو محور الوجبة الغذائية. في الحقيقة تُظهر إحصاءات الإنتاج والاستهلاك للغذاء أنه بالنسبة لغالبية الناس، فإن البروتين يعنى عمومًا اللحوم، إلا أنه يشتمل أيضًا بشكل متزايد على بروتينات من مصادر أخرى غير حيوانية مثل الفاصوليا واللوبيا والعدس والفول…الخ من البقوليات. على الجانب الأخر، تستحوذ ثقافة فقدان الوزن واتجاهات اللياقة البدنية الطموحة دائمًا على الأنظمة الغذائية الغنية بالبروتين بشكل رائج، ولكن هذا ليس صحيحًا دائمًا أن الشخص العادي يحتاج إلى المزيد من استهلاك البروتين. حتى مع حدوث هذا التحول، لم يتضاءل تركيز الناس على البروتين من البرجر إلى الدجاج، والعدس إلى قطع الخضار. هذا يؤشر الى أن البروتين قادر على البقاء في وسط أطباقنا التي نتناولها وخاصة تلك التي تحتوي على المنتجات الحيوانية. فعلى سبيل المثال ووفقًا لمعهد الموارد العالمية، فإن الأمريكيون يأكلون أكثر بكثير من 51 جرامًا من البروتين يوميًا وهذا أكثر مما يحتاجه معظم البالغين والذي حددته منظمة الفاو بمقدار 33 جم يوميا. ويعنى هذا أن هناك إفراط في استهلاك البروتين.
فبماذا يهم إذا كنا نفرط في استهلاك البروتين أم لا؟ تميل الأطعمة الغنية بالبروتين إلى أنها تحمل بصمة غذائية أكبر من غيرها. يسهل على النباتات إنتاج الكربوهيدرات، لكن إنتاجها للبروتينات أصعب قليلًا، ونتيجة لذلك فإن البروتينات تكون أقل تركيزًا في الأطعمة النباتية من الدهون والسكريات. في حين أن الأطعمة الحيوانية تعتبر مصادر بروتينية أكثر تركيزًا، حيث تستهلك الحيوانات الكثير من النباتات لتنمو لإنتاج اللحوم. نتيجة لذلك، يمكن أن يتطلب إنتاج الأطعمة الغنية بالبروتين الكثير من الموارد، بما في ذلك أحد الموارد التي غالبًا ما يتم تجاهلها: وهو الماء. حيث لكل طعام بصمة مائية خاصة به، فهل كنت عزيزي المواطن تدرك ذلك؟ حتى لو استطاع الكثير منا تناول كميات أقل من الأطعمة الغنية بالبروتين إلا أنها لا تزال جزءًا مهمًا من وجباتنا الغذائية، وليس لكل من هذه الأطعمة التي نتناولها نفس البصمة المائية.
البصمة المائية للأطعمة الغنية بالبروتين
يقدم دليل البصمة المائية للأغذية الذي تم إصداره مؤخرًا لتحديد البصمات المائية للوجبات الأمريكية “النموذجية” لأكثر من 100 نوع من الأطعمة والمشروبات، مصنفة حسب الأكبر استنزافا للمياه إلى الأقل استنزافا. عند إلقاء نظرة سريعة على هذا الدليل نجد أن الأطعمة الغنية بالبروتين تقع في الأماكن الأولى من الدليل عند مقارنتها بالفواكه والخضروات الكاملة. تشتمل الأطعمة التي تحتوي على أكبر 25 بصمة مائية على ثمانية أنواع من المنتجات الحيوانية وسبعة أنواع من المكسرات (بما في ذلك الفول السوداني الذي تم تضمينه مع المكسرات في هذا الدليل). في المرتبة الثالثة بعد الشوكولاتة واللوز، يحتاج كل كجم من اللحم البقري 15.35م3 من الماء لإنتاجها. كما أن برجر الكينوا وفول الصويا يستنزفان طبقا للقائمة 0.64 م3 و0.63 م3 من الماء لكل كجم، على التوالي – وهذه ليست كمية ضئيلة من الماء في الوجبة.
البصمة المائية للحوم
تعتبر البصمة المائية للمنتجات الحيوانية أكبر مقارنة بتلك التي تم حسابها للبروتينات ذات المصدر النباتي، ويرجع ذلك لأن الحيوانات، ببساطة، تأكل الكثير من الأعلاف. ويشربون الماء ويستخدم الماء في رعايتهم، لكن الجزء الأكبر من البصمة المائية للحيوان يرجع إلى الماء المستنزف في إنتاج الأعلاف. يتم تغذية معظم الماشية التي يتم تربيتها في النظم المكثفة علفًا مصنوعًا من محاصيل مثل الذرة وفول الصويا والبرسيم. إن الحيوانات التي تتواجد في المراعي يقضون وقتًا (أحيانًا فترات طويلة جدًا) طويلا في تناول الأعشاب بالإضافة للأعلاف المكملة التي تقدم لهم في الحظائر. في المناطق التي يتم فيها ري العديد من المحاصيل العلفية التي تأكلها الحيوانات، مما يزيد من تأثير المياه الزرقاء (التي تشير إلى الري من مصادر المياه السطحية والجوفية). في حين تعتمد الحيوانات التي يتم تربيتها في المقام الأول على المراعي على كمية معينة من الأمطار لتوفير المياه للأعلاف والأعشاب، مما يزيد من تأثير المياه الخضراء (التي تشير إلى هطول الأمطار ورطوبة التربة). بينما ترعى الحيوانات بالمراعي في المناطق الجافة أو التي تعاني من الجفاف، والتي غالبًا ما يتم ري الأعلاف التي يتم شرائها لإعطائها للحيوانات كوجبات مكملة. ومن هذا نستطيع أن نستنتج أنه إذا ما تم إجهاد الموارد المائية بدرجة كبيرة بحيث لا يتوفر علف اخضر أو خامات أو علف مصنع، فغالبًا ما يتعين تقليل أحجام القطيع عن طريق ذبح الحيوانات. ومع وجود ضغط مستمر من الاستخدام لمصادر المياه السطحية والجوفية من جهة جميع القطاعات مثل توليد الكهرباء ومرافق مياه الشرب وكذلك الزراعة، فإن ارتفاع الطلب على البروتين من المنتجات الحيوانية يضع مزيدًا من الضغط على الزراعة نتيجة استهلاك المزيد من المياه. في الوقت نفسه يواجه المزارعون عقبات كبيرة لأن تغير المناخ يغير أنماط هطول الأمطار، وغالبًا ما يغير مكان وتوقيت وكيفية هطول الأمطار. بالإضافة إلى ذلك، تهدد فترات الجفاف الأطول والأكثر حدة العمل المعتاد من خلال الحد من إمدادات المياه المتاحة التي اعتمد عليها المزارعون تاريخياً. ويبدو أنه من المرجح أن تستمر هذه الظروف مع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي واستمرار تحول المناخ إلى أنماط طقس أقل قابلية للتنبؤ وأكثر تطرفًا.
البصمة المائية للمكسرات
بالنسبة للمكسرات والتي نستوردها من الخارج لأنها لا تزرع بمصر، حيث تنمو معظم المكسرات على الأشجار والشجيرات المعمرة التي تتطلب مياه مطر منتظمة للإبقاء عليها منتجة. بينما يشكل ري الأشجار والشجيرات المنتجة للمكسرات للحصول على زيادة كبير من إنتاجيتها في المقابل عبء الإجهاد المائي. على سبيل المثال فإن اللوز، يزدهر في مناخ البحر الأبيض المتوسط، الذي يميل إلى أن يكون أكثر جفافاً ولكن مع هطول الأمطار فإنه ينتج بانتظام. في الواقع فإن الآن أكثر من 80 % من الإنتاج العالمي، أصبح ينتج في كاليفورنيا التي سارت الآن المنطقة الرئيسية لإنتاج اللوز في العالم، نظرًا لمناخها شبه الجاف وتوافر مياه الري الثابتة، مما يزيد بشكل كبير من إنتاجية أشجار اللوز والذي ينعكس على الإجهاد المائي مقارنة بتلك التي تنتج من المناطق المطيرة. ففي الوقت الذي أدى الجفاف الضخم المستمر في ولايات حوض نهر كولورادو السفلي إلى تغيير في توافر إمدادات مياه الري، يواجه العديد من مزارعي اللوز مضطرين إلى قطع أشجارهم. لكن عندما أصبح العديد من مزارعي اللوز أكثر خبرة وكفاءة في استخدامهم للمياه فإن هذا قد ساعد على تخفيف الضغط على موارد المياه المحلية، وبالتالي فإن المساحة الإجمالية المخصصة لزراعة اللوز في كاليفورنيا آخذة في الازدياد، لأن الإنتاجية المتزايدة تجعله محصولًا مربحًا للغاية. قياسا على ذلك هناك عين الجمل والجوز وغيرها من المكسرات التي يستهلكها الإنسان.
البصمة المائية للبقوليات
تشمل البقوليات الفول والفاصوليا واللوبيا والعدس. وهي من الأطعمة الكاملة التي تقدم مستويات كبيرة من البروتين. يتطلب إنتاج البقوليات كمية أقل من الماء مقارنة بالمنتجات الحيوانية. فالبقوليات من محاصيل الموسم البارد، مثلها مثل المكسرات، وتزرع غالبًا في البيئات القاحلة إلى شبه القاحلة. يتم زراعتها في الأراضي الجافة في موسم الأمطار وأيضا تزرع كمحاصيل مروية في مناطق السهول وهي تزرع في مصر كمحاصيل مروية. تحتاج البقوليات طبقا لدليل البصمة المائية للمحاصيل من 0.094 إلى 0.356 م3 تقريبًا من الماء لكل كجم حبوب بقوليات، مما يجعلها خيارًا أكثر استدامة لأولئك الذين يتطلعون إلى تلبية متطلباتهم من البروتين مع الحفاظ على آثار البصمة المائية المنخفض. كان الطعام الوحيد المرتبط بالبقوليات والذي صنع أعلى 25 بصمة مائية هو برجر الصويا بما يوازى 0.53 م3 مياه لكل كجم برجر صويا. يمثل برجر الصويا البيرجر النباتي المعالج بكثافة، حيث تؤدي المعالجة الإضافية والمكونات المضافة إلى زيادة البصمة المائية نتيجة زيادة استنزاف المياه في التجهيز والتصنيع.
كيف يمكننا تطبيق نظام غذائي منخفض المياه
مما سبق يتضح لنا أهمية فهم تأثير نظم التغذية الفردية على البصمة المائية (أي كم م3 من الماء استنفذ حتى وصلك هذا الطعام). في الحقيقة إن كل وجبه أو بالأحرى كل نظام غذائي له نمط في استنفاذ الماء حيث لا يوجد حجم واحد يناسب جميع الأنظمة الغذائية التي تأتي مع إنتاج الغذاء. ومن هنا نستطيع أن نقول إن بعض طرق تناول الطعام لها بصمة مائية أقل بشكل عام. فالأنظمة الغذائية المرونة التي تقلل من تناول اللحوم، يكون لها بصمة مائية أقل (أي استنفاذ ماء أقل). بينما التغذية النباتية، لها بصمة مائية أقل بكثير من تلك الأنظمة الغذائية التي تتضمنها اللحوم (حيث تزيد البصمة المائية مع زيادة استهلاك اللحوم بينما تقل بخفض المستهلك من اللحوم) هذا الأمر يرجع بساطة الى أن إنتاج اللحوم يستهلك كميات كبيرة من الماء كما ذكرنا سالفا (15 م3/ كجم لحم)، وبالتالي فإن خفض استهلاك اللحوم يمكن أن يكون له فوائد بيئية وصحية أخرى أيضًا. ففي دراسة شملت سيناريوهات غذائية مختلفة في 140 دولة بناءً على مستويات مختلفة من اللحوم المستهلكة، أشارت إلى عدم وجود نماذج محددة لمستهلكين اللحوم أو مستهلكي البروتين النباتي (النباتيين) التي تم تصميمها لتلبية إرشادات النظام الغذائي الصحي. وفى هذه الدراسة اقترح وضع نظام غذائي محدد لتقييم البصمات المائية وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري لكل بلد. وفقًا للمؤلفين، تباينت النتائج على نطاق واسع حسب البلد بسبب اختلاف طرق الإنتاج الزراعي وأنماط التجارة والاحتياجات الغذائية. ففي بعض البلاد الفقيرة يستهلكون كميات كبيرة من المنتجات الحيوانية إلا أن البصمة المائية وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري تتباين بشكل كبير لوجود اختلافات متعددة في نظم إنتاج اللحوم. في المقابل فان بلاد مثل الولايات المتحدة التي لا تعاني من تناول البروتين يمكن أن تقلل من آثار ارتفاع البصمة المائية بشكل كبير من خلال التحول إلى المزيد من النظم الغذائية النباتية. ويتبين من ذلك أنه يتعين على كل شخص أن يعي تماما أهمية أن يصمم نظامه الغذائي الخاص بناءً على متطلباته الغذائية واحتياجاته الصحية. ومن المعروف انه لا يمكنك إدارة ما لا تقيسه، وبالتالي فإنه من الطرق الممتازة لقياس تأثيرك الفردي على موارد المياه العثور على بصمتك المائية الشخصية باستخدام حاسبة البصمة المائية. يمكنك بعد ذلك الاطلاع على دليل البصمة المائية للأغذية لمعرفة مقدار تكلفة الوجبة من استنزاف المياه. بالقطع سيساعدك الدليل على إجراء بعض البدائل السهلة التي يمكن أن تخلق انخفاضًا كبيرًا في بصمتك المائية ويساعدك على تقليل تأثيرك على العالم من حولك. مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع، لذا فإن من أفضل الاستراتيجيات لتقليل البصمة المائية لنظامك الغذائي ألا تفرط في تناول البروتين. في الواقع أن تناول الكثير من البروتين على مدار يومنا يؤدي إلى زيادة الطلب على المياه خاصة أننا أصبحنا نعاني من شح المياه. ومن المعلوم لدينا أنه يتم إخراج البروتين الزائد من أجسامنا كنفايات، مما يجعله نفايات حقيقية، لذلك ضع في اعتبارك كمية البروتين التي تتناولها يوميا.
دليلك لخفض البصمة المائية
هل أنت من المؤمنين بهذه الحقائق العلمية السالف سردها؟ إذا كنت كذلك فإنك بالطبع ستصبح ممن يساهمون في خفض البصمة المائية في وجباتهم بخفض المستهلك من البروتين. وإذا كنت من الأفراد الذين يساهمون بإيجابية في رفاهية الإنسانية والحفاظ على حياه الكثيرين الذين ليتمتعوا بما تتمتع به من وفرة الغذاء، فإنك بالفعل تحتاج الى ضوء على الطريق حتى تستطيع أن تهتدى به وبالتالي فان هذه الإرشادات مقدمة إليك لتحسن من استهلاكك وتزيد من فاعلية المشاركة الإيجابية:
1- لا تهدر الطعام
من أفضل الطرق لتقليل بصمتك المائية هي التوقف عن إهدار الطعام. حيث ان لكل كمية من الطعام التي تهدرها بصمة مائية تم استنزافها لإنتاج هذا الطعام ونهدر هنا في مصر مالا يقل عن 40 في المائة من الغذاء الذي تنتجه. يعني إهدار الطعام الصالح للأكل أيضًا إهدار جميع الموارد التي استغرقتها لإنتاجه، بما في ذلك المياه والأرض والأسمدة والمبيدات الحشرية الناتجة عن البترول والغاز والبذور والمال وحياة الحيوانات والعمل. يوجد على شبكات النت مواقع عديدة لحساب البصمة المائية تحتوي على الكثير من الأفكار والموارد حول كيفية تقليل إهدار الطعام. ستساعد في تقليل بصمتك المائية بالإضافة إلى مكافحة تغير المناخ.
2- قلل من تناولك للحوم
مع زيادة رفاهية الإنسان يتزايد استهلاك اللحوم بما في ذلك لحوم البقر والدواجن والضأن في مصر، وكذلك في جميع أنحاء العالم. قد يكون لهذا عواقب وخيمة مستقبلا إذا استمرت اتجاهات الاستهلاك المتزايد للبروتين الحيواني ويتأثر المناخ الذى قد يؤدى للجفاف. وهناك اقتراحات بخفض 15% من استهلاك اللحوم عن طريق تقليل عدد الأيام التي يتناول فيها اللحوم بحيث تصبح مرة واحدة أسبوعيا.
3- تناول الأطعمة الموجودة بأسفل السلسلة الغذائية
من الوسائل التي يمكن أن تساعدك على توفير الماء وخفض البصمة المائية، تناول الطعام في أسفل السلسلة الغذائية. على سبيل المثال، في حين أن حصة لحم البقر تستهلك 15 م3 ماء/ كجم لحوم، فإن نفس الكمية من الديك الرومي تحتاج نصف م3، والفاصوليا تحتاج 0.185 م3 ماء فقط.
4- قلل من تناول كميات الأطعمة المصنعة
عمليات الطهي المختلفة تستهلك كميات مختلفة من الماء لإعداد الطعام. بعض طرق إعداد الطعام تحتاج الى استهلاك كميات كبيرة من المياه مقابل طرق أخرى للطهي تستهلك كميات اقل من المياه وهذا قد يتوقف على خطوات ومكونات عملية التجهيز في صنع الغذاء. هذا يعني أن خطوات الإعداد الأقل تشارك بكمية أقل من الماء في صنع طعامك.