دعلي اسماعيل يكتب : هل تعيد الحرب الاوكرانية ترتيب اقتصاد المنطقة العربية ؟؟؟

1 أغسطس، 2022 - بتوقيت 12:19 ص

استاذ ادارة الاراضي والمياه

 

مع استمرار الحرب الروسية الاوكرانية وتبعاتها السلبية علي المنطقة العربية بشكل اساسي ونقص امدادات سلاسل الغذاء وبداية دخول الاقتصاد العالمي نتيجة تأثر الإنتاج الصناعي وكساد التجارة العالمية مع الاتحاد الاوربي و الولايات المتحدة الامريكية يتساءل الكثيرون عن مدي تأثير ذلك علي الدول العربية ومدي تبعاته على اقتصادياتها الحالية وفي المستقبل القريب مع ارتفاع اسعار النفط العالمية ومردود ذلك علي الدول الخليجية ؟
ربما تعود مصر الي قيادة اقتصاد المنطقة العربية واعادة قبلة الحياه الي التعاون العربي الاقتصادي المشترك واقامة تكامل عربي يؤمن حاجة المنطقة العربية من غذاء وملبس ودواء وصناعة وغيرها من الانشطة الاقتصادية الانتاجية الهامة للسوق العربي وتلبي طموح الشعوب العربية في تكامل اقتصادي حقيقي قد ظهرت الحاجة اليه في الوقت الحالي بعد تفشي ازمة كورونا وربما عودتها في الموجة الجديدة مع توابع الحرب الاوكرانية و ارتفاع اسعار السلع الغذائيه وهروب الاموال الساخنة وعودتها الي امريكا بعد رفع اسعار الفائدة المتتالي وصعود الدولار الي اعلي مستوياته وتأثيره علي الاقتصاديات الناشئة وهبوط اسعار عملاتها التي تضر بمواردها الدولارية ورفع تكلفة سداد الديون مع تحميلها اعباء ضخمة لمجابهة ارتفاع الاسعار والخامات وغيرها من مستلزمات الانتاج بشكل يتطلب منها جهود مضاعفه في مواجهة هذة الموجة التضخمية و الحماية الاجتماعية في ظل انخفاض الدخول و ارتفاع الاسعار.
وادا نظرنا الي مايتم في الدول الغنية وما يحدث لها بعد ازمة الطاقة وارتفاع اسعارها وخاصة البترول والغاز الطبيعي وغلق الحنفية الروسية لامدادات الغاز لدول الإتحاد الأوربي والعقوبات المفروضة علي روسيا والتي اصبحت تمثل خطرا حقيقيا علي الاتحاد الاوربي مع استمرار هذه الحرب وتضرر الدول الاوربية وهبوط اليورو لادني مستوي له منذ العمل بة . وقد ظهر تخلي الدول العظمي عن الاقتصاديات الناشئة و التي اعتقد البعض انها سند وداعم حقيقي لها في كل الاوقات واهمها الولايات المتحدة الامريكية الا انها تخلت عن دورها مرحليا في مساعدة هذة الدول بل أصبحت اكثر ضرارا لها وحتي في مساعدة رغم الزعامة التي تحاول أن تدافع عنها رغم الالة الاعلامية التي كانت تصورها لنفسها في افلام هوليود بانها صانعة المستحيل . فربما في القريب العاجل يتغير اقتصاد العالم و المنطقة العربية والتصنيف الاقتصادي لها مع ظهور قوي عالمية جديدة لن يكون الدولار هو قبلة العالم المالية وهو ما تسعي له روسيا والصين وتقاتل امريكا من اجل وقف ذلك حتي النفس الاخير ومعها اوروبا العجوز.
وتؤثر الحرب الروسية الاوكرانية على الاقتصاد العالمي بشكل فعال وتضرر منه معظم الدول
بما أن ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء لأن الزراعة والنقل يصبحان أكثر تكلفة مع نقص الإمدادات فمنذ بدء الحرب الروسية فقد قفزت أسعار القمح بنحو ٤٠%، وزيت عباد الشمس ارتفع بحوالي ٥٠%، كما ارتفعت التكلفة العالمية للأسمدة بنسبة ان اكثر من ٢٠٠ %، مما ينذر معه بارتفاع أسعار المواد الغذائية حاليا وربما في المستقبل القريب بزيادات غير مسبوقة مع انخفاض الانتاج من قبل المزارعين وموجات الجفاف والحرائق التي تعرضت لها أوروبا الايام الماضية ولكن قد تظهر معه بادرة الامل بعد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية.
وان بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد بشكل مفرط على استيراد الغذاء والطاقة، الأمر الذي يتركها هشة على بشكل خاص أمام الصدمات الاقتصادية نتيجة الأزمة الأوكرانية؛ إذ إن بعض الدول تشتري كميات كبيرة من القمح من أوكرانيا وروسيا. وفي حين أن البعض مثل دول الخليج العربي تمتلك احتياطيات نقدية كبيرة فإن دولاً أخرى مثل لبنان لا تمتلك أية احتياطيات الأمر الذي يجعل احتمال حدوث نقص لديها حقيقياً. وبالرغم من امكانية واردات القمح الروسي فإن المستوردين يواجهون صعوبة متزايدة في شراء القمح من روسيا بسبب صعوبات تحويل الأموال إلى الشركات الروسية والتأمين على السفن الا ان الحكومة الروسية تصنف الدول والتي يمكنها تصدير القمح لها بالدول الصديقة . أن الاعتماد على النفط والغاز المستوردين يمثل مشكلة أيضاً، فقد تبقى دول لديها اكتفاء ذاتي منهما أو حتى تصدر النفط والغاز مثل إسرائيل ومصر وإيران والعراق وليبيا ومعظم دول الخليج العربية التي تبقي محمية من الركود الاقتصادي ونقص احتياطيات النقد الاجنبي بينما قد تواجه دول أخرى مثل لبنان وفلسطين والأردن، واليمن وتونس صعوبات اقتصادية مع معاناة سكانها بدرجة أكبر .
قد تُحدث التكلفة المتزايدة لأسعار النفط والغاز نفسها أثراً سلبية خاصة على ارتفاع تكلفة النقل وبالتالي أسعار السلع بشكل عام الأمر الذي سيفرض ضغوطاً تضخمية ويمكن أن يعطل سلاسل الإمداد بالسلع الأساسية وغير الأساسية بشكل يزعزع الاقتصادات الهشة والضعيفة أصلاً. بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع أسعار الوقود سيجبر الدول الفقيرة والمستوردة للنفط على تخفيض سعر صرف عملاتها الوطنية ما سيحدث انخفاضاً في الدخول وتردياً في الأحوال المعيشية للمواطنين.
فمصر التي تخطت مشكلة كورونا العالمية لن تكون ضعيفة بشكل خاص أمام الصدمات الاقتصادية والسياسية المترتبة على الغزو الروسي لأوكرانيا . رغم انها أكبر مشترٍ للقمح في العالم وتعتمد في 80 بالمئة من وارداتها على روسيا وأوكرانيا الا ان الدولة المصرية قادرة علي تخطي هذه الازمة مع ما يقوم به السيد الرئيس من جهود جبارة في تحديث وتطوير ودعم القطاع الزراعي مع استصلاح ٤مليون فدان . و ان انقطاع الواردات بسبب الحرب يعني أن تواجه الحكومة تحدياً معقداً إذ يترتب عليها البحث عن مزودين جدد في الوقت الذي تحاول فيه امتصاص ضربة ارتفاع أسعار الأغذية، في حين أن التكلفة الأكبر للذرة وفول الصويا (المستعملة في العلف ) المستخدمة في الاعلاف كتغذية الحيوانات والدواجن تسبب تضخم من أسعار اللحوم والأسماك التي تتم تربيتها في المزارع.
ولقد تبنت الحكومة المصرية مجموعة من إجراءات طوارئ وحزم مساعدات اجتماعية لتلافي الأثر المباشر لارتفاع أسعار الأغذية لكن التداعيات الاقتصادية الأوسع ما تزال غير واضحة. وحظرت السلطات تصدير المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والفول والعدس والمكرونة وقدمت حوافز وفرضت أنظمة جديدة على منتجي القمح المحلي في محاولة لتعزيز الإمدادات المحلية مع عودة منظومة خلط الذرة ونسبة الاستخلاص ربما تعزز من تقليل الواردات حاليا . بالإضافة إلى ذلك فرض الرئيسي عبد الفتاح السيسي حداً أعلى لسعر الخبز غير المدعوم. إلا أن ارتفاع أسعار الواردات وانخفاض عائدات السياحة نتيجة نقص الزوار الروس والأوكرانيين اللذين يشكلون نحو ثلث العدد الإجمالي لزوار مصر وأي انخفاض كبير منهم سيلحق الضرر بصناعة السياحة التي تشكل مصدراً رئيسياً للتوظيف والعملة الأجنبية على حد سواء . وقد رفعت الدولة معدلات الفائدة ٣٪ وخفضت معدل سعر الصرف لسد هذه الفجوة رغم ان زيادة معدل الفائدة واحد بالمائة يزيد عجز الموازنة حوالي ٥٠ مليار جنيه الا ان الحكومة المصرية تحاول تخطى هذة الازمة.
فالعالم اليوم اصبح في وضع مرتبك بشكل يحبس الأنفاس ويهدد بشلل التجارة والاقتصاد وان آخر الأخبار تفيد بأن الفيروس عاود الانتشار و مواجهته غير معقدة في وقت أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على مستوى العالم مرة اخري . ولا يمكن حصر الخسائر الاقتصادية الناجمة على مستوى العالم بشكل دقيق. غير أنها في الواقع حاليا تبلغ مئات المليارات من الدولارات إذا أخذنا بعين الاعتبار فقط تأثير العامل النفسي على العقود والاستثمارات والتبادل التجاري العالمي مع اهم شركاء الاقتصاد كامريكا والاتحاد الاوربي و الصين بطل العالم في التصدير وأن ناتجها المحلي الإجمالي يزيد عن 14 تريليون دولار سنويا ما يشكل 17 بالمائة من الناتج العالمي.
اما بالنسبة للعالم العربي مع الدول النامية يعني ذلك خسائر يومية بمئات ملايين الدولارات و لأن الصين أضحت أهم شريك تجاري لكل الدول العربية ،فحجم التبادل التجاري بين الطرفين يزيد على 240 مليار دولار سنويا خلال العامين الماضيين مقابل 190 مليار دولار عام 2011 و 40 مليار دولار عام 2004. و تكتسح الصادرات الصينية الأسواق العربية بشكل يتزامن مع تراجع دور قطاعات الإنتاج والحرف والصناعات التقليدية المحلية فيها قياسا لدورها قبل بضعة سنوات. ومما لا شك فيه أن المنافسة الصينية العاتية والمتزايدة ساهمت بشكل واضح في هذا التراجع إلى جانب عوامل أخرى أبرزها غياب الوعي والصرعات العربية والشرذمة وعدم تفعيل التعاون الاقتصادي العربي وخروج استثمارتهم الي امريكا واوربا وضيق الافق لدي النخب الاقتصادية العربية بالأهمية الحيوية والاستراتيجية لحماية المنتج المحلي ودعم الاستثمارات العربية المشتركة لدي الدول العربية والاستفادة من الموارد البترولية في بناء اقتصاد عربي موحد اصبح ملحا وظهرت أهميته في الوقت الحالي مع صراع القوي الكبرى والتي تسعي لمصالحها الاستراتيجية.
فهل نحن امام حرب عالمية عسكرية مقدمتها بيولوجية جديدة لم يتم السيطرة عليها بدءت بين الصين وامريكا كجزء من الحرب الاقتصادية التي كانت بينهم في الشهور التي سبقت كورونا وبدءها الرئيس الامريكي ترامب من خلال فرض رسوم علي الواردات الصينية الي امريكا وقابلها تخفيض لسعر الايوان الصيني . تلاها ظهور الفيروس الجديد كوفيد 19 ليصبح وباء ينتشر بشكل خطير وينتقل بالمرة الي اوربا والي امريكا اكبر قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية علي مستوي العالم ثم نري الحرب الروسية الاوكرانية وتبعيتها علي الاقتصاد العالمي.
فالمشهد ومسرح العمليات يظهر ان الامر ليس امرا سهلا ويسيرا ولكنه معقد في ظل عدم توفر بيانات وحقائق واسرار غير معلنه تسبب اضرار محسوبة علي الاقتصاد العالمي مع وجود ركود يظهر وتطل راسة من امريكا ومع تلك الحرب القذرة التي انتجتها المعامل وتسربت الي العالم فالدمار الشامل والسريع ربما يعيد الي الاذهان ازمنة وباء التيفويد والكوليرا . مما يضعنا امام ازمة سوف تتغير معها الخريطة العالمية سواء اقتصاديا او عسكريا وربما ديموجرافيا. فالغلبة لمن ستكون ؟؟؟ هل تكون للجنس الاصفر وتخرج الصين فائزة ومسيطرة علي العالم مع روسيا مع تراجع اوروبا وامريكا ام حرب عالمية ثالثة تأتي بالأخضر واليابس ولا نعلم من سيبقي ؟؟؟؟؟
وفي حال فشلهم في الوصول الي حل لهذه الازمة العالمية فهي بداية لجولة جديدة من الحرب الاقتصادية وحرب النفوذ والقوة العالمية. قد تظهر معها نظريات جديدة لانتخاب اجناس بشرية لديها المناعة الطبيعية تبقي مقاومه ولها القدرة علي الاستمرار في الحياه وتنتهي الفئات الاضعف والافقر في العالم ليبقي المليار الذهبي الذي تخطط له الماسونية.
ونعود مرة اخري وكما يتساءل الكثيرون عن مدي تأثير ذلك علي الدول العربية ومدي تبعاته على اقتصاداتها الحالية وفي المستقبل القريب ؟
فالخسائر الأكبر تقع على عاتق الدول الفقيرة وتستفيد منها دول الخليج البترولية. وهو الأمر الذي يعني زيادة عائدات الدول العربية النفطية وانخفاض موارد الدول العربية غير النفطية. وسيزيد الطين بلة زيادة الطلب على النفط من الناحية الكمية وقد تتوقف عمليات الإنتاج والصناعة في معظم بلدان العالم صاحبة الاحتياجات النفطية الاعلي عالميا وتراجع حركة السفر والتجارة وغلق الحدود لزيادة اسعاره واسعار الغاز . كما أن أسواق الدول العربية ستتأثر بتراجع الإنتاج الصناعي والزراعي العالمي فمثل هذا التراجع سيقود إلى قلة المعروض من هذه السلع وارتفاع تكاليف النقل والتأمين عليها بسبب المخاوف الحقيقية والنفسية مع الدول الصناعية المساهم الاكبر في الانتاج العالمي الاستهلاكي . ومن تبعات ذلك ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة وتراجع القوة الشرائية لفئات الدخل المحدود والطبقة الوسطى التي اعتادت على استهلاك المنتجات الصينية الأنسب سعرا مقارنة بالمنتجات الأوروبية والأمريكية واليابانية المشابهة.
فهل تنجح مصر من خلال شراكة عربية داعمة في سد جزء من هذا الفراغ للدول العربية وهل ينجح الاقتصاد المصري في تخطي الازمة ويكون بديلا قويا لإمداد الدول العربية بالاحتياجات المطلوبة من السلع المصنعة والمواد الغذائية ولو مرحليا في التغلب علي هذه المشكلة وخاصة مع المنتجات الزراعية الطازجة والمصنعة و الاستهلاكية .وانها فرصة ذهبية لإحياء زراعات وصناعات تقليدية يمكن ان تلبي الاحتياجات العربية من المنسوجات وغيرها من المنتجات المصرية للسوق العربية . وهل تستوعب الحكومات العربية اهمية التعاون العربي الاقتصادي المشترك والسوق العربية المشتركة . وهنا لا بد من تركيز الجهود على إعادة إحياء الصناعات والزراعات التقليدية التي توفر الملبس والغذاء والأدوات المنزلية والادوية الضرورية وان تعيد استثمارتها داخليا وفي اطار المحيط العربي والاستفادة من القدرات المصرية في التنمية العربية التي يمكن الاعتماد عليها لبناء قوة عربية اقتصادية تحقق مايتتطلبه الشعب العربي بعيدا عن الانعزالات والاوهام الاستعمارية والصرعات الاقليمية .