دعلاء البابلي يكتب  : مصر مركز إقليمي للطاقة الخضراء

15 أغسطس، 2022 - بتوقيت 10:20 م

خبير المياه الدولى – مصر

 

على الرغم من أن الانبعاثات، التي تصدر عن مصر لا تتجاوز 0.6% من إجمالي انبعاثات العالم، فإن مصر تعد واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات، مثل: السواحل، والزراعة، والموارد المائية، والصحة والسكان، والبنية الأساسية، وهو ما يؤدي إلى إضافة تحدى جديد لمجموعة التحديات التي تواجهها مصر، في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030، حيث تولي “رؤيةُ مصر 2030” أهميةً لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونةَ والقدرةَ على مواجهة المخاطر.
تم اتخاذ العديد من الخطوات، من بينها وضع إطار استراتيجية تنمية منخفضة الانبعاثات حتى عام 2030 والتي يجري تحديثها حتى عام 2050، لتتناول خطط التنمية الوطنية وخطط تغير المناخ في إطار متسق ومتناغم، بالإضافة إلى تبني استراتيجية الطاقة المستدامة لمصر 2035، والتي تستهدف زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء وتحسين كفاءة الطاقة.
ومن هنا، يجري إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية. ولا يمكن لهذه العملية استخدام تيار كهربائي الامن خلال محطات الطاقة الكهربائية النظيفة والمتجددة فقط لا غير (الطاقة الكهرومائية، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح) .
يتم تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة المتجددة، مثل: مشروعات طاقة الرياح، ومشروعات الطاقة الشمسية والتي أبرزها مشروع “بنبان” بأسوان، والنظرة المستقبلية لتصبح مصر مركزاً إقليمياً للطاقة من خلال إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة مباشرة، أو من خلال الهيدروجين الأخضر لإنتاج الأمونيا الخضراء فى الزراعة وغيرها من المجالات المتعلقة بها. ان أهداف الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، تعد أهدافا طموحة تشمل تحقيق نمو اقتصادي مُستدام ومنخفض الانبعاثات في مختلف القطاعات، إلى جانب بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة به، وتعزيز حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، بالإضافة إلى تحسين البحث العلمي وإدارة المعرفة ونقل التكنولوجيا ورفع الوعي.
فمن المتوقع ان تصل نسبة استخدام الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء بمصر 2030 الى 40% من إجمالي الطاقة التى تولدها مصر بالكامل من الكهرباء وستكون مصر واحدة من أكبر دول العالم في انتاج الهيدروجين الأخضر.
تسعى الشركات سعيًا حثيثًا إلى تطوير آلات التحليل الكهربي التي بإمكانها إنتاج الهيدروجين الأخضر بالتكلفة ذاتها التي يُنتَج بها الهيدروجين الرمادي والأزرق، وهو الهدف الذي يتوقع المحللون أن تتمكن الشركات من تحقيقه في غضون السنوات العشر القادمة. وفي الوقت نفسه، شرعت شركات الطاقة في الاستعانة بآلات التحليل الكهربي مباشرةً في مشروعات الطاقة المتجددة من أجل توليد الهيدروجين الأخضر على نطاق صناعي.
النواحي الاستثمارية والاقتصادية :
مصر ستصبح مركز إقليمي لإنتاج الهيدروجين الاخضر من خلال إعداد استراتيجية وطنية لإنتاج الهيدروجين الاخضر وتوطين مشروعات انتاج طاقة الهيدروجين الاخضر وضرورة اقرار حوافز ضربيه لتنفيذ مشروعات الطاقة الخضراء وتعظيم المكونات المحلية لمنظومة انتاج الهيدروجين الاخضر، كما ان هناك شركات المانية تدرس انشاء محطة تحويل المخلفات لهيدروجين بمنطقة القناة، كما تعتزم شركات اخرى اقامة مصنع للهيدروجين بالمنطقة الاقتصادية للقناه. وستكون هناك فرصة لتطوير مشروعات الهيدروجين الاخضر مع الجهات المناحة والمشاركة من اجل التنمية الخضراء على ان تصبح اقتصادية منطقة قناة السويس عاصمة لصناعة الهيدروجين الاخضر ومركز إقليمي للطاقة الخضراء. ومن هنا ستكون هناك فرصة كبيرة لإنتاج الامونيا الخضراء من تفاعل النتروجين مع الهيدروجين الاخضر الصديق للبيئية والمصنع، عبر الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة مثل الطاقة الشمسية والتى توجد مثلا في محطة بنيان بأسوان ، او من مساقط السد العالي او من محطات الرياح بالزعفرانة حيث لا يستخدم الغاز الطبيعى كمصدر للطاقة لأنه يحتوى على الكربون. وبذلك يعتبر الهيدروجين الأخضر عضوٌ جديد في أسرة الطاقة المتجددة خالي من الكربون مما يساعد على خفض الانبعاثات الكربونية و يلتحق بذلك بطاقة الرياح والطاقة الشمسية .وان هذا مهم جدا عند استضافة مصر لمؤتمر المناخ كوب 27 والذى سيعقد في شرم الشيخ هذا العام.
من شأن أساليب التكنولوجيا الحالية، كتلك المستخدمة في إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أن تَحُدَّ من الاعتماد على الكربون في قطاع الطاقة بنسبة تصل إلى نحو 85%، عبر إحلال الكهرباء النظيفة محل كلٍّ من الغاز والفحم. أما بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل قطاعَي الشحن والتصنيع، فتواجه صعوبة أكبر في التحوُّل إلى الاعتماد على الكهرباء؛ إذ عادةً ما تتطلَّب وقودًا يتسم بارتفاع كثافة طاقته أو الحرارة الناتجة عنه عند درجات الحرارة العالية. الهيدروجين الأخضر يُعَد واحدةً من أربع تقنيات ضرورية لتحقيق هدف “اتفاق باريس للمناخ”، المتمثل في تقليل ما يزيد على 10 مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًّا في القطاعات الصناعية التي تشكل التحدي الأكبر في هذا المضمار، مثل قطاعات التعدين، والتشييد والبناء، والصناعات الكيماوية.
أن إنتاج الهيدروجين الأخضر ما زال يخطو خطواته الأولى، تضخ دولٌ عدةٌ استثماراتها في هذه التكنولوجيا، لا سيّما تلك الدول التي تتوافر لها طاقة متجددة قليلة التكلفة. ومن هذه الدول أستراليا، التي تسعى إلى تصدير الهيدروجين المزمع إنتاجه عبر استغلال ما يتوافر لديها من طاقة شمسية وطاقة الرياح، في حين تخطط تشيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة في شمال البلاد، الغنية بالكهرباء المُوَلَّدة باستخدام الطاقة الشمسية. وأما الصين فتعتزم إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030.
نشرت المفوضية الأوروبية مؤخرًا خطة إنتاج الهيدروجين لعام 2030، التي تدعو فيها إلى زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين لتصل إلى 500 جيجاوات بحلول عام 2050 (علمًا بأن القدرات الحالية لا تزيد على 0.1 جيجاوات). وهذا ما دفع مؤسسة الخدمات المالية العالمية ، في أوائل العام الجاري، إلى التنبؤ بأن قيمة الاستثمارات السوقية في إنتاج الهيدروجين الأخضر سوف تبلغ 12 تريليون دولار بحلول عام 2050.
في النهاية:
الحكومة المصرية تسعى لتشجيع الاستثمارات والمشروعات الصديقة للبيئة والمناخ، ولعل أهم المبادرات الحكومية في هذا الصدد هي السندات الخضراء التي تتيح تسهيلات لتنفيذ تلك المشروعات، حيث نجحت مصر في الإصدار الأول للسندات الخضراء ، بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام، كما تم إعداد الإطار الارشادي لإدماج البعد البيئي بنسب معينة في مشروعات وخطط الدولة التنفيذية من خلال الاستراتيجية وطنية لإنتاج الهيدروجين الاخضر وتوطين صناعته فى مصر اتصبح مركزا اقليميا لإنتاج طاقة الهيدروجين الاخضر.