د. إياد حرفوش يكتب : اللجنة العليا للدواجن.. من يوصي من؟
18 أغسطس، 2022 - بتوقيت 3:57 م
خبير صناعة الدواجن وعضو اتخاد المنتجين
“أوصيت أخي بزوجتي خيراً”!! هل تُقبل هذه العبارة منطقياً، إلا من رجلٍ يصارع العلة وينتظر قضاء الله؟ أظنها لا تقبل!! لأن صاحب الولاية والأهلية لا يوصي غيره بفعل هو أولى به إلا لو أصابه عجز مقعد!!
خطر هذا ببالي وأنا أطالع “التوصيات” الصادرة عن اجتماع اللجنة العليا لتطوير صناعة الدواجن أمس الموافق 16/8/2022م. التوصيات يا سادتنا تصدر عادة عن المؤتمرات العلمية والندوات التي يلتقي فيها أهل الخبرة والرأي، ممن لا يملكون صلاحية اتخاذ القرار، لينقلوا لصانع القرار رأيهم المؤسس على خبراتهم لينتفع به في اتخاذ قراره. أما اللجنة العليا فهي لا تضم خبراءً فقط! فهي لجنة شكلت بتوجيه من القيادة السياسية في يونيو 2021م، وصدر تشكيلها عن دولة رئيس مجلس الوزراء، ويرأسها معالي وزير الزراعة (السلطة التنفيذية)، وتضم في عضويتها رئيس لجنة الزراعة في مجلس النواب (السلطة التشريعية)، ورئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن (الممثل الشرعي للصناعة)، والغرف التجارية، وممثلين لكبار وصغار منتجي الدواجن! فلو كانت مخرجات اجتماعها مجرد توصيات، فمن يتخذ القرار وبأية سلطة؟ لقد كتبنا من قبل أن الصناعة توقعت من هذه اللجنة عند صدور التوجيه الرئاسي بتشكيلها منذ أكثر من عام خيراً كثيراً، حتى وإن كانت لنا بعض التحفظات على تفاصيل تشكيلها عند صدوره من مجلس الوزراء. لهذا، فنحن عندما ننتقد اليوم أداءها في الاجتماع الأخير، والذي جاء بعد عامٍ من الاجتماع الأول، لا ننتقده من موقع الكاره الراغب في الهدم، ولكن من موقع المحب الحريص على تقويم البناء!! والآن فلنطالع ما نشرته الصحف حول التوصيات، ونقارنه بما كنا ننتظره من لجنة ضمت كل أقطاب القرار في هذه الصناعة الحيوية ومختلف السلطات.
أوصت اللجنة بالعمل على وجود سعر عادل للمنتجين! جميل جدا، ولكن كيف؟ كيف يكون هذا العمل؟ وكيف يتحقق هذا الوجود؟ كنا نتوقع أن تشكل اللجنة لجنة حساب تكاليف وتسعير، مشكلة من خبير اكتواري وثلاثة خبراء في مجالات تربية الأمهات والتسمين والبياض لحساب سعر استرشادي يومي ونشره في الصحف. وكنا نتوقع منها مكاتبة رسمية لجهاز حماية المستهلك، لإفادته بأن السعر الاسترشادي المؤسس على حساب التكلفة لا يتعارض مع قواعد المنافسة لأنه غير ملزم.
بقية التوصيات كانت موجهة من اللجنة الموقرة إلى منتجي الدواجن!!! أوصت اللجنة بتوسع مصانع الأعلاف في استخدام الذرة المحلية، وهو أمر لا يحتاج إلى توصية حاليا لأن نقص الذرة الصفراء المستوردة بسبب مشاكل النقد الأجنبي حقق رواجا راهناً للذرة المحلية. لكن الذرة المحلية في النهاية غير كافية لتغذية الإنتاج الداجني. بمعنى أن التوسع في استخدامها، وهو مطلوب، لن يغنينا عن حل مشاكل توافر النقد الأجنبي لاستيراد الذرة والصويا. كذلك أوصت المنتجين بالانتقال من نظام التربية المفتوح إلى المغلق، وهي توصية كان الواقع الوبائي أقوى في فرضها على الواقع، فكل من يملك الموارد للانتقال قد انتقل بالفعل خلال السنوات الماضية لتقليل المخاطر الوبائية وتكلفة التشغيل. كذلك أوصت اللجنة بالتوسع في عضوية الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، ولكن كيف وعضويته غير ملزمة؟ ولا تحمل مزايا للأعضاء؟ كان أولى باللجنة الموقرة أن تكلف رئيس لجنة الزراعة في البرلمان بطرح تعديل قانون الاتحاد ولائحته التنفيذية تحت قبة مجلس النواب، ولحين تعديل القانون، كان بوسع معالي وزير الزراعة أن يوجه الأطراف المعنية بالوزارة باعتبار بيان عضوية الاتحاد شرطا ملزما ضمن مستندات ترخيص أي مزرعة أو شركة أو مصنع! بهذا، وبهذا فقط، يضم الاتحاد قواعد الصناعة!! كذلك أوصت الوزارة الاتحاد بتحديث البيانات الرقمية لمزارع الدواجن!! وهي توصية برأينا معكوسة!! فمن يملك السلطة والقدرة على حصر مزارع الدواجن هي وزارة الزراعة نفسها، فهي كسلطة تنفيذية تملك وحدها الحق في أن تطلب من مزارع الجدود قائمة بعملائها، فتحصر بهذا مزارع الأمهات! وتطلب من مزارع الأمهات ومصانع الأعلاف قائمة دقيقة بعملائهم، فتحصر مزارع التسمين، وهكذا!! حصر التربية الداجنة لا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية وتنفيذية.
كما أوصت اللجنة بضم الدواجن والبيض للبورصة السلعية، وهو أمر لا يحتاج إلى توصيات قدر ما يحتاج إلى تذليل عقبات محددة، ووضع ضوابط، والاستفادة من خبرات عالمية معروفة في مجال انتقال التداول السلعي إلكترونيا. وختاما، جاءت توصية أوردتها بعض المصادر ولم توردها بعضها ولا نعلم مدى دقتها، وهل صدرت أم لا، تحدثت عن بورصة بنها للدواجن. فلو صدقت التوصية، فهي بدورها تحتاج من اللجنة العليا لمخاطبة محافظة القليوبية، وتحديد مهلة ثلاثين يوما لتمكين الاتحاد من الأصول التي اشتراها واستثمر فيها منذ سنوات طوال! فإذا توانت المحافظة عن التمكين حق للاتحاد اللجوء للتقاضي بما لديه من أوراق الملكية. ربما كانت آليات الزمن قد تجاوزت فكرة البورصة “المكانية”، لكن تمكن الاتحاد من تلك الأصول يمكنه من تمويل بورصة إلكترونية تخصه لو أراد! وفي النهاية هي أصول مملوكة له، ولا يليق بالاتحاد أن يضعف عن تحصيل حقوقه، وإلا كان عن المطالبة بحقوق المنتجين أضعف!
ذات يوم في أربعينات القرن العشرين قال مكرم عبيد باشا رحمه الله للمجتمعين: “أيها السادة، انقضوا أو انفضوا”، ليقطع حوارا طويلا كان يدور في ظل ظرف دقيق يحتاج إلى الفعل الإيجابي أكثر مما يحتاج إلى الكلام. اليوم، وفي ظل ظروف تكالبت فيها على صغار المربين مصائب نقص المواد العلفية من جهة، وتدني أسعار الدواجن والبيض من جهة، حق لنا أن نخاطب اللجنة الموقرة لنقول لهم، بكل الود والاحترام: يا سادتنا، استوصوا بالصناعة ولا توصوا! قرروا أفعالا ولا تكرروا أقوالا!!! جعلنا الله وإياكم ممن تواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر!!