د فوزي ابو دنيا يكتب : دور الزراعة في تحولات المدن لجعلها أكثر مرونة للتكيف على تغيرات المناخ
23 يوليو، 2023 - بتوقيت 12:49 م
المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية
ثلاث محاور هامة يهتم بها العالم الآن لجعل المدن أكثر استدامة وشمولية ومجتمعات أكثر مرونة للتكيف على تغيرات المناخ والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
التحول من خلال الزراعة الحضرية
الفضاء العام وإزالة الكربون والنشاط
سكن آمن وشامل
تشغل المدن من إجمالي مساحة الأرض ما يمثل 3 % فقط، إلا أنها مسؤولة عن معظم استهلاك الطاقة العالمي وانبعاثات الكربون. وبسبب ازدياد الكثافة السكانية والبنية التحتية المترابطة فإن العديد من المدن تكون أكثر عرضة لتغير المناخ والكوارث الطبيعية. ولتجنب الآثار الأكثر ضررًا لتغير المناخ، بما في ذلك الخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية، فإنه من الأهمية علينا بمكان، تحويل المدن ليكون لها دور مهم في تخفيف حدة التغيرات المناخية وتتوائم معها. ومع ذلك، تشير الدراسات الحديثة إلى أننا بعيدون عن تحقيق الأهداف العالمية الموضوعة لجعل مدننا أكثر مرونة. فبناء على التقييم الصادر من الأمم المتحدة عام 2022 والذي يعتبر صورة صارخة للتأثير الناتج عن المدن للمناخ، والذي يوصف بانه شعور “بخطر جسيم”. إذن، ما هي أفضل طريقة لإجراء التغييرات اللازمة بالمدن للوفاء بأهداف المناخ والتنمية العالمية التي من شأنها ضمان مستقبل مستدام وشامل؟ حيث يتطلب حجم هذا التحدي تحولات حضرية مكثفة على مستوى الأنظمة.
يزداد الاهتمام بالتحولات للمدن الحضرية بهدف جعل مجتمعاتها أكثر مرونة وموائمة مع تغيرات المناخ عن طريق الارتقاء بهذه المدن. هذا يعني تجاوز المناهج الضيقة التي تركز فقط على قضية واحدة، مثل النقل أو الإسكان، وتبني حلول اشمل تظهر تأثيرات تغير الحياة على معيشة البشر ويكون لها آثار مضاعفة على المؤسسات والمدن بشكل أوسع. على الرغم من انه من الصعب تحقيق التحول الحضري من الناحية العملية إلا أن تغيير الأنظمة في المدن يتضمن تحويل مكونات متعددة لنظام حضري معين لخلق تحول إيجابي شامل للنظام بأكمله، وغالبًا ما تكون هناك مسافة بين أنواع الحلول المطلوبة وكيفية عمل المدن بالفعل. إن محدودية الموارد وصعوبات التنسيق بين العديد من أصحاب المصلحة، من بين العديد من الحواجز أو العوائق الأخرى والتي تحد من القدرة على إجراء تغييرات منهجية ذات مغزى. ومع ذلك، هناك مدن حول العالم ترقى إلى مستوى التحدي. ودعونا هنا نسلط الضوء على ثلاثة مشاريع حضرية مبتكرة توضح كيف يمكن للحلول عبر القطاعات أن تحقق تغييرًا منهجيًا لجعل المدن أكثر استدامة وشمولية.
التحول من خلال الزراعة الحضرية
طورت مدينة روساريو، الأرجنتين والتي يقدر عدد سكانها بحوالي 1.2 مليون نسمة برنامجًا للزراعة في المناطق الحضرية وشبه الحضرية منذ عام 2001 لتصبح جزءًا رئيسيًا من قدرة المدينة على الصمود في مواجهة أحداث الفيضانات والحرارة. كانت المدينة تعاني من أزمة اقتصادية كبرى، تفاقمت بسبب هطول الأمطار والفيضانات القياسية، وقد واجه الآلاف في المدينة انعدام الأمن الغذائي والبطالة والنزوح والفقر.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدء إطلاق تدخلات روساريو الأولية لتزويد الناس بالموارد اللازمة لزراعة المنتجات على الأراضي الشاغرة وغير المستغلة بشكل كافٍ وبيعها في الأسواق المحلية للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية. وفي عام 2007 وفي أعقاب الفيضانات الكبيرة، حددت المدينة مناطق خطر الفيضانات التي يمكن تطويرها إلى” حدائق نباتية” للزراعة الحضرية. مثل هذه الزراعات تعتبر إحدى فوائد التغييرات في استخدام الأراضي في المجتمع والتي تحول مناطق الفيضانات إلى حدائق نباتية. منذ ذلك الحين، عملت المدينة على تحويل مساحات متزايدة من الأراضي إلى مساحات زراعية خضراء حيث تعمل هذه المساحات على الحد من الزحف العمراني الضار بالبيئة، وتهدئة المدينة، وامتصاص هطول الأمطار الزائدة. جلبت هذه التغييرات فوائد من استخدام الأراضي للسكان بمبادرات إضافية في أسواق المواد الغذائية، والوظائف الخضراء، والسماد، والطاقة المتجددة. وأصبحت تحتل الزراعة الحضرية الآن مكانة بارزة في الخطط الإستراتيجية المنتظمة للمدينة لمدة 10 سنوات. إن النهج الشامل الذي اتخذته مدينة روساريو قد أدى الى إحداث تغييرًا على مستوى الأنظمة لدمج الزراعة الحضرية في سياسات المدينة البيئية واستخدام الأراضي، مع وضع مجموعة من الفوائد المفيدة مما حدي بهذه المدينة للفوز بالجائزة الكبرى لجائزة مركز WRI Ross للمدن 2020-2021. توضح روساريو كيف يمكن لمدينة أن تسن تغييرات، وتنميتها بشكل مطرد بمرور الوقت، لتحويل أنظمة استخدام الأراضي والغذاء لتعزيز الأمن الغذائي والقدرة على التكيف مع المناخ من خلال البرامج الاجتماعية المرتبطة بالبرامج الزراعية.
انطلاق من هذا التحول فان عمل دراسات لكل مدينة طبقا لظروفها المناخية ومواردها فإننا يمكن ان نحول الجوانب السلبية والمخاطر المحدقة بالمدينة الى إيجابيات واستثمار الوضع لخلق فرص إصلاح مرنه تتوافق مع الإمكانات والموارد لتحويل المدن الى أن تكون أكثر استدامة وشمولية وأكثر مرونة في القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.
بالنسبة لمصر في شأن التحول من خلال الزراعة الحضرية
فإننا نرى انه يجب على الحكومة المصرية من خلال مؤسساتها المختصة سواء بالمجتمع أو الزراعة.. الخ، أن تهتم بشكل كبير باستخدام مياه الصرف الصحي بالريف المصري في زراعة الأشجار الخشبية على الطرق للاستفادة منها في إنتاج الأخشاب وبالتالي تشجيع وتنمية صناعة الأثاث والموبيليا لفتح فرص عمل وتقليل الاعتماد على استيراد الأخشاب أو الموبيليا من الخارج. وبذلك نكون قد استفدنا من الماء الذي يمكن أن يهدر أو يستخدم بالخطاء في ري التربة الزراعية مما يؤثر عليها فتقل خصوبتها وتتأثر إنتاجية المحاصيل نتيجة ما تحتويه هذه المياه من كيماويات المنظفات وغيرها والتي لها تأثير سلبي على خصوبة وجودة التربة.
الأمر الأخر يمكن الاستفادة من مياه المجاري بالمدن الحضرية بالمدن الجديدة في زراعة نباتات الزينة والأشجار الخشبية حول المدن وذلك للاستفادة من تلك المياه وعدم هدرها في زراعات لا طائل منها كذلك الاستفادة من زراعة الأشجار الخشبية لإنتاج الأخشاب وتوفير أماكن ظليلة للناس والسيارات وغيرها. من جهة أخرى إنتاج نباتات الزينة التي يمكن استغلالها في التصدير لتوفير العملة الصعبة. بالإضافة الى ذلك إخلاء الأراضي القديمة في الدلتا من زراعات نباتات الزينة وهي مساحة تربو الى نصف مليون فدان يمكن الاستفادة منها في الشتاء لزيادة زراعة محصول القمح بينما يمكن الاستفادة منها في الصيف في زراعة محصول فول الصويا كمحصول زيتي وأيضا لتوفير كسب الصويا الذي يعتبر مصدر بروتين للدواجن والماشية.
الفضاء العام وإزالة الكربون والنشاط
في توجه أخر لجعل المدن أكثر استدامة وشمولية وجعل مجتمعاتها أكثر مرونة للتكيف على تغيرات المناخ ظهرت تجربة مدينة جوادالاخارا، المكسيك، كيف أدى تحول المدينة في الطرق إلى تطوير أنظمة جديدة من النشاط والمشاركة السياسية في المدينة. كان التدخل المادي الأساسي هو عن طريق إطلاق برنامج يسمى الانتعاش في البداية في عام 2003 من قبل تحالف من أصحاب الأعمال بهدف تحسين النظافة ونوعية الحياة في وسط المدينة، وهو برنامج يختص بإغلاق طريق رئيسي في عطلة نهاية الأسبوع، حيث تمت دعوة المشاة وراكبي الدراجات لاستخدام الطرق الرئيسية المخصصة عادةً للسيارات. أثار إطلاق هذا البرنامج أهمية التنقل بدون محركات، حيث ظهرت فوائده في الأماكن العامة النابضة بالحياة الخالية من السيارات، حيث يستفيد المشاة وسائقو الدراجات من الشوارع المفتوحة كجزء من برنامج الانتعاش. بمرور الوقت، ساعد نجاح البرنامج في بدء ظهور تحالفات المجتمع المدني الجديدة التي تركز على الاستدامة والدعوة لركوب الدراجات، والتي كان لها منذ ذلك الحين تأثير ملموس على سياسات النقل في المدينة.
الأمر اللافت للنظر في هذا الموضوع انه في عام 2009، دعا ائتلاف من المنظمات الأهلية إلى خطة رئيسية جديدة للتنقل غير المزودة بمحركات أقرتها البلدية، وفي عام 2010 عارضت بنجاح بناء طريق سريع رئيسي لحركة مرور السيارات. منذ عام 2015، شكل بعض قدامى المحاربين في هذا التنظيم المجتمعي حزبًا سياسيًا تقدميًا جديدًا فاز منذ ذلك الحين بالانتخابات وشكل حكومة المدينة، والتي زادت بشكل كبير من الإنفاق على النقل العام. يوضح هذا المشروع كيف يمكن لتدخل واحد في مساحة عامة رئيسية أن يخلق دوائر انتخابية جديدة تركز على التغيير من أجل مدينة أكثر استدامة.
بالنسبة لمصر بخصوص الفضاء العام وإزالة الكربون والنشاط
فإننا نرى انه يجب على الحكومة المصرية الاهتمام بتضمين المدن الجديدة لمناطق صناعية مجاورة للمناطق السكانية حيث يقلل ذلك من استخدام المواصلات ويمكن في هذه الحالة اعتماد السكان العاملين في المناطق الصناعية المجاورة على استخدام الدرجات في تنقلاتهم وبالتالي يكون الاعتمام في تحركاتهم خارج المدينة على المواصلات العامة وبالتالي تقليل الانبعاثات الناجمة عن التحرك بالمركبات.
سكن آمن وشامل
إن التحدي المتمثل في توفير الخدمات والبنية التحتية للعديد من الأحياء العشوائية في مناطق مختلفة يمثل عقبة كبيرة لكثير من المدن. على سبيل المثال تتفاقم مشكلة تزايد مخاطر الفيضانات، والتي تهدد بتدمير المستوطنات العشوائية الموجودة على أطراف شبكة بانكوك الواسعة من القنوات والأنهار. جراء هذا التحدي كان هناك حاجة ملحة لبناء البنية التحتية للوقاية من الفيضانات في المدينة، دون الإخلال بحياة فقراء الحضر. لذلك وضعت المدينة برنامج إسكان آمن لتحديث المساكن بخطط مقاومة الفيضانات على مستوى المدينة لمنع التعرض لخطر الفيضانات. ويعتبر برنامج الإسكان الآمن الذي تم في عام 2003، على المستوى الوطني في تايلاند لدعم مجتمعات الأحياء الفقيرة في مدينة بانكوك من خلال التفاوض على الحيازة الرسمية وتقديم التمويل والإعانات لتحديث الإسكان بما يتماشى مع خطط القدرة على تحمل الفيضانات على مستوى المدينة. إن عمل البرنامج مع التعاونيات المحلية لسكان الأحياء الفقيرة كان بمثابة المفتاح لتأسيس العمليات التي يقودها المجتمع. حيث كان النهج التقليدية من أعلى إلى أسفل يُجبر فقراء الحضر على إعادة توطينهم في مساكن قد لا تلبي احتياجاتهم وهذا ما كان يتناقض مع التدابير التعاونية التي تدخلت لحل هذه المشكلة بكفاءة. ويشير هذا الى أن العمل من خلال شبكات المجتمع المحلي أيضًا أمرًا أساسيًا لتطوير أنظمة جديدة من “البنى التحتية الاجتماعية” التي تزيد من قدرة المدينة على الصمود في مواجهة الأزمات الأخرى.
من الجدير بالذكر فانه خلال جائحة COVID-19، تم استخدام بعض الشبكات التي تم إنشاؤها في إطار الترويج لمجموعة من المبادرات والمنح لدعم المجتمعات المتضررة من أزمة الإغلاق. أدى برنامج هذ الشبكات في الواقع إلى إحداث تغيير منهجي في استراتيجية التنمية الحضرية لبعض المدن والعلاقات بين السلطات والمجتمعات الحضرية الفقيرة. وفى الحقيقة فان رفع مستوى التحولات الحضرية المستدامة يُعد بمثابة تسليط الضوء على حالات تغيير الأنظمة في المدن حول العالم وجعله أمرًا أساسيًا لتشجيع الاستفادة من مدينة إلى مدينة والإلهام اللازمين لبذر مشاريع جديدة. ومن هذا المنطلق أنشا معهد الموارد العالمية World Resources Institute, (WRI) جائزة مركز WRI Ross للمدن للاحتفال بمشاريع التحول الحضري. منذ عام 2019، منحت الجائزة لعدد 15 فائزًا مثاليًا من جميع أنحاء العالم مما يوضح مدى نجاح التحول الحضري في الممارسة العملية، كما فازت ثلاثة مشاريع بالجائزة الكبرى البالغة 250 ألف دولار، مما يدل على العمل المؤثر في مجالات التركيز المتنوعة التي تتراوح من برامج السلامة على الطرق المبتكرة في دار السلام، تنزانيا، وأنظمة الزراعة الحضرية الشاملة في روساريو، الأرجنتين، وتحسين الحدائق على مستوى المدينة وتخضيرها في بارانكويلا، كولومبيا.
مما سبق يتضح مدى الوعي العالمي بحجم تحدي تغير المناخ الذي نواجه والحاجة إلى تسريع سرعة ونطاق وحجم العمل لإنشاء مجتمعات شاملة وجاهزة للمناخ.
بالنسبة لمصر ودور السكن الآمن والشامل في الريف المصري
كان من المفترض أن تتبنى الحكومات المصرية المتعاقبة تبنى إسكان ملائم للقرى في الريف المصري قبل أن تضربه العشوائية وتصبح المباني الجديدة غير ملائمة للأنشطة والحياة الريفية مما أثر بشكل مباشر على إنتاج الخبز في المنازل وتربية الحيوانات وغيرها من الأنشطة التي تراجعت وتقلصت في المجتمع الريفي في مصر. كما أن مشروع تكافل وكرامة الذي تتبناه الدولة لابد من إعادة مراجعته لهذه النقطة المهمة ولابد أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور حيوي في التطوير الذى لا يجب ان يأتي من اعلى لأسفل أي من الحكومة الى المواطن، حيث أن وجود طرف ثالث وهو المجتمع المدني سوف يقوم بدور حيوي ويكون اكثر قبولا ونجاحا لأنه سيكون ناشئ عن المجتمع وللمجتمع حتى تعود القرية المصرية الى قرية منتجة تربى الطيور والماشية وتنتج وتصنع منتجات الألبان وغيرها من الأنشطة الزراعية المنتجة التي افتقدها الريف المصري وتحول الى مستهلك بدلا من أن يقوم بالإنتاج. الأمر المهم في عودة القرية المصرية للإنتاج أنها سوف تضيف قيمة مضافة للمنتجات الزراعية وتزيد من دخل المزارعين لمواجهة الأزمات الاقتصادية، على الأقل أن يقوم المجتمع الريفي المصري بإنتاج الكفاف الذي يغطى احتياجات الأسر الريفية مما يقلل من عبئ المصاريف اليومية من على كاهل الأسرة الريفية خاصة في ظل تفتت الحيازات الزراعية والتي أصبح إنتاجها غير اقتصادي بالمرة.
من المواضيع الواجب الاهتمام بها أيضا (زراعة الأسطح)
حيث يمكن الاستفادة من أسطح المنازل والعمارات في إنتاج الخضروات باستخدام زراعات الهيدربونيك. إن استخدام هذه التقنية سوف يوفر جزء كبير من الخضروات والتي يمكن الاستعاضة بها من زراعة الخضروات في الأراضي القديمة وتحويل تلك المساحات لزراعة القمح والذرة وفول الصويا. بالإضافة الى ما يمكن أن يحدث من هذا التطبيق من الناحية المناخية في المساهمة في تبريد الأدوار الأخيرة من المساكن مما يوفر استهلاك الكهرباء للمكيفات علاوة على الشكل الجمالي الذي يمكن أن يحدث بدلا من عشوائية الأسطح في مصر. كما يمكن الاستفادة من المتبقيات الزراعية الناتجة من المقترحات السابقة في إنتاج الكمبوست لتوفير المغذيات لنباتات الزينة والخضروات المزروعة على الأسطح.
فوائد المقترحات السابقة على المستوى القومي
زيادة امتصاص الكربون
توفير الظل والتخفيف من حدة ارتفاع الحرارة
زيادة العوائد الاقتصادية
فتح فرص عمل جديدة
توفير مساحات لزراعة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والصويا