بعد اعتراض الأزهر ..مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء يعود للمربع “صفر

1 سبتمبر، 2020 - بتوقيت 2:32 م

 

أثار مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء جدلا على الساحة خلال الشهور الماضية لكن مجلس النواب – بعد حضور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيح الأزهر جلسة البرلمان العامة – قرر اعادته إلى اللجنة الدينية بالبرلمان لاستطلاع رأى الأزهر وتعديل المواد التى كان قد أبدى تحفظه عليها وأكد أنها تمس استقلاليته بجانب مخالفتها للدستور .

يشار الى ان مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء كان قد تقدم به الدكتور أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية وأثار حالة من الجدل حيث أعلن الأزهر اعتراضه عليه لمخالفتة نصوص الدستور ، ولمساسه باستقلال الأزهر، وجعل رسالته مَشَاعًا لجهات أخرى لا تتبعه كما اعترض مجلس الدولة على المشروع وأعاده إلى مجلس النواب ما يعنى عودته الى المربع “صفر” .

كان مجلس النواب رغم اعتراض الأزهر وهيئة كبار العلماء قد وافق على المادة الثالثة من مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، المتعلقة بآلية تعيين المفتي وكيفية التجديد له بعد بلوغه سن المعاش، وذلك خلال الجلسة العامة، والتى خصصت لمناقشة مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، بحضور مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، والدكتور محمد الضويني ممثل الأزهر الشريف.

لكن مع ضغوط الأزهر تجاوب مجلس النواب وأجرى تعديلات على بعض مواد مشروع القانون حيث نقل تبعية دار الإفتاء من وزارة العدل إلى رئاسة الوزراء، لكنه في الوقت نفسه مرر العديد من المواد التي اعترض عليها الأزهر، خاصة المتعلقة بآلية تعيين المفتي وكيفية التجديد له بعد بلوغه سن المعاش، ثم جاء مجلس الدولة وأعاد الأمور إلى المربع صفر، بتحفظه على مشروع القانون لمخالفته للدستور، واصطدامه صراحة بنص المادة (7) من الدستور والقانون 103 لعام 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته.

 

 

الأزهر

 

من جانبه قال الدكتور أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب إن مشروع القانون خرج من اللجنة الدينية بالموافقة عليه، وكان القرار في يد الجلسة العامة للبرلمان التى قررت اعادته الى اللجنة مرة اخرى لإعادة النظر فى تحفظات واعتراضات الأزهر .

وأكدً العبد أن مشروع القانون لم يقلص صلاحيات الأزهر، مشيرا الى أن مفتي الجمهورية من يختاره هو الأزهر الشريف، ولا يوجد خلاف أو اختلاف على ذلك، خاصة أن وزير الأوقاف أيضًا عضو في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.

وحول اعتراضات هيئة كبار العلماء على مشروع القانون أشار الى أنه تم مناقشة هذه الاعتراضات والاستجابة لأغلبها .

 

ترشيح المفتى

 

أما عن طريقة تعيين مفتى الجمهورية التى يتمسك بها الأزهر الشريف وأيده فى ذلك قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتتضمن وفقًا للائحة الداخلية لهيئة كبار العلماء، دعوة شيخ الأزهر الهيئة إلى الانعقاد قبل موعد انتهاء مدة مفتى الجمهورية بشهر على الأقل، للنظر فى ترشيح المفتى الجديد، وتُرشّح الهيئة ثلاثة من العلماء من بين أعضائها أو من غيرهم ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير صلاحية شغل منصب المفتى، التى تقررها الهيئة، ثم تختار الهيئة عبر الاقتراع السرى المباشر على المرشحين الثلاثة فى جلسة يحضرها ثلثا عدد الأعضاء، ويعتبر من يحصل على أعلى الأصوات هو مرشح هيئة كبار العلماء لمنصب الإفتاء بشرط حصوله على الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، ويعرض شيخ الأزهر الترشيح على رئيس الجمهورية لإعمال اختصاصه فى إصدار قرار تعيين مفتى الجمهورية.

وتقدر مدة شغل منصب “المفتي” بأربع سنوات قابلة للتجديد، بناءً على عرض الإمام الأكبر، بعد أخذ رأى هيئة كبار العلماء، وفى جميع الأحوال تنتهى مدة المفتى عند بلوغه السن القانونية المقرّرة لترك الخدمة.

ورغم النص على اختيار مفتى الجمهورية من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، إلا أن الهيئة تستعين بشخصيات من خارجها لتولى منصب المفتى، وذلك لأن جميع الأعضاء الحالين تتجاوز أعمارهم السن القانونية.

فى المقابل تنص المادة الثالثة من مشروع قانون الافتاء على أن “المفتي هو الرئيس الأعلى لدار الإفتاء، يُعين بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء خلال مدة شهرين قبل خلو منصب المفتي

ويبقى في منصبه حتى بلوغه السن القانونية المقررة للتقاعد، ويجوز التجديد له بعد بلوغ هذه السن بقرار من رئيس الجمهورية، ويعامل بذات المعاملة المالية المقررة للوزراء من جميع الوجوه” ويمثل المفتي أمام القضاء وفي صلاتها بالغير، ويحافظ على نظامها.

 

المرجع الأساس

 

من جانبه أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الدستور جعل الأزهر -دون غيره- المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، والمسؤول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، موضحًا أنه من المسلَّم به أنَّ الفتوى الشرعية من الشؤون الإسلامية وعلوم الدين التي يرجع الأمر فيها لرقابة الأزهر الشريف ومراجعته.

وقال شيخ الأزهر انه سجل اعتراضه علي مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء من خلال المكاتبات، التى تؤكد تحفظ الأزهر الشريف على مشروع القانون ، فيما تضمَّنه من تعارضٍ مع نص المادة السابعة من الدستور ومع قانون الأزهر القائم، ومع اختصاصاته الثابتة عبر مئات السنين من خلال القوانين المتعاقبة، مشيرا الى أنه قدم شرحا لمبررات هذا التحفظ .

وأشار الى تقرير قسم التشريع بمجلس الدولة، باعتباره الجهة المختصَّة بمراجعة مشروعات القوانين، والذي انتهى فيه -بعد دراسة موضوعية لمشروع القانون المحال من مجلس النواب – إلى مخالفته الصريحة لنصوص الدستور، وتعارضه مع الاختصاصات الدستورية والقانونية للأزهر الشريف، وجاءت أسباب هذا الرأي متفقةً مع رأي فقهاء القانون الدستوري وأساتذته، ومع الدراسة التي أجراها الأزهر لمشروع القانون .

 

كبار العلماء

 

وأكدت هيئة كبار العلماء أن مشروع القانون تضمَّن عُدوانًا على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر واستقلالها، وهي التي تختص وحدها بترشيح مفتي الجمهورية، موضحة أن المشروع أُلغى لائحة هيئة كبار العلماء التي تكفَّلت بإجراءات ترشيح ثلاثة بواسطة أعضاء الهيئة، والاقتراع وانتخاب أحدهم لشغل المنصب، وجاء المشروع مستحدثًا موادّ ليبقى المفتي في منصبه حتى بلوغه السن القانونية المقررة للتقاعد، دون اعتداد بالمدة المحددة في لائحة هيئة كبار العلماء والتي عين المفتي الحالي وجدد له على أساسها، وأيضًا تجيز التجديد له بعد بلوغ هذه السن، دون تحديد مدة لذلك، ودون العرض على هيئة كبار العلماء.

وأوضحت الهيئة فى بيان لها أن الأزهر ليس أشخاصًا، وإنما رسالة عامة وشاملة حدَّدها الدستور في باب مقومات الدولة بصورة واضحة لا لبس فيها، مشددة على أن أية هيئة دينية إسلامية يتم إنشاؤها، وتعمل على تحقيق رسالته، تُعَدُّ بالضرورة جزءً لا يتجزأ من رسالة الأزهر، ويراجع الأزهر الشريف أعمالها، ويشرف عليها، والقول بغير ذلك يُشكل مخالفة صريحة لنص الدستور .

 

مجلس الدولة

 

فى سياق متصل أعلن مجلس الدولة تحفظه علي مراجعة مشروع القانون المحال إليه من مجلس النواب بتاريخ 29 / 7 / 2020، مؤكداً أنه بعد عرض المشروع على قسم التشريع بجلساته المتعاقبة حتى 15 / 8 / 2020 تبين له مخالفة مشروع القانون المذكور للدستور ، وأنه يصطدم صراحة بنص المادة (7) من الدستور والقانون 103 لعام 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته.

وأكد قسم التشريع بمجلس الدولة، في تقريره، أن الدستور نص على أن الأزهر هو “المرجع الأساسي” الأمر الذي يجعل الأزهر هو المنتهي الذي يجب أن تُرد إليه كل فتاوى دار الإفتاء بحسبانها مظهرا تطبيقيا للعلوم الدينية والشئون الإسلامية، كما أنها أداة من أدوات نشر علوم الدين في مصر والعالم، وهذا هو شأن الأزهر الشريف، وإلا فإنها ستقوم على غير أساس مفتقدة مرجعها الأساسي وهو الأزهر الشريف.

وشدد التقرير على أنه ليس من المستساغ دستوريا وقانونياً أن يأتي المشرع العادي بأداة أدنى من الدستور لينال من الاختصاص الذي حدده الدستور للأزهر الشريف ويعهد به إلى جهة وهيئة أخرى.

 

 

تقرير : أحمد عبدالله