د. ناهد الوحش تكتب : الصيام وآثاره الإيجابية على الصحة ودوره في الوقاية والعلاج من الأمراض

17 مارس، 2024 - بتوقيت 3:29 م

 

قسم بحوث الألبان –

شهر رمضان هو شهر الصيام المقدس عند المسلمين حيث يمتنع المسلمون عن تناول الطعام والشراب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس. ويعتبر الصيام في شهر رمضان فرضا دينيا وفرصة للتقرب إلى الله ولكن بالإضافة إلى الجانب الروحي فإن للصيام أيضا تأثيرات إيجابية على صحة الجسم ويمكن أن يلعب دورا في الوقاية من الأمراض وأيضا في علاج بعضها.

الصيام هوالامتناع الطوعي عن تناول الطعام والشراب لفترة محددة لأسباب دينية وروحية وصحية. وحديثا سلطت الكثيرمن الأبحاث الضوء على الآثار الإيجابية للصيام وآثره على جوانب مختلفة من الصحة مثل التمثيل الغذائي وتحسين صحة الجهاز الهضمي وإصلاح الخلايا وتقليل الالتهابات والوقاية من الأمراض. وفهم تلك التاثيرات يمكن أن يوفر رؤى قيمة حول التطبيقات العلاجية للصيام.
التغيرات الفسيولوجية أثناء الصيام:
يؤدي الصيام إلى سلسلة من التغيرات الفسيولوجية في الجسم وتشمل هذه التغيرات انخفاض مستويات الأنسولين والتحول إلى مصادر الطاقة البديلة مثل الدهون المخزنة وتنشيط عمليات الإصلاح الخلوي وتنظيم عملية الالتهام الذاتي وتحسين الصحة بشكل عام.

عملية الالتهام الذاتي:
أحد التأثيرات الإيجابية للصيام هوتنشيط عملية الالتهام الذاتي للخلايا (autophagy) وهي عملية إعادة تدويرخلوية أثناء الصيام تؤدي إلى التخلص من المكونات الخلوية التالفة وتنظيف الخلايا من المواد الضارة والسموم. هذا التنظيف يمكن أن يساهم في تقليل التهابات الجسم وتعزيز وظائف الجهازالمناعي.

التأثير على الصحة الأيضية:
ثبت أن الصيام يحسن الصحة الأيضية من خلال تنظيم مستويات السكر في الدم وتحسين حساسية الأنسولين وتعزيز فقدان الوزن. وأثبتت الدراسات قدرته على تقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2 وتحسين مستويات الدهون وتنظيم ضغط الدم. كذلك ينشط الصيام أيضا المسارات التي تعزز وظيفة الميتوكوندريا والتي تلعب دورا حاسما في إنتاج الطاقة الخلوية.
وفي دراسة عن الصيام والوقاية من مرض السكري من النوع الثاني بعنوان: “تأثيرات الصيام المتقطع على التحكم في نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري والتي نُشرت في مجلة Nutrients في عام 2020 أثبتت تحسينات في مستويات السكر في الدم أثناء الصيام وحساسية الأنسولين ومستويات الهيموجلوبين السكري (HbA1c).

التأثيرات المضادة للالتهابات والمناعة
يرتبط الالتهاب المزمن بتطورأمراض مختلفة ووجد أن الصيام يقلل من علامات الالتهابات في الجسم وهو عامل مهم في علاج العديد من الحالات التي ترتبط بالالتهابات المزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والتهاب الأمعاء. ويعززجهاز المناعة ويحسن من وظائفه ويزيد من قوته مما يقلل من خطر الإصابة بالأمراض المعدية. وأيضا يثبط السيتوكينات المساعدة للالتهابات ويعزز إنتاج الجزيئات المضادة للالتهابات وبالتالي يخفف من أعراض الحالات الالتهابية وأمراض المناعة الذاتية.

 

الصيام وصحة القلب والأوعية الدموية:
أشارت الدراسات إلى فوائد الصيام لصحة القلب والأوعية الدموية بما في ذلك تقليل خطر الإصابة ففي دراسة عن الصيام وصحة القلب والأوعية الدموية بعنوان “آثار الصيام المتقطع على عوامل الخطر القلبية الوعائية” وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة Circulation في عام 2019 واستعرضت العديد من التجارب العشوائية المضبوطة ودراسات الرصد لتقييم تأثير الصيام على عوامل الخطر القلبية الوعائية. وخلصت النتائج إلى أن الصيام كان مرتبطًا بانخفاض وزن الجسم وضغط الدم وإجمالي الكوليسترول ومستويات الدهون الثلاثية مما يشير إلى فوائده لصحة القلب والأوعية الدموية وتحسين مستويات الدهون .

الصيام والأمراض العصبية:
أظهر الصيام آثارا إيجابية في الاضطرابات التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون من خلال تعزيز صحة الدماغ وتقليل الإجهاد التأكسدي وفي دراسة بعنوان: “الصيام والآليات الجزيئية والتطبيقات السريرية في الشيخوخة والأمراض العصبية التنكسية” نشرت هذه الدراسة في مجلة Free Radical Biology and Medicine عام 2018 واستكشفت الآليات الجزيئية الكامنة وراء الصيام وتطبيقاته السريرية المحتملة في الشيخوخة والأمراض العصبية. وناقشت كيف يمكن للالتهام الذاتي الناجم عن الصيام والتبديل الأيضي أن يعزز صحة الخلايا العصبية ويحمي من التنكس العصبي. وسلطت الدراسة الضوء على إمكانيات الصيام كتدخل غير دوائي للأمراض التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون.

تحسين وظائف الدماغ:
أظهرت بعض الأبحاث أن الصيام يمكن أن يحسن الانتباه والتركيزويعزز الذاكرة. ويعتقد أن ذلك يرجع جزئيا إلى التأثير الإيجابي للصيام على توازن الهرمونات والتي قد تؤثر على وظائف الدماغ.

تحسين جودة النوم:
حيث يجد البعض أنه يتمتع بنوم أفضل خلال شهر رمضان بسبب الروتين اليومي المختلف والتركيزعلى العبادة والصوم. والنوم الجيد يساعد في تحسين الصحة العامة ويعزز الشعور بالنشاط خلال اليوم.

الصيام والوقاية من السرطان:
بالإضافة إلى ذلك تم استكشاف أن الصيام علاج مساعد في علاج السرطان لأنه قد يعزز فعالية العلاج الكيميائي ويقلل من الآثار الجانبية. وفي دراسة بعنوان “الصيام وإيقاعات الساعة البيولوجية والتغذية المقيدة بالوقت في العمر الصحي والوقاية من الأمراض” نشرت في مجلة Aging في عام 2019. وناقشت الآليات التي يمكن أن يؤثر من خلالها الصيام على تطور السرطان مثل تقليل مستويات عامل النمو الشبيه بالأنسولين 1 (IGF-1) وتعزيز الالتهام الذاتي للخلايا وتقليل الالتهاب. كما أشارت الدراسة إلى أن الصيام والتغذية المقيدة بالوقت لهما تأثير وقائي ضد السرطان.

توفر هذه الدراسات نظرة ثاقبة حول الفوائد الصحية والعلاجية للصيام في الوقاية من الأمراض. ومع ذلك من الضروري ملاحظة أن الاختلافات الفردية وبروتوكولات الصيام والتأثيرات طويلة المدى تتطلب مزيدا من البحث والدراسة. ويجب على الأفراد استشارة أخصائيي الرعاية الصحية خاصة إذا كانوا يعانون من حالات صحية كامنة أو يتناولون الأدوية. ومن الضروري اعتماد نظام غذائي متوازن مع ضمان الترطيب الكافي للجسم وتناول العناصر الغذائية اللازمة خلال فترات عدم الصيام والتكيف التدريجي مع الصيام.

ويجب أن يكون النظام الغذائي في شهر رمضان متوازنا ومتنوعا مع التركيزعلى الأطعمة الصحية اللازمة للحفاظ على الصحة والحيوية خلال هذا الشهرالكريم وبعده واستمرارآثاره الإيجابية على صحة الجسم.

وأفضل نظام غذائي نتبعه خلال شهر رمضان هو الذي يتضمن توازنا وتنوعا من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم للحفاظ على صحة الجسم وحيويتة.
وإليكم بعض النصائح لنظام غذائي صحي ومتوازن خلال شهر رمضان:

التأكد من أن وجبي الإفطار والسحوريحتويان على مجموعة متنوعة من الأطعمة الصحية والمحتوية على العناصر الغذائية الضرورية لصحة الجسم و تشمل :

الكربوهيدرات الصحية: مثل الحبوب الكاملة (مثل الأرز البني والشوفان) والخضروات والفواكه. هذه الكربوهيدرات تحتوي على الألياف والفيتامينات والمعادن الهامة.
– كمية كافية من البروتينات: يجب تناول مصادر جيدة من البروتينات مثل اللحوم البيضاء والأسماك والبيض والبقوليات. ومنتجات الألبان خاصة المنتجات المتخمرة فهي من الأغذية المثالية في شهر رمضان كونها أغذية ملينة ومرطبة علاوة على احتواءها على بكتريا حمض اللاكتيك النافعة والداعمة لصحة الجهاز الهضمى و المفيدة لصحة الجسم وتعزيز المناعة .
– تجنب الأطعمة الدهنية والمقلية: يجب تقليل تناول الأطعمة الدهنية والمقلية ونختارالطهي بالبخار أوالشواء أو الخبز في الفرن كبديل صحي.
– التركيزعلى السوائل: لتجنب الجفاف عن طريق شرب كميات كافية من الماء بين الإفطار والسحور ونتجنب المشروبات الغازية والمشروبات الغنية بالسكروالكافين.
– تناول الفواكه والخضروات بشكل متنوع: نختار مجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات الطازجة والموسمية لضمان الحصول على الفيتامينات والمعادن والألياف اللازمة.
– الحرص على الوجبات الخفيفة: نختاروجبات خفيفة صحية في حالة الشعوربالجوع بين الإفطار والسحور مثل الفاكهة الطازجة أو المجففة والمكسرات والزبادي الطبيعي.

وفي الختام يمكن القول أن النظام الغذائي في شهر رمضان يلعب دورا هاما في الحفاظ على صحة الجسم ووقايته من الأمراض بشرط اتباع نظام صحي في تناول الطعام خلال فترة الصيام. ومن خلال الفهم الشامل لفوائده واعتباراته العلمية يمكن اعتبار الصيام نهج علاجي غيردوائي لتعزيز الصحة العامة للأفراد. ودمم سالمين