د فوزي أبودنيا يكتب: كيف الطريق لصون وتحسين الموارد الوراثية بمصر؟

19 مارس، 2024 - بتوقيت 1:15 م

 

المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى – مركز البحوث الزراعية – مصر

 

حتى لا تفقد الدولة دورها فى صون وحفظ الموارد الوراثية الحيوانية وفى إطار الحرص على المصلحة العامة كان من الضرورى أن اتحدث فى هذا الامر الذى يشغلنى على الدوام، وتحريك الماء الراكد لعله يجدى نفعا.
خلال السنوات الماضية إرتفعت كثير من الاصوات التى تنادى بإجراء خلط بين الحيوانات المصرية بالحيوانات الاجنبية المميزة والمحسنة وراثيا بغيا فى إكساب الحيوانات المصرية الصفات الانتاجية المميز للحيوانات الاجنبية، و تبنى وجهة نظرهم على استيراد إناث الحيوانات والنطف (السائل المنوى) من الخارج وذلك دون وعى أو معرفة ببديهيات وأسس صون وتحسين مواردنا الوراثية. وركض الكثيرون مع هذه الفكرة وفى هذا الاطار بقوة دون وجود خطط مسبقة وأهداف محكمة ومحددة، وتم الخلط العشوائى الذى أسفر عن أضرار بالغة بالموارد الوراثية المحلية وكنا نسمع المتشدقين مما ساهموا فى هذا الامر تحديدا يحدثونا عن مميزات الخلطان ⅛، ¼،½ ،¾ .. الخ. ثم أصبحت الحيوانات المحلية المصرية بين مطرقة الجهل وسندان المسئولين غير الأكفاء، فلا هى التى اصبحت محلية بما تمتلكه من قدرات ورائية وبيئية (ونركز هنا على البيئية كثيرا) ولا هى التى حدث لها تحسين نتيجة العشوائية المفرطة فى الخلط بل أصبحت مسخ يسير امامنا ليبكينا على ماضيها الغابر. وأصبحنا نقف عاجزين عن معالجة الأمر نتيجة تسلط المسئولين غير الفاهمين لوضعية الانتاج الحيوانى ومعالجة مشاكلة المختلفة بالوزارة وبالقطر المصرى عامة. للأسف الشديد أنه لا أحد يملك الشجاعة للاعتراف بما حدث لسلالات الابقار المحلية ولا الجاموس المصرى ولا سلالات الاغنام المحلية ولا الدواجن المصرية .. الخ. ولا أحد يريد أن يتحدث بصدق عن الإنهيار والدمار الحادث فى الموارد الوراثية المصرية بل الكثير يكذب ويصدق كذبه ويجمله. أعجب ما اسمعه من مسئولى الزراعة المصرية دوما هو إستيراد إناث الحيوانات من الخارج، وهل من المفضل أن نشتريها عشار؟ أم تحت عشار؟ وكأن ذلك هو بيت القصيد فى صون وتحسين الموارد الوراثية الحيوانية. ولا أحد من هؤلاء يدرى سبب منطقى لاستيراد العجلات ولا أحد منهم يعرف أو يفهم القصد من إستيراد النطف (السائل المنوى) من الخارج. إن موضوع الاستيراد عندهم على المطلق دون وعى ولا يعدو فى نظرهم سوى أنه الوسيلة الجاهزة والسهلة والسريعة لتحسين الحيوانات المحلية. كل ما يعرفونه عن هذا الموضوع أن كل هذا يتم لتحسين الثروة الحيوانية فى مصر لتحسن دخول الفلاحين وعمل تنمية مستدامة (ولا اعرف فى الحقيقة ما هى علاقة كل هذه الامور ببعضها ولا أهدافها). وعندما يحدثهم متخصص أن هذه ليست الطريقة الصحيحة للتحسين بما أننا لانعرف ولم نحدد متطلباتنا من التحسين. وما هو المقصود أساسا بالتحسين الوراثى، فهل هو تحسين الموارد الوراثية بالمعنى العلمى المعروف طرقه وتطبيقاته، أم أن التحسين المقصود لديهم يعنى إستيراد أبقار من الخارج عالية الإنتاج أو جاموس أو أغنام أو ماعز لتوزيعها على صغار المربيين وإنتاج خلطان من هذه السلالات مع السلالات المحلية دون وعى ودون تخطيط (هذا ما يسمى التخبط بعينه).
والأكثر حيره من ذلك أننا نجدهم يتشدقون بإن هذا يتم لزيادة دخول صغار المزارعين والإستفادة من إرتفاع إنتاجية هذه الحيوانات. ولم يفكر أحد منهم بل لم يجهد أحد منهم فكره ولم يعطى أحد منهم الفرصة لمن يقولون الراى الصواب فى هذا الامر. هل هذه الحيوانات تتوائم مع نظام الزراعة المصرية؟ متفتته الحيازات ومشاكل التربة فيها والانتاج النباتى الذى لا يوجد له اصلا اى إتجاه محدد بل هو عبارة عن إفتكاسات وتخبطات وتوجهات عشوائية غير مدروسة. الأمر الاخر اى نوع من السلالات الأجنبية نستورد؟.
. فى الحقيقة أنك تستطيع أن تستورد أى سلالة سواء نحتاجها أم لا وعندما يتحدث أحد عن هذا الامر يقولون لك لدينا قوانين وقواعد صارمة، لكنها فى نهاية المطاف حبيسة الادراج ولا أعرف هل ذلك بفعل فاعل أم يحدث لامر ما؟. فكيف تعيش هذه الحيوانات المستوردة فى ظل هذا النظام الزراعى المهرتق وكيف تتوائم هذه الحيوانات مع البيئة المصرية خاصة مع التغيرات المناخية الحادثة. والذوق المصرى وغيرها الكثير من الأمور الواجب أخذها فى الإعتبار عند إستيراد سلالات من الخارج. هل مثلا وجدنا فى أوربا التى نستورد حيواناتها والتى عندما بدأت فى وضع وتنفيذ برامج وخطط التحسين الوراثى للحيوانات الزراعية المحلية لديهم بان قامت هذه الدول بعملية الخلط العشوائى غير الممنهج للموارد الوراثية. لقد كانت الحيوانات الزراعية لديهم مثل باقى السلالات فى العالم القديم ونحن منهم من ناحية المواصفات الإنتاجية والمظهرية، الإ أنهم وضعو برامج وخطط محددة وصارمة تم تنفيذها على مدار سنوات طوال (وهذه مشكلة من مشاكل التحسين الوراثى فى مصر فالبعض يتصور أن عملية التحسين الوراثى يمكن أن تتم فى يوم وليلة) حتى صارت الحيوانات المحسنة وراثيا عندهم فى هذا المستوى الإنتاجي والمظهري المبهر بالنسبة لنا لدرجة أن الإرتباط بين الصفات الإنتاجية والمظهرية تتناغم وتفصل فى جودة التحسين من عدمه. على سبيل المثال لا الحصر لم تكن حلمات الحيوانات عندهم تتناسب مع الحليب الالى الذى ظهر كنتيجة لزيادة إنتاج الحليب للحيوان مما نتج عنه الطلب لوضع حل لهذا الامر ولما ظهرت الحلابة الالية زاد الاهتمام بالتحسين فى وضع الحلمات على الضرع وتوائمها مع ماكينات الحليب. وعندما قاموا بعملية الخلط والتهجين تم ذلك بشكل علمى مخطط له من جهة المتخصصين الواعين الفاهمين لدور وأهمية الخلط وكيفية تنفيذه ومتى يبدأ؟ وعند أين ينتهى؟ وكيف يتحكمون فى حركته بالمجتمع الزراعى عندهم؟!. أما نحن فيتحدث غير المتخصص بل ويخطط للموضوع على أنه المسئول الاول بينما المتخصصين الاصليين فى ثبات عميق لا أحد يسمع لهم صوت ولا يحرك منهم ساكن. صون الموارد الوراثية يبدأ من المزارع الحكومية التى يجب عليها صون وتحسين الموارد الوراثية المحلية وغير المحلية المختارة بالتعاون مع رجال الاستثمار ذات الصلة الذين كفرو بالعلم والعلماء نتيجة التخبط وعدم وضوح الرؤية وعدم وجود خطط محددة من قبل الدولة وملزمة للجميع. بل أن الدولة نفسها تحض على الإستيراد العشوائى دون منطق ودون مبرر ودون تخطيط وهدف واضح وجلى، بل الكل يتخبط. أكثر ما يؤلمني دوما عندما أسمع من كبير مسئولى الزراعة المصرية أن يتم إستيراد عجلات ابقار وجاموس من الخارج لتوزيعها على صغار المزارعين دون إستشارة المسئولين والمخططين للثروة الحيوانية فى مصر وهم بصراحة أيضا لا أعفيهم من المسئولية حيث أنهم نيام فى كهف سحيق. وفى النهاية لمن يريد أن يتعلم ويستفيد فى مجال التحسين الوراثى فإن منظمة الأغذية والزراعة FAO قدمت مؤلفات هامة فى هذا الإطار لمن لا يملك خبرة حتى يتعلم كيف يخطط لتحسين الموارد الوراثية فى بلاده. وفى أفريقيا الأن تتجه كثير من البلدان فيها فى هذا الإطار وبشكل علمى ويتم التحكم فيه من قبل المتخصصين واضعى الخطط والبرامج فى المؤسسات العلمية للدولة وطبقا لقواعد صارمة وحازمة ومحددة وطبقا للتوصيات الفنية فى هذا الامر من قبل منظمة الأغذية والزراعة FAO .
الأن يجب أن نحدد أهدافنا أولا ونضع خططنا القومية ثانيا بوضوح وبشفافية وأمام مراى ومسمع من كل المتخصصين حتى يدلو كل منهم بدلوه فى هذا الامر وأن يوسد الأمر الى أهله، ثم نقوم بالتنفيذ ثالثا كل فى مكانه وطبقا لمسئولياته دون تجاوز ودون تقاعس.
اطالب الأن وبأقصى سرعة من معالى السيد وزير الزراعة بإعادة تشكيل لجنة الموارد الوراثية من المتخصصين فقط فى تربية الحيوان على أن يقدموا التصور الصحيح والبرامج اللازمة فى إطار من التخطيط الهادف والمؤطر زمانيا لصون وتحسين مواردنا الوراثية كى يتثنى لباقى التخصصات فى مجال الإنتاج الحيوانى وضع الخطط الموازية من ناحية التغذية والرعاية والتناسل والامراض .. الخ. اطالب وبشدة البعد عن المتحزلقين الذين انحرفوا بالثروة الحيوانية فى مصر إلى المجهول.