د.فوزي ابودنيا يكتب : تقنيات معاملة المتبقيات الزراعية الجافة بغاز الأمونيا أو بمحلول اليوريا، تقنيات ملوثة للبيئة، فاحذروها

31 مايو، 2024 - بتوقيت 11:23 م

المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى

 

 

 

في الواقع، يعتبر تلوث النيتروجين واحد من أكثر الأزمات التي نواجهها حاليا. غاز النيتروجين، هو أحد العناصر الموجودة في الجدول الدوري للعناصر، ورمزه الكيميائي N والرقم الذري له 7، وهو غاز غير معدني، عديم اللون، عديم الرائحة، لا طعم له، ويشغل حوالي أربعة أخماس الغلاف الجوي للأرض. ويعتبر النيتروجين أحد العناصر الرئيسية في الأنسجة الحية، وتتكون من هذا العنصر العديد من المركبات مثل الأمونيا وحمض النيتريك والسيانيد…الخ.

غاز النيتروجين فى شكله النشط يطلق أكسيد النيتروز وهو أقوى 300 ضعف غاز ثانى أكسيد الكربون فى رفع حرارة الغلاف الجوى، بجانب أنه يظل نشطا لأكثر من 100 عام، والمُسبب الرئيسى لتكاثر الطحالب فى المجارى المائية والبحيرات مما يتسبب فى استهلاك الأوكسجين وتوقف الحياة البحرية. ويعزى العلماء ذلك لوجود بقايا الأسمدة النيتروجينية التى تنبعث منها غازات دفيئة خاصة انبعاثات الأمونيا الزراعية، فضلاً عن انبعاثات أكاسيد النيتروجين التى تنتج من استخدامات الغاز الطبيعى. أضف إلى ذلك ان المتوسط السنوي للتلوث بالنسبة لثاني أكسيد النيتروجين يبلغ طبقا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية 10- 25 ميكروجرام/م3. ومعروف ان أكسيد النيتروجين هو مصطلح عام يمكن استخدامه للإشارة إلى أي من هذه الأكاسيد، أكاسيد النيتروجين (مركبات الأكسجين مع النيتروجين)، أو خليط من عدة أكاسيد النيتروجين:

أكسيد النيتريك.

ثانى أكسيد النتروجين.

أكسيد النيتروز.

ثلاثي أكسيد ثنائي النتروجين.

رباعي أكسيد ثنائي النتروجين.

خماسي أكسيد ثنائي النتروجين.

طرق تلوث الهواء بغاز الأمونيا

مادة “الامونيا” أو غاز النشادر هو غاز قلوي لا لون له يتشكل من جزء نتروجين واحد وثلاثة أجزاء هيدروجين وهو أخف من الهواء وله رائحة نفاذة مميزة. تنبعث الأمونيا بشكل طبيعي من التربة وحرائق الغطاء النباتي، بجانب الأنشطة الزراعية الأخرى مثل تربية الحيوانات واستخدام الأسمدة والتى تعتبر أيضًا مصادر رئيسية. ومن المتوقع أنه مع توسيع نطاق الزراعة لتلبية احتياجات السكان المتزايدة، من المحتمل أن يصاحب ذلك ارتفع انبعاثات الأمونيا أيضًا. ولك إن تعرف أنه يمكن أن تتطاير الأمونيا وتنبعث في الغلاف الجوي عندما يتجاوز تركيزها السطحي تركيز الهواء المحيط. تتراوح خسائر NH3 عن طريق التطاير من استخدام الأسمدة النيتروجينية (N) من كميات لا تذكر إلى أكثر من 50% من الأسمدة النيتروجينية المستخدمة، اعتمادًا على نوع الأسمدة، فالسماد الطبيعي (على سبيل المثال، معدلات تطاير اليوريا أعلى من نترات الأمونيوم)، وممارسة التطبيق من المؤثرات على الانبعاث (على سبيل المثال، طريقة الحقن مقابل طريقة التطبيق السطحي- النثر) كما تؤثر على الانبعاث أيضا الظروف البيئية. بالإضافة إلى ان عمليات الذوبان في المقام الأول تؤدي إلى زيادة حجم انبعاثات NH3، حيث تكون أعلى في ظروف التجفيف الدافئة وأصغر في الظروف الرطبة الباردة.

المشاكل الصحية لتلوث الهواء بالأمونيا

عندما تكون الأمونيا موجودة بشكل زائد في نظام بيئي فإنها تعتبر ملوث. بشكل عام فإن وجودها بكثرة بالهواء يمكن أن تؤدي إلى أمراض القلب والرئة. من جهة اخرى فإن زيادتها فى التربة فإنها تؤثر وتعيق نمو النباتات.

المشاكل البيئية لتلوث الهواء بالأمونيا

وفقًا لعلماء البيئة فإن تقليص انبعاثات الأمونيا وأكاسيد النيتروجين يمكن أن يصبح أمرًا حاسمًا عند السعي إلى تقليل الاحترار بشكل كبير. علاوة على ذلك، فإن الحد من انبعاثات الأمونيا يكون من خمسة إلى عشرة أضعاف الفعالية من حيث التكلفة لخفض التلوث للهواء.

للأمونيا الموجودة في الغلاف الجوي تأثيرات على النطاقين المحلي والدولي (العابر للحدود). تتفاعل الأمونيا في الغلاف الجوي مع الملوثات الحمضية مثل منتجات انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين لإنتاج الأمونيوم الناعم (NH4+) الذي يحتوي على الهباء الجوي. في حين أن عمر NH3 قصير نسبيًا (أقل من 10-100 كيلومتر)، فإن NH4+ يمكن أن ينتقل لمسافات أطول بكثير (100 -> 1000 كيلومتر) ومن ثم تساهم انبعاثات NH3 في قضايا ملوثات الهواء الدولية عبر الحدود التي تتناولها اتفاقية لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا بشأن التلوث بعيد المدى عبر الحدود. بالإضافة إلى التأثيرات العابرة للحدود، فإن NH3 له تأثيرات كبيرة على المستوى المحلي: تحدث الانبعاثات على مستوى الأرض في البيئة الريفية ويتم ترسيب NH3 بسرعة. ونتيجة لذلك، فإن بعض المشكلات الأكثر حدة المتعلقة بترسب NH3 تتعلق بالمحميات الطبيعية الأثرية الصغيرة الواقعة في مناطق زراعية مكثفة.

ويحذر علماء البيئة من ان الأمونيا الإضافية كلها التي تُنتَج أخلت بتوازن دورة النيتروجين اختلالا كبيرا. ولمعرفة مدى سوء الأمر، يساعد على ذلك التفكير في مفهوم يُسمَّى حدود الكوكب Planetary boundaries. والفكرة هي أن تسعة نظم بيئية حاسمة – مثل المياه العذبة وطبقة الأوزون – لا تحتاج إلى أن تتدهور كثيراً قبل أن تشكل خطراً وجودياً على البشرية. ودورة النيتروجين هي إحدى هذه النظم، وتشير أفضل التقديرات إلى عدم جواز وجود أكثر من 62 مليون طن من النيتروجين سنوياً مثبتة على اليابسة للبقاء من ضمن الحدود الآمنة. ويرى علماء البيئة أن هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين حول كمية النيتروجين التي تُثبِّتُها الطبيعة. وتشير التقارير التى صدرت فى هذا الصدد، أنه من الواضح أننا تجاوزنا حدود الكوكب: اليوم، يُثبَت ما لا يقل عن 300 مليون طن من النيتروجين كل عام من خلال العمليات الطبيعية والاصطناعية على حد سواء.

الآثار السلبية لإنبعاثات النيتروجين على صحة الإنسان

يرتبط ثاني أكسيد النيتروجين بأمراض الجهاز التنفسي، وبخاصة الربو، مما يسبب أعراضاً تنفسية (كالسعال أو الصفير أو صعوبة التنفس)، ويؤدي إلى دخول المستشفى والذهاب إلى غرف الطوارئ. كما تزيد المستويات العالية من انبعاثات نترات النيتروجين من خطر الإصابة بمرض متلازمة الطفل الأزرق والتى قد تكون قاتلة، خاصة عند وصول تلك النترات لمياه الشرب والتى قد تؤدى للإصابة بأمراض السرطان عند البالغين، كما إن هناك خطورة من أكاسيد النيتروجين على القلب والرئتين، بإعتبار أن أول وثانى أكسيد النيتروجين غازات قوية لديها القدرة على طرد الأكسجين من جسم الإنسان خاصة كبار السن والأطفال دون سن الخامسة والأجنة. فى الواقع إن تأثير ثاني أكسيد النتروجين على صحة الإنسان يتفاوت تبعا لتركيزه وفترة التعرض، فعندما يصل تركيزه الى 3 أجزاء من المليون يبدا الإنسان فى الشعور بالتأثير حيث يسبب تهيج الانف والعين. هذا ويتم ربط التعرض القصير والطويل لثاني أكسيد النيتروجين بزيادة خطر الإصابة بمشاكل في الجهاز التنفسي. حيث يعاني الأشخاص المصابون بالربو والأطفال الصغار وكبار السن من حساسية متزايدة لآثاره. من جهة أخرى فإن الملوثات الثانوية الناتجة عن وجود ثاني أكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي يكون لها أيضًا آثارها الضارة. بالإضافة إلى أن الجسيمات وحمض النيتريك يسبب المطر الحمضي، ويسبب O3 مشاكل في الجهاز التنفسي. وبشكل عام تتمثل أضرار ثاني أكسيد النتروجين فى الآتي:

يؤدي إلى تهيج الأغشية المخاطية للمجاري التنفسية ويسبب أضرار في الرئة مثل pulmonary edema.

يؤدي إلى تهيج الأغشية المخاطية للعين.

يحدث ضرراً في طبقة الاوزون.

يكون الأمطار الحمضية.

كما يعتبر ثاني أكسيد النتروجين من الملوثات شديدة الخطورة لأنه يشكل المفتاح الذي يدخل في سلسلة من التفاعلات الكيموضوئية مكونا الضباب الكيموضوئي وذلك بوجود الهيدروكربونات وثاني أكسيد الكبريت واشعة الشمس.

متابعة تركيزات الأمونيا وحركة إنبعاثات أكسيد النيتروز فى الزراعة

تتم مراقبة تركيزات الأمونيا في الكثير من الدول المتقدمة، وتظهر تباينًا مكانيًا كبيرًا، مما يعكس مزيجًا من العدد الكبير من المصادر على مستوى الأرض، المرتبطة في المقام الأول بتربية الماشية، والطبيعة التفاعلية للغاية لغاز NH3. تتراوح تركيزات NH3 من 10 ميكروجرام /م3 في مناطق الإنتاج الحيواني المكثف، وخاصة إنتاج الألبان ولحوم الماشية، إلى 0.1 ميكروجرام/م3 في المرتفعات ببعض الدول، وخاصة في شمال غرب اسكتلندا وفي هيبريدس. على الجانب الآخر فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تقوم بإستخدام تقنيات النظائر ومنها نظائر النيتروجين لتتبع منشأ وحركة انبعاثات أكسيد النيتروز فى الزراعة، بهدف تحديد مدى فاعلية امتصاص المحاصيل للأسمدة ومعرفة الكميات المُتبقية منها، وتتبع حركتها من التربة حتى وصولها للمسطحات المائية.

تقنية كمر المتبقيات الزراعية الجافة المعاملة بغاز الأمونيا أو محلول اليوريا

نظرا لتوافر كميات كبيرة من المتبقيات الزراعية بعد عمليات الحصاد وما يتسبب عنها من مشاكل بيئية سواء عند تركها وتخزينها على رؤوس الحقول أو عند حرقها للتخلص منها. يحدث ذلك فى الوقت الذى يمكن الاستفادة من تلك المتبقيات الزراعية عن طريق إستخدامها كعلف حيوانى للحيوانات المجترة. الا ان تلك المتبقيات الزراعية تتميز بارتفاع محتواها من الألياف وانخفاض محتواها من البروتين. وكان من الضرورى النظر إلى تعظيم الإستفادة من تلك المتبقيات الزراعية فى صورة اعلاف محسنة. وتمكن علماء تغذية الحيوان من استخدام غاز الأمونيا أو محلول اليوريا لمعالجة المتبقيات الزراعية الجافة نظرا لما لهم من تأثير على تكسير الروابط اللجنوسليلوزية فى الألياف ومن جهة أخرى تعتبر مصدر نيتروجينى يمكن استخدامه بواسطة الكائنات الحية الدقيقة الموجودة بكرش الحيوانات المجترة. بالتالى نحقق هنا عدة استفادات من تلك المعالجة. وكانت منظمة الفاو تتبنى معاملة قش الأرز قديما بواسطة الحقن بغاز الامونيا أو المعاملة بمحلول اليوريا ٤% والكمر لمدة أسبوعين فى الصيف أو ثلاثة أسابيع فى الشتاء تحت غطاء من البلاستيك ثم فى نهاية المدة يتم نزع الغطاء البلاستيك ليتصاعد غاز النتروجين إلى الهواء الجوى وهنا تكمن المشكلة، حيث ان الناتج الرئيسي المتكون عند إحداث قوس كهربي تفاعلًا في جو من غاز النيتروجين وكمية فائضة من الأكسجين هو غاز ثاني أكسيد النيتروجين NO2 وهو أحد الغازات الدفيئة الذى ينتج عنه زيادة الاحترار بمقدار يزيد عن ما يسببه غاز ثانى اكسيد الكربون CO2 بقدر 333 مرة. علاوة على المشاكل الصحية التى تم سردها سلفا.

المقترحات والبدائل الممكنة

يشير الاستعراض العلمى السابق الى ان حقن المتبقيات الزراعية الجافة بغاز الأمونيا لتحسين الاستفادة منه كغذاء للمجترات هى تقنيه ملوثه للبيئة بشكل خطير ويجب التوقف عن استخدامها لما لها من آثار سلبية على البيئة كما سردنا سلفا على الرغم من فوائدها في تحسين القيمة الغذائية للمتبقيات الزراعية للاستفادة منها كعلف حيوانى للمجترات. بالإضافة لذلك يجب التوقف عن تنفيذ معاملة المتبقيات الزراعية الجافة بمحلول اليوريا 4%. حيث فى نهاية كلتا المعاملتين سواء الأمونيا الغازية أو محلول اليوريا يتم نزع الغطاء البلاستيك ليتطاير غاز الامونيا فى الجو مسببا تلوثا بيئيا بالنتروجين وقد سردنا اضرار هذا الفعل فى بداية المقال باستفاضة. كما يجب أن نعى أن سرد ما سبق لا يعنى رفض استخدام اليوريا فى حد ذاته فى تغذية الحيوانات المجترة بالكلية، إنما رفض طريقة الإستخدام الملوثة للبيئة. حيث تستخدم اليوريا لإثراء مواد العلف الخشنة الفقيرة فى محتواها من البروتين من خلال ما تحويه من نتروجين والذى يمكن الإستفادة منه فى كرش المجترات عن طريق تحويله إلى بروتين ميكروبى عالى القيمة الغذائية بواسطة الكائنات الحية الدقيقة الموجودة بالكرش عند دمجها مع مصدر كربوهيدراتى مناسب.

ويوجد طرق بديلة كثيرة للاستفادة من اليوريا مثل إستخدامها عن عمل سيلاج الذرة بدون كيزان او عند عمل هيلج من المتبقيات الزراعية الجافة سواء بخلطها مع أعلاف أخرى من عدمه. كما يمكن استخدام اليوريا مع الشرش كما ذكرنا في مقالة سابقا أو إستخدامها فى تصنيع السائل المغذى المولاسى وذكرنا تركيبه وكيفيه تصنيعه وكيفية إستخدامه ويمكن للاستزادة التواصل مع الباحثين بقسم بحوث استخدام المخلفات بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى.