د.فوزي ابو دنيا يكتب: الإجراءات والتدابير السياسة لدفع التغيرات العملية التى من شأنها تخفيف إنبعاثات الماشية

3 يونيو، 2024 - بتوقيت 5:00 م

المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى

 

 

عند وصولنا للمحور الاخير من الإجراءات العملية التى لها تأثير سريع لتخفيف إنبعاثات الماشية فان الحاجة لدفع التغيير تتطلب إن يكون هناك آليات و تدخلات بالسياسة العامة لتنفيذ إجراءات العمل المذكورة فى سلسلة المقالات الخاصة بهذا الموضوع من خلال إشراك أصحاب المصلحة مع توفير الحوافز المناسبة لدفع التغيير. ومما لا شك فيه أن السياسات والنهج الفنية ستختلف باختلاف المناطق، فالمناطق الساحلية التى يتركز نظامها الغذائى على المصادر البحرية سوف تختلف عن المناطق الصحراوية التى يجب تنميتها بزراعة المحاصيل العلفية الشجيرية والأشجار الخشبية والنباتات التى تتحمل الملوحة والجفاف واختيار النوع الحيوانى المناسب للإستزراع الحيوانى بهذه المناطق وفى الجنوب لدينا عدة نظم زراعية يمكن تنميتها والاهتمام بها فى إطار مستدام. كذلك يجب أن نأخذ بعين الإعتبار أنظمة الثروة الحيوانية، والسياقات الزراعية الإيكولوجية والاجتماعية والإقتصادية – مما يعكس أولويات مختلفة. وبالتالي، يجب أن تقوم نُهج السياسات بالتصحيح الذاتي لتجنب التأثيرات غير المقصودة على الأهداف الأخرى، مثل الأمن الغذائي والتغذية وسبل العيش والصحة العامة ورعاية الحيوان. إن السياسات الناجحة التي تستخدم نهجا قائما على الأدلة ومرتكزا على الناس سوف تعكس إهتمامات مجموعات متعددة من أصحاب المصلحة، مع إشراكهم في وقت مبكر من عملية تطوير السياسات. فى الواقع يعد هذا النهج التشاركي أمرًا حيويًا لفهم (والتنبؤ) بشكل أفضل بكيفية إستجابة الناس للتغيير في سياق قيود الجدوى وهياكل السلطة والمعتقدات والقيم الاجتماعية والثقافية. ومن المرجح أن تحقق نُهج السياسات أفضل النتائج في مجموعات متكاملة، وأود أن اركز هنا على التكاملية والاستدامة التى يغفلها دوما واضعى ومنفذى السياسات الزراعية بمصر.

يقدم “الإجراء الخامس والأخير” مجموعة من الخيارات السياسة المحتملة التي تستدعي النظر في اتباع نهج تكاملي يُفضي إلى الممارسات التحويلية مع المساعدة في تقليل المخاطر التي يتعرض لها أصحاب المصلحة. وتشمل هذه الخيارات الأدوات القائمة على السوق (مثل التسعير والضرائب والحوافز)، والاستثمارات في البنية التحتية ودعم البحث والتطوير، والتدخلات التنظيمية المباشرة. ويمكن أن تساعد “حوافز الجذب” في توليد الطلب في السوق دعماً للتحولات نحو أفضل الممارسات. وستعتمد الحوافز والنهج القائمة على السوق، والتي تدمج إهتمامات المستهلكين، وفي الواقع زيادة وعي المستهلكين، على خطط موثوقة لإصدار الشهادات للمزارع وغيرها من مكونات نظام الأغذية الزراعية، مع إمكانية التتبع الصارمة وأنظمة وضع العلامات المناسبة للسلع الحيوانية عند نقطة البيع. على سبيل المثال، يمكن للحكومات والهيئات التنظيمية والجمعيات المهنية والتعاونيات الاستجابة لضغوط المستهلكين على الأسواق من خلال تطوير وتنفيذ خطط إصدار الشهادات “الذكية مناخيا” التي تستلزم وضع معايير مرجعية ورصد وتقييم مستمرين لردع الممارسات السيئة وتحفيز الممارسات التي من شأنها أن تساعد الدولة على تلبية الأهداف الوطنية. كما يجب أن نأخذ فى الإعتبار أن كل هذه الأمور قد تكون سهلة مع القطاع الاستثماري فى النظام المكثف والذى يكون منظم الى حد كبير فى قطاع الإنتاج الحيوانى، إلا أن الأمر سيكون أكثر صعوبة عد صغار المزارعين حيث يتسم هذا القطاع بالتشتت وصعوبة القدرة على متابعة عمليات التغير فيه مما يجعل الأخطاء والقيم المتحصل عليها اقل دقة، لذا فمن المهم وضع نظام تسجيل يتسم إلى حد كبير بدقة المتابعة وحركة الحيوانات ومستلزمات الإنتاج والعقبات المحتملة وكيفية التغلب عليها ورصدها أول بأول قدر الإمكان.

ومن أجل تثبيط الممارسات غير المستدامة (التي تعرض أصحاب المصلحة في الأغذية الزراعية أنفسهم للخطر)، يمكن أيضًا السماح لأسعار السلع الحيوانية أن تعكس وجود إنبعاثات الغازات الدفيئة وغيرها من التأثيرات البيئية. إلى جانب المياه المستخدمة فى الرى او الأمطار فى أراضي الرعي المشتركة. كما يعد المناخ الأكثر استقرارًا أحد موارد الملكية المشتركة التي يمكن تحديد تكلفتها في السلع التي تستفيد من هذه الموارد. ومن الممكن إعادة استخدام الإعانات المقدمة حاليا لإنتاج الثروة الحيوانية للمساعدة في تحفيز المزارعين على تبني ممارسات أفضل تقلل من الإنبعاثات وتساعد في تأمين مستقبل أعمالهم. ويمكن تحسين الدعم (وأنا شخصيا ضد الدعم المادى المباشر – الإعانات – إنما مع التحفيز بوسائل خارج الصندوق) التي تتعارض حاليًا مع الأولويات البيئية من خلال تنظيم الامتثال المتبادل، والتي بموجبها يمكن تقديم مدفوعات مباشرة للمزارعين وغيرهم من أصحاب المصلحة في نظام الأغذية الزراعية لتقليل الإنبعاثات من خلال إعتماد ممارسات جيدة. إن عدم إحترام شروط الإمتثال سيؤدي إلى خسارة – كليًا أو جزئيًا – للمدفوعات المباشرة. إن فكرة استبدال المدفوعات المباشرة بـ “المال العام من أجل المنافع العامة” هي قيد التحقيق حاليًا من قبل بعض البلدان. وتُعَد “ضرائب الكربون” مثالاً لأداة التسعير التي تم تطبيقها بالفعل في بعض البلدان على قطاعات مختارة ــ النقل والطاقة بشكل خاص. حيث يتم إحتساب ضرائب الكربون على أنواع الوقود المختلفة للتعويض عن التكلفة الإجتماعية للكربون من خلال إنبعاثات الغازات الدفيئة. مع ملاحظة أن تطبيق ضريبة الكربون في قطاع الثروة الحيوانية سيكون أمراً معقداً لأن الإنبعاثات تحدث في المراحل الأولى من الإنتاج وفي المراحل النهائية منه، وكذلك في المزرعة نفسها. وتختلف الإنبعاثات أيضًا من مزرعة إلى أخرى، وبالتالي فإن تنفيذ ضريبة الكربون على الماشية سوف يتطلب دراسة متأنية، فضلاً عن آليات الرصد والتقييم. من ناحية أخرى فإن تطبيق “ضريبة اللحوم” وهى إتجاه مطروح وتعتبر أداة تسعير أخرى تم إقتراحها، ولكنه قد يعاني أيضًا من تباين الأداء بين المزارع ومن المحتمل أن يفشل في تحفيز الممارسات الجيدة على طول نظام الأغذية الزراعية ما لم يتم ربطها بخطط إصدار الشهادات المعقدة. والجدير بالذكر أن مثل هذه الضرائب المبتغاة قد تم تطبيقها في محاولات للتخفيف من الآثار الصحية للتبغ والمشروبات السكرية. ومن الممكن أن يوفر النهج الضريبي فرصة لإعادة استثمار الأموال مرة أخرى في أبحاث الثروة الحيوانية منخفضة الكربون ودعم البرامج لتسريع التقدم نحو تحقيق الأهداف المناخية. إن التنظيم كأداة سياسية يمكن أن يكون فعالا في سياقات معينة، وهو موجود بالفعل في مجالات صحة الحيوان، ورفاهيته، والتلوث البيئي، وسلامة الأغذية في العديد من البلدان. ومن الممكن تجربة لوائح وآليات إنفاذ مماثلة للحد من الانبعاثات المرتبطة بالثروة الحيوانية. وستعمل مثل هذه اللوائح في نقاط محددة في أنظمة الأغذية الزراعية الحيوانية لتمكين التغذية الراجعة و/أو الإنفاذ و/أو المكافآت لممارسات خفض الانبعاثات. على سبيل المثال فإن إدارة السماد بشكل صحيح هي مثال على الممارسة التي من شأنها أن تخضع للتنظيم. ويمكن أيضًا أن يكون القانون غير الملزم، في شكل توجيه معياري، فعالاً وأسرع في التنفيذ. في حين أن التدخلات “من أعلى إلى أسفل” مفيدة، فإنها تميل إلى أن تكون أكثر نجاحًا عند تطبيقها مع مبادرات تغيير السلوك “من أسفل إلى أعلى”. وتشكل تقييمات أصحاب المصلحة، بما في ذلك تقييمات الضعف والمخاطر، جزءًا أساسيًا من هذه العملية لتطوير نظرية سليمة للتغيير. ويمكن نشر برامج الدعم وحملات التوعية التي تقودها الحكومة والصناعة من أجل زرع بذور العمل الجماعي. ومن الممكن أن تعمل برامج تدريب المزارعين والتعاونيات الزراعية أو الخاصة بالإنتاج الحيوانى على تسهيل التغيرات السريعة في الممارسة ونقل المعرفة، فضلا عن تحسين القدرة على المساومة لتسعير منتجاتهم. ويمكن نقل التقدم في الممارسات من خلال الشبكات الاجتماعية والمهنية من قبل أصحاب المصلحة أنفسهم من أجل استيعاب أوسع (وأسرع) وتحقيق عائد أفضل على الاستثمار. ويمكن أيضًا وضع سياسات لتعزيز جهود البحث والتطوير لدعم الثروة الحيوانية منخفضة الكربون. ويلعب البحث والتطوير دوراً بارزاً بشكل خاص في تحسين كفاءة الإنتاج الحيواني، وخفض انبعاثات غاز الميثان ،وإعادة التدوير، واحتجاز الكربون، وتطوير بدائل للمنتجات الحيوانية ذات الانبعاثات العالية. وأيًا كانت مجموعة التدخلات الفنية والسياسية التي يتم تجربتها، يجب إيلاء اهتمام خاص للتأثيرات على أسعار السلع الحيوانية – سواء كانت ناشئة عن مكاسب الكفاءة، أو البدائل منخفضة التكلفة، أو الإنتاج المدعوم أو الضرائب – للحماية بشكل استباقي من العواقب غير المقصودة على الماشية وغيرها من القطاعات المرتبطة.

الرسائل الرئيسية الخاصة بتطوير تدابير السياسة لدفع التغيير

• لدفع التغيير فإن هناك حاجة إلى تدخلات السياسة العامة للدولة.

• ستختلف مناهج السياسات عبر المناطق، وأنظمة الثروة الحيوانية، والسياقات الزراعية الإيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية، مما يعكس القيود والفرص والأولويات المختلفة للاستدامة. كما يجب أن تقوم مناهج السياسات بالتصحيح الذاتي لتجنب التأثيرات غير المقصودة في مجالات أخرى من الاستدامة.

• قد يؤدي دمج أنواع مختلفة من مناهج السياسات إلى تحقيق أفضل النتائج لدعم الممارسات التحويلية مع المساعدة في تقليل مخاطر أصحاب المصلحة.

• يمكن مواءمة (الدعم) الإعانات بشكل أفضل مع أولويات العمل المناخي من خلال المدفوعات العامة مقابل المنافع العامة، بالتنسيق مع التسعير الذكي للمناخ. بالإضافة الى خطط التنظيم وإصدار التصريحات اللازمة لممارسة أى نشاط فى مجال الإنتاج الحيوانى.