د.فوزي ابو دنيا يكتب : متطلبات النهوض بالثروة الحيوانية في مصر

15 أغسطس، 2024 - بتوقيت 11:01 ص

 

مدير معهد بحوث الإنتاج الحيواني الأسبق

 

 

من خلال مجموعة المقالات التالية سوف نتحدث عن سبل النهوض بالثروة الحيوانية بمصر وأهمية الاهتمام بالتحسين الوراثي واستخدام التقنيات الحيوية في تنمية هذا القطاع الهام. 

إن التحديات التي تواجه المجتمع العالمي في مجال الغذاء والزراعة هائلة. فوفقاً لأحدث تقرير عن حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم، هناك الآن نحو مليار شخص يعانون من نقص التغذية. وتساهم الثروة الحيوانية بشكل مباشر في توفير سبل العيش لنحو مليار من سكان العالم. وتوفر الثروة الحيوانية البروتين والمعادن للاستهلاك البشري، والسماد لإنتاج المحاصيل، والألياف والجلود للاستخدامات الصناعية، والطاقة اللازمة للجر. وبالإضافة إلى دورها في توفير الغذاء والمدخلات للزراعة والصناعة، توفر الثروة الحيوانية الأمن للمزارعين، وخاصة في حالات الطوارئ مثل فشل المحاصيل. وبالنسبة للعديد من المزارعين الصغار الفقراء الموارد ومربي الماشية الذين لا يملكون أرضاً، تشكل الحيوانات بنكاً حياً يسهل توزيع الدخل والادخار. وبالإضافة إلى ذلك، من خلال استهلاك مخلفات المحاصيل والمنتجات الثانوية ومن خلال الإدارة السليمة والجيدة، تساهم إنتاجية الثروة الحيوانية بشكل إيجابي في البيئة، وخاصة في أنظمة إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية المختلطة. وعلى هذا فإن الثروة الحيوانية تشكل مصدراً مهماً للدخل والعمالة، مما يساهم بالتالي في التخفيف من حدة الفقر وتعزيز الأمن الغذائي الأسري للمزارعين. إن إنتاج الثروة الحيوانية هو أحد أسرع القطاعات الزراعية نمواً، حيث يمثل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي الزراعي. ومن المتوقع أن يتجاوز إنتاج المحاصيل قريباً باعتباره القطاع الزراعي الأكثر أهمية من حيث القيمة المضافة. وقد حققت العديد من البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية نمواً اقتصادياً مرتفعاً في السنوات الأخيرة. وهذا، إلى جانب الزيادة السكانية، وتوسع السكان الحضريين، ونمو الدخول الشخصية، مما يغير من أنماط الحياة والشراء فيما يتصل بالمنتجات الغذائية. ويتحول الطلب العالمي على البروتين الغذائي من البروتينات النباتية إلى البروتينات الحيوانية. وباستخدام البيانات من عام 2000 كخط أساس، فمن المتوقع أن يتضاعف الطلب على المنتجات الحيوانية تقريباً بحلول عام 2030 وأن نسبة كبيرة من هذه الزيادة ستكون من الحيوانات وحيدة المعدة. 

إن هذا الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية، والذي يطلق عليه “ثورة الثروة الحيوانية”، يخلق فرصاً لتحسين رفاهة الملايين من الفقراء الذين يعتمدون على الثروة الحيوانية في معيشتهم ويمكن أن يصبح وسيلة رئيسية للتخفيف من حدة الفقر. ولقد لوحظ أن النمو السريع في إنتاج الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى توفير الفوائد للمزارعين وصناعة المنتجات الحيوانية، قد حفز الطلب على العمالة والأرض والسلع والخدمات غير الزراعية، وزاد من قيمتها، مما أدى إلى نمو اقتصادي عام. ومع ذلك، فإن تدهور الأراضي المتزايد، والاحتباس الحراري العالمي، وتآكل الموارد الوراثية الحيوانية والنباتية، والتلوث البيئي الناجم عن الثروة الحيوانية، ونقص المياه الشديد وتهديد الأمراض المعدية الناشئة، تشكل العديد من التحديات الجديدة للإنتاج الحيواني المستدام والأمن الغذائي، وخاصة في البلدان النامية.  وبالتالي فإن تلبية الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية، مع حماية الموارد الطبيعية والبيئة الأوسع، يعد أحد التحديات الرئيسية اليوم. 

لقد كانت الابتكارات التكنولوجية بمثابة محركات للتغيير الاجتماعي والاقتصادي. وقد لعبت دورًا محوريًا في تحسين نوعية الحياة وسلامة الحيوانات والبشر. لقد شهدت العقود الأربعة الماضية طفرة غير مسبوقة في تطوير التكنولوجيا الحيوية في مجال الإنتاج الحيواني والصحة، حيث أصبحت التكنولوجيات الحيوية القائمة على الجينات أكثر بروزًا في العقد الماضي. وفي حين تم تطوير الغالبية العظمى من هذه التكنولوجيات واستخدامها في البلدان المتقدمة، فإنها تتمتع بالقدرة على تخفيف حدة الفقر والجوع، والحد من تهديدات الأمراض وضمان الاستدامة البيئية في البلدان النامية. تتمتع بعض التكنولوجيات بتاريخ طويل من الاستخدام الناجح، وقد تم استخدام بعضها الآخر بنجاح متفاوت، والعديد منها في مراحل مختلفة من التطوير والتسويق.

يمكن طرح عدد من الأسئلة الأساسية حول التكنولوجيات الحيوية للثروة الحيوانية في البلدان النامية: إلى أي مدى يتم استخدامها اليوم؟ ما هي أسباب نجاحها (أو فشلها)؟ ما هي التحديات الناشئة التي يمكن معالجتها من خلال تطبيقها؟ ما هي الخيارات المتاحة للدول النامية الفردية والمجتمع الدولي للتمكين من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استخدام التكنولوجيات الحيوية المناسبة لتعزيز الأمن الغذائي؟. كل هذا سوف نجيب عنه في المقالات التالية بإذن الله.