د. علي اسماعيل يكتب : الادارة المتكاملة للموارد المائية و الانتاج الزراعي

10 يوليو، 2020 - بتوقيت 12:23 م

 

استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر

إن ندرة وشح المياه سوف تؤثر على القطاع الزراعى اكثر من القطاعات الاخرى ، وفي ظل جميع السيناريوهات ، فإنه يتوقع ان ينخفض متوسط المياه المخصصة لكل فدان بنحو يتراوح من 6%  الى 11% ، وللحفاظ على القطاع الزراعى بوصفه احد الدعامات الاساسية للاقتصاد الوطنى ، فإن القطاع يحتاج الى التكيف مع حالة ندرة المياه عن طريق قدرة القطاع علي تطوير منظومة الري الحقلي وتحديثها والاستفادة من البحوث العلمية المرتبطة بالاصناف والسلالات عالية الانتاجية المتحملة للجفاف وقصيرة العمر والممارسات الزراعية  وعلاقة وحدة الارض بإنتاجية وحدة المياه . 

وبناء عليه فان الميزان المائي لمصر يمر بعجز دائم ومتراكم في التوازن المطلوب بين العرض الكلي والطلب الكلي المتزايد بمعدل متزايد بزياده عدد السكان متمثله في مشروعات المجتمعات العمرانيه والقري الجديده علي مستوي الاسكان والتوسع في زياده مشروعات الاستصلاح القوميه والاهليه في الاراضي الجديده الامر الذي بات ومن المؤكد تضأل نصيب الفرد من المياه الي اقل من ٦٠٠ متر مكعب الي ٤٥٠ متر مكعب في السنه عام ٢٠٢٥ ومن المتوقع ان يصل نصيب الفرد عام ٢٠٥٠ الي ادني من ٣٥٠ متر مكعب في السنه وذلك لزياده متوسط معدل النمو السكاني ٢% ويصل استهلاك الفرد الي ٢٤٧ لتر/ يوم وبالتالي سوف يصل عدد السكان عام ٢٠٥٠ الي ١٧٢ مليون نسمه الامر الذي يتطلب زياده الموارد لتصل الي نحو ٩٧ مليار متر مكعب الامر كذلك الذي بات يؤكد علي فجوه مائيه كبيره.  لذا من الاهمية رفع الكفاءه الاقتصاديه علي مستوي الحقل التي تعمل علي توفير المياه وزياده الانتاجيه من وحدة المياه والارض الامر الذي يجعل الاولويه لمشروعات تطوير الري الاولويه الاولي لاهميتها  وخاصة المساقي والمراوي ونظم  الري  داخل الحقل عنها في المجاري المائية لترع النقل والتوزيع .

ان التحدي الرئيسي لاستدامة الموارد المائية هو التحكم في المياه والقدرة علي معالجتها واعادة استخدامها وحمايتها من التلوث وان الهدف القومي للاستفادة من مياه الصرف بعد المعالجة بكميات تصل الي 9.6 مليون متر مكعب من خلال محطات معاجة المحسمة وسرابيوم وبحر البقر لهي الاضخم في تاريخ مصر لاعادة استخدام هذة المياه في الزراعة بنوعية جيدة من المياه ربما تساعد في نوعية انتاج زراعي متميز حسب طبيعة الاراضي المستخدمة لهذه المياه وان الدعوة للزراعة العضوية والحد من استخدام الأسمدة والمبيدات الكيماوية تعبر احد مؤشرات التحسن في مواصفات الانتاج الزراعي المصري وقدرته علي المنافسة في الاسواق العالمية وان المعاير المصرية والجودة للحد من تلوث المحاصيل والتربة والمياه تمثل حجر ارتكاز لمنظومة الانتاج الزراعي والتي توليها الدولة المصرية اهمية من المنظور الاستراتيجي بعيد المدي في ظلل تقليل استخدام المبيدات الكيماوية بالإضافة إلى ذلك السياسة الحالية لتقليل استخدام مبيدات الأعشاب والتسميد العضوي والحيوي وتقليل مستوي التسميد المعدني واضافته علي جرعات مرتبطة بمراحل النمو وتقليل المنصرف مع مياه الصرف الزراعي  و كذلك الاعتماد بشكل رئيسي على المكافحة الآلية للأعشاب المغمورة  وتطهيرها .

مشاكل المناطق الشمالية من الدلتا

لقد أصبحت الملوحة والغدق من اهم الظواهر التي تعبر عن تدهور التربة الزراعية وخاصة في المناطق الشمالية للدلتا والساحل الشمالي نتيجة عدم الاهتمام بمفهوم الادارة المتكاملة للاراضي وان الاصراف في عمليات الري وسوء ادارة الري في المنطقة الشمالية للدلتا ربما تمثل مشكلة علي المدي الطويل وتتسبب في تدهور هذه الاراضي وتصحرها اذ لم تتم اداراتها بالمفهوم السليم مع ظروف التغيرات المناخية بإضافة كميات مناسبة من المياه مع جزر من الاحتياجات الغسيلية للضغط  علي الضغوط البيزوميترية الناتجة من تداخل مياه البحر وان استخدام شبكة الصرف المغطي بالمواصفات القياسية لطبيعية الاراضي الطينية الثقيلة القوام في هذة المنطقة ربما تكون الابعاد بين المصارف الحقلية اقل منها في الظروف العادية لباقي الاراضي الطينية في الدلتا وقد يستخدم الصرف المساعد وما يطلق علية الصرف بالانفاق هو احد الطرق المساعدة لوقف ارتفاع مستوي الماء الارضي المالح وتراكم الاملاح وحماية هذة الاراضي من التدهور حال الاستفادة الكاملة لمجموعة العناصر في صورة متكاملة وان ترشيد اضافة المياه عن طريق تطوير الري السطحي العادي الي الري السطحي المطور مع مجموعة المعاملات الزراعية للتسوية بالليزر والزراعة علي مصاطب وليست الخطوط واستخدام الحرث تحت التربة مع نظام الصرف المساعد ربما تشكل مجموعة من حوائط الصد والدفاع القوية لحماية الاراضي الشمالية لدلتا مصر من التدهور والتصحر الذي يمثل احد العناصر التي تسبب الهجرة من هذة المناطق وانشغال المزارعين بالبحث عن فرص بديلة لتحسين دخولهم خارج مهنة الزراعة.

مشروعات حماية وصيانة الاراضي

وان اهم المشروعات التي ساعدت في حماية الاراضي لهذه المناطق هو تركيب وتفعيل أنظمة الصرف الزراعي واهما مشروع الصرف المغطي في حال التصميم المناسب والصيانة الدورية للمنظومة لان فشلها وعدم تنفيذها بالشكل المناسب تكون العامل الاساسي لتدهور الاراضي وضعف انتاجيتها فالصيانة المستمرة والتحكم في ارتفاع الماء الارضي قد يكونوا نظام جيد للحماية ووقف التدهور ورفع الانتاجية مع ادارة جيدة لمنظومة الري السطحي المطوربما يساهم في اضافة المياه وتوزيعها بالشكل المناسب وفي الزمن المناسب وقد أدى ذلك إلى انخفاض الملوحة في مساحات من حوالي 1.2 مليون هكتار منذ عام 1972 الي ان تبقي حوالي  150000 هكتار في الوقت الحاضر. وان تسلل مياه البحر يسبب مشكلة في الجزء الشمالي من الدلتا ، حيث تصبح المياه الجوفية بها من قليلة الملوحة الي مالحة و تحتوي  المناطق الشمالية الي نصف الدلتا على المياه الجوفية المالحة ، ولا تحتوي على المياه العذبة في المناطق الشمالية لذلك تم تحديد خط يمنع معه السحب من المياه الجوفية بنظام الابار حتي يتوقف معه زحف مياه البحر والتي قاربت من طنطا بالدلتا.

و ان متوسط ​​ملوحة المياه الجوفية في الدلتا تراوحت بين 680 و 1670 مجم / لتر في 2019/2020و يقال أن حزام الأرز هو خط الدفاع الرئيسي وعامل اساسي للحفاظ على الملوحة تحت السيطرة في المناطق الشمالية من دلتا النيل وكذلك لوقف غزو مياه البحر إلى الداخل في طبقة المياه الجوفية في الدلتا. وتكون ملوحة مياه الصرف الزراعي أعلى في فصل الشتاء ، ولا سيما المصب لأنه يتم استخدام كمية أقل من المياه للري وتقل معدلات الغسيل للاراضي عنها في الموسم الصيفي التي تغمر فيها الاراضي لحوالي اكثر من مليون ونصف فدان مع زراعة محصول الارز  وهي المساحة الوجوبية لزراعة الارز في المناطق الشمالية للدلتا.

إدارة المياه علي المستوي الحقلي  

وقد أبدت الحكومة عزمها على تحويل التركيز من دورها كدولة مركزية مسئولة عن ادارة المياه في الحقول كدولة مركزية (الوحيد) الفاعل في تطوير وإدارة أنظمة إمدادات المياه وتوزيعها  ، نحو الترويج الي استخدام مناهج تشاركية يلعب فيها مستخدموا المياه دوراً نشطاً في إدارة نظم الري وتقاسم التكاليف بين المستخدمين من المزارعيين . وتم استحداث تدابير مؤسسية وتشريعية مهمة وقد اتخذت مؤخرا لتعزيز إقامة تشاركية مستدامة وهي جمعيات إدارة الري (PIM). ومع ذلك وعلى الرغم من كل هذه التدابير ، فإن تطوير جمعيات مستخدمي المياه (WUAs) كشركاء فعالين في الري ساهم بشكل كبير في الإدارة والتي لا تزال في مرحلة مبكرة لم تصل الي مرحلة النضج في الأراضي الجديدة حيث لم يكن مفهوم PIM تعمل بعد بشكل فعال لمجموعة متنوعة من الأسباب الاقتصادية والمالية والمؤسسية. بينما لم  يدرك البعض من معظم المواطنين أهمية جمعيات مستخدمي المياه في التوزيع العادل من المياه المتاحة وكفاءة توزيعها بالشكل العادل بينهم وان اهم الصعوبات التي تواجه هذه الجمعيات عدم توافر المياه بشكل كافي ليضمن بينهم التوزيع  المتكافئ ، إما بسبب أوجه القصور في التصميم أو التراخي في تطبيق القواعد ضد السحب الزائد من قبل مستخدمي المياه في بدايت الترع والفتحات الأمامية وان ذلك يعد بمثابة مثبط للعمل الناجح لجمعيات مستخدمي المياه في كثير من الحالات.

مفهوم التنمية والحفاظ على الموارد المائية. 

ويتم ذلك من خلال اعتماد دوران المياه وتوزيعها داخل قنوات الري ، والحد من مساحة زراعة الأرز كجزء من مفهوم ترشيد وتوفير جزء من الموارد المائية لاعادة استخدامها في اغراض التنمية وزراعة مساحات جديدة وان عمليات ترشيد المياه  وتبطين قنوات الري في المناطق الرملية وحظر الري السطحي في المناطق الجديدة خارج حوض النيل في مشروعات استصلاح الاراضي لابد وان تجد من الاليات والتشريعات التي تلزم المستخدمين علي تحديث منظومة الري وان تكون الاجراءات صارمة والقوانين مفعلة لاحكام الرقابة علي توزيع المياه والمقنانات المائية والتي يتم تحديدها طبقا للتركيب المحصولي المزمع زراعته في هذة المناطق مع حظر زراعات بعينها وتركيب العددات علي الابار والمحاسبة علي مقدار المصرح به سنويا وان اي تصرفات ذائدة يحاسب عليها بغرمات مع غلق الابار في حال تكرار المخالفة وكما اتبع في شرق العوينات  .

سياسات الموارد المائية الحديثة في اطار تطوير منظومة الري الحقلي 

 كثيرا من الامور التي يجب الالتزام بها والعمل عليها في اطار تنظيم وتنمية الموارد المائية بصورة مختلفة في الإجراءات الهيكلية للمنظومة نفسها  والعديد من التدابير غير الهيكلية

 و تشمل التدابير والإجراءات الهيكلية: إعادة تأهيل شبكة الموارد المائية ومنها قنوات  الري وتحسين نظام الري ورفع كفاءة توزيع المياه بالترع الرئيسية والفرعية بالشكل الذي يضمن عدالة التوزيع للمياه ووصولها لكل المستخدمين بنفس القدر علي حد سواء  وكذلك تركيب أجهزة مراقبة منسوب المياه المرتبطة بنظام القياس عن بعد ( التليميتري) وتوسيع نظام الصرف المغطي في الاراضي القديمة واعادة احلال الشبكة في المناطق التي تتطلب ذلك . 

 وتشمل التدابير غير الهيكلية: توسيع جمعيات مستخدمي المياه (WUAs) ومساقي الري والمراوي  مع  إنشاء مجالس المياه على القنوات الفرعية والاهتمام بالترويج الجماهيري والاعلامي من خلال برامج التوعية مع إشراك أصحاب المصلحة.

وقد تم صياغة أحدث سياسة للمياه في عام 1993. وقد تضمنت عدة استراتيجيات لضمان تلبية طلبات جميع مستخدمي المياه وتوسيع الزراعة القائمة حتي 2017 وتلاها الخطة الجديدة للموارد المائية ل2035 التي تضمن توفير المياه للقطاعات المختلفة والتي تم بناءها علي المتغيرات الجديدة للشح المائي ونقص نصيب الفرد من الموارد المائية . ونظرا للظروف الحالية وما يطرا عليها من متغيرات محلية وإقليمية فان الموارد المائية الموجودة أصبحت غير كافية من الناحية العملية والتطبيقية وان التطور السريع الذي تشهده مصر خلال السنوات القليلة الماضية من توسع عمراني حضاري والذي يمثل نقلة حضرية ونوعية للدولة المصرية التي ارسي قواعدتها فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي قائدة مسيرة البناء والتنمية  يلزم معه تطوير منظومة الري وتحديثها في النشاط الزراعي بهدف الاستفادة القصوي من وحدة المياه مع وحدة الارض لتعظيم الانتاجية الزراعية وذيادة الناتج القومي الزراعي المرتبط بالتركيب المحصولي الاقتصادي والاستراتيجي مع ذيادة الرقعة الزراعية بإضافة مساحة جديدة ( التوسع الافقي) وذيادة الانتاجية في الاتجاه الراسي لوحدة المساحة من خلال المعاملات الزراعية وحزم التوصيات  الزراعية مع تحسين الاصناف النباتية  وتطويرها والتي تهدف الي تحسين برامج التربية تحت ظروف التغيرات المناخية  وتطوير وتحديث منظومة الري الحقلي وصيانة التربة وحمايتها من التدهور وذيادة خصوبة التربة وتحديد الخريطة السمادية المناسبة وتشجيع الزراعة العضوية واستخدام الاسمدة الحيوية والطبيعية في الاراضي المصرية ثم الاهتمام بمنظومة التصنيع الزراعي و رفع القيمة المضافة للمنتجات الزراعية وتقليل الفاقد منها.