د.فوزي ابو دنيا يكتب : أزمة السكر، ومشكلة إحلال بنجر السكر محل قصب السكر

20 سبتمبر، 2024 - بتوقيت 10:09 ص

 

المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني

 

 

في تصريحات مؤخرا للدولة الى الأعلام بخصوص استهلاك المصريين للسكر والذي اعتبرته انه يعد من أعلى المعدلات عالميًّا، وذلك لتوجيه الإشارة إلى أن أزمة نقص المنتج من السكر حالية تعود إلى إفراط المصريين في استخدامه. وفى الواقع أن هذا التصريح يتجاهل دور الحكومة في تقويض زراعة قصب السكر تلك الزراعة التي توطنت في صعيد مصر منذ سنين طويلة والملائمة لظروفه المناخية والاجتماعية، وذلك في مقابل الاهتمام بتفضيل محصول وافد وأقل إنتاجية مثل بنجر السكر. وفى الحقيقة أن إهمال محصول القصب جاء منذ تسليط الأمن على خطورة القصب في إيواء المطلوبين للعدالة والجماعات المتطرفة وبالتالي كان القرار امنى بحت، إلا ان عمل على تقليل المساحة التي قفزت فيها التكنولوجيا قفزات واسعة يمكن للأجهزة الحكومية استخدام عديد من التقنيات لعمل مسح على كل مساحات زراعة القصب وبالتالي يكون المبرر القديم ليس له مكان الآن في عصر التكنولوجيا الحديثة. وانطلاقًا من أهمية قصب السكر اجتماعيًّا واقتصاديًّا لصعيد مصر، يجب على الحكومة تكييف زراعته في ظل التغير المناخي ليكون أكثر توفيرًا للمياه بدلًا من إهمال هذا المحصول واستبداله بآخر يتحكم فيه كبار المستثمرين.

 

نظرة عابرة على إنتاج قصب السكر في مصر

 

كون قصب السكر من نباتات المناطق الحارة والتي تعد مصر في الواقع من بين مصاف الدول الأكثر إنتاجًية من قصب السكر وذلك من حيث الجودة وإنتاجية الفدان. ليس هذا وحسب بل يعد قصب السكر من أكثر المحاصيل الاستوائية الأكثر كفاءة في تحويل أشعة الشمس إلى سكر، وبالتالي تحقيق أكبر إنتاجية للفدان من السعرات الحرارية. وفى مصر يقوم الفلاحون بزراعة قصب السكر على ضفاف نهر النيل في مصر العليا من المنيا إلى أسوان. الأكثر من ذلك أن قصب السكر يعتبر مصدر الدخل الأساسي لما يقارب 500 ألف أسرة تعمل في زراعته والصناعات المعتمدة عليه والتي تصل إلى 30 منتجًا مختلفًا. ومن المبكيات أن يتجلى إهمال الدولة لمحصول قصب السكر في تأخير وتدني تسعيره للمزارعين، ففي الوقت الذي تسيطر عليه الحكومة يشكل سعر شراء المحصول تحديا رئيسيًّا لقدرة المزارعين على توفيره. فعلى الرغم من الزيادة التي شهدتها أسعار مدخلات الإنتاج في ظل التضخم الذي لا يد للفلاح فيه لا من قريب أو بعيد، وتذبذب سعر التوريد بالجنيه، إلا انه في ظل الواقع المرير لم تشهد قيمته الحقيقية عند تحويلها بالدولار أية زيادة حقيقية بين 2014 وحتى الآن. يأتي هذا خلافًا لتصريحات الحكومة التي اعتبرت أن الزيادة الأخيرة لسعر التوريد بالجنيه حلًّا لأزمة السكر.

 

خطورة تقليص أو التخلي عن زراعة قصب السكر

 

في عام 2012 حدث ارتفاع في نسبة إنتاج السكر من البنجر على حساب القصب من 45.5% ووصلت إلى 67.2% من الإجمالي في 2022. يأتي هذا في ظل توجه الدولة المصرية إلى إحلال زراعة القصب ببنجر السكر، بالرغم من ضعف إنتاجيته واحتياجه لخدمة شاقة ووقود خارجي (خاصة في ظل التضخم وأزمة الطاقة وارتفاع أسعارها وتكبد الدولة لتوفير العملة الصعبة لاستيراد المحروقات) ومن ناحية أخرى لواقع أكثر غرابة، فان بذور بنجر السكر تأتى مستوردة من الخارج بخلاف قصب السكر والذى تطورت زراعته في الآونة الأخيرة بشكل كبير حيث اصبح يتم زراعته شتلا. في المقابل من هذا انخفض توريد القصب لمصنع شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية من 750 ألف طن عام 2020 إلى 10 آلاف طن في موسم 2024 ما تسبب في غلق المصنع. في الحقيقة يعد هذا إهمال الدولة لمحصول القصب تخريبًا لزراعة متوطنة تخدم السيادة للأمن الغذائي للبلاد. من المضحكات المبكيات في الأمر أن زراعة قصب السكر لا تعتمد على البذور المستوردة من الخارج كونه يزرع من سيقان النبات بشكل ملائم للبيئة وظروف المجتمعات المحلية مما يعرضا لخطورة الأزمات التي قد تحدث ويدخل فيها توفير البذور والسكر للدولة المصرية حيز الخطر. كما يعتبر القصب المحصول المثالي للتنمية الاقتصادية لصعيد مصر، فزراعته غير كثيفة العمالة لأن سيقانه تزرع مرة واحدة وتنتج من 5 إلى 6 مواسم متتالية، ما يجعله ملائمًا للتغيرات الاجتماعية للصعيد المتمثلة في هجرة العمالة الزراعية. كما أن ارتفاع درجات الحرارة في الصعيد تجعل هذا المحصول مناسب لهذه المجتمعات لان الخدمات الشاقة لزراعة المحاصيل الأخرى في ظل ارتفاع الحرارة للقيام بالعمليات الزراعية لا يتناسب مطلقا مع ما تراه الدولة المصرية.

 

مبررات نقص المياه وعلاقته بزراعة قصب السكر

 

في تبريرات غريبة لتفضيل زراعة البنجر من منطلق توفير الموارد المائية، حيث أن مدة مكوثه في التربة نصف مدة مكوث القصب وبالتالي فان عدد الريات يزداد في القصب ويستهلك مياه أكثر. وفى الواقع فان القصب لا يبذر في استهلاك المياه كما هو مشاع ولا يختلف استهلاكه للماء كثيرًا عن البنجر. علاوة على إمكانية تطوير نظم الري بالوجه القبلي في زراعة القصب. وفى الآونة الأخيرة تم تغير أنماط ري قصب السكر الى الري بالتنقيط والري المطري في المناطق الصحراوية كما أن هناك إمكانية لتطوير نظام الري التقليدي لتقليل هدر المياه في الري، وبالتالي يمكن تقليص كميات مياه الري المستخدمة لمحصول القصب. وفى ظل هذا الشد والجذب تنطلق بعض التصريحات ، تشير إلى أن قرار الحكومة يرجع إلى توجيه الموارد المائية إلى الشركات الكبرى والأراضي المستصلحة على حساب توفيرها للفلاحين في أراضي الوادي والدلتا القديمة.

 

وجوب الاستثمار في التطوير وليس سياسة الإحلال

 

لابد علينا أن نعى جيدا انه في ظل خطورة التوجه للتخلي عن زراعة محصول قصب السكر أو تقليل المساحات التي تزرع به كونه محصول متوطن وملائم للظروف الاجتماعية والمناخية لصعيد مصر كما أشارنا سالفا، فانه من الواجب على الحكومة الاستثمار في تطوير زراعته عن طريق استخدام تقنيات تقلل من أي هدر مائي وتوفير الميكنة اللازمة، بدلًا من التخلي عن المحصول وإهماله. كما يجب على الحكومة رفع سعر التوريد للقصب بنسبة تساعد على تغطية تكاليف الزراعة من أجل حل أزمة شح السكر وضمان حياة كريمة للمزارعين. وأخيرًا، يجب على الحكومة إعادة النظر في سياساتها الزراعية للمضي نحو نظام مستدام لإنتاج الغذاء، عبر الحفاظ على الزراعات المتوطنة وتطويرها، وعلى رأسها قصب السكر.