د.ايمان احمد السخاوي تكتب : الاستجابة المناعية والغذاء.. دعوة للتغيير في ظل التحديات الراهنة

29 يونيو، 2025 - بتوقيت 5:59 م
باحث مساعد بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – فرع الإسكندرية
يعد الغذاء هو المصدر الرئيسي للطاقة وللعناصر الغذائية التى يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الحيوية بكفاءة ومن ثم ضمان حياة خالية من الأمراض وذلك من خلال توفير إمداد الجسم بالسعرات الحرارية اللازمة لممارسة الأنشطة اليومية وتعزيز مناعة الجسم ضد الأمراض، الحفاظ على صحة القلب و دعم صحة العظام و تحسين عملية الهضم و المساعدة في التحكم بالوزن و تتأتى كل هذة العناصر الهامة لحياة الإنسان من تناول غذاء متوازن متكامل و متنوع المصادر.
و في وقتنا الحاضر تغيّرت أنماط الحياة والعادات الغذائية بشكل ملحوظ نتيجة للتقدم التكنولوجي والضغوط اليومية مع تزايد سرعة إيقاع الحياة و ذلك بالتوازي مع تفاقم التحديات الصحية والبيئية والاقتصادية التي يواجهها العالم اليوم، الأمر الذى أسهم فى تحويل العناصر الغذائية الجيدة الموجودة فى الأغذية و المشروبات الى مواد رديئة مسببة للأمراض فصار الغذاء غير صحي و افتقر إلى القيمة الغذائية العالية أو صار خالياً منها ، غنياً بالسعرات الحرارية يحوي العديد من المكونات الضارة بالصحة وخاصة على المدى البعيد، مما تسبب فى انتشار الكثير من الأمراض المزمنة الأمر الذى يؤدي إلى إرهاق الأنظمة الصحية , لذا بات من الضروري إعادة تقييم ممارساتنا الغذائية لما لها من أثر مباشر على النظام المناعي الذى يمثل خط الدفاع الأول لجسم الإنسان في مواجهة الأمراض كما إن الاستجابة المناعية للجسم تعتمد بشكل كبير على نمط التغذية اليومي، حيث تمثل التغذية أحد أهم ركائز المناعة إما دعماً أو إضعافاً .
إن العلاقة بين الجهاز المناعى و الغذاء هى علاقة تكامل لا إنفصال , فلا نغفل طبيعة الجهاز المناعى كنظام معقداً يعمل بتنسيق دقيق للدفاع عن الجسم ضد العوامل الضارة , و يعتمد هذا النظام على توافر العناصر الغذائية الضرورية مثل العديد من الفيتامينات مثل (A، C، D، E) حيث يتمثل دورها الحيوى في تنظيم الإستجابة المناعية و تقليل الإلتهابات, كما أن العديد من المعادن مثل الزنك، السيلينيوم، الحديد تمثل عناصر أساسية لنشاط الخلايا المناعية , كما تمثل مضادات الأكسدة عوامل حماية لها من الضرر الناتج عن الشوارد الحرة, بالإضافة إلى الألياف الغذائية و التي تحافظ على توازن فلورا الأمعاء وهو أحد مفاتيح المناعة الفعالة.
أما على الوجه الأخر فإن انتشار العديد من العادات الغذائية الغير صحية كـتجاوز الوجبات و الأكل السريع وعدم انتظام النوم فإنها تؤثر سلباً على التوازن المناعي هذا بالإضافة لعدد من الممارسات السيئة كالإفراط في تناول الأغذية المصنعة بما فيها من مواد مضافة و زيادة استهلاك الدهون المتحولة و كذلك السكر الأبيض مؤدية إلى التهابات مزمنة وتقليل كفاءة الاستجابة المناعية و بالتالي إضعاف قدرة الجسم على مقاومة الفيروسات والبكتيريا وحتى الخلايا السرطانية كما أن نقص التنوع الغذائي يؤدي إلى نقص العناصر الدقيقة المهمة لصحة الجسم المناعية هذا بالإضافة إلى الإهمال في شرب الماء فإنه يقلل من كفاءة طرد السموم مع التأثير على أداء الأجهزة الحيوية.
لقد كشفت جائحة كورونا كأحد تلك التحديات المعاصرة على سبيل المثال عن أهمية تقوية المناعة ليس فقط على المستوى الفردي، بل أيضاً في إطار الأمن الصحي القومي , ومع تغير المناخ وتزايد التلوث وإنتشار الأمراض المزمنة مثل السكري وإرتفاع ضغط الدم ، فإن الغذاء أصبح سلاحاً وقائياً أكثر من كونه مجرد مصدر للطاقة وفي ظل هذه التحديات يفرض مطلب التغيير للأهمية القصوى و أنه قد آن الأوان للإنتقال من نمط غذائي موجه نحو الإشباع الفوري إلى نمط غذائي يقوم على الوعي والإستدامة والصحة طويلة الأمد , و لتبدأ تقوية الجهاز المناعي من المائدة اليومية مع العدول عن العادات السلبية إذ أنه لم يعد ذلك خياراً فردياً بل أصبح ضرورة مجتمعية لضمان قدرة الأفراد على الصمود و البقاء في عالم لا يخلو من التحديات الصحية المتكررة .
من هنا يجب أن يتجه الأفراد والمجتمعات إلى غذاء واعٍ، يقوم على الجودة لا الكمية وعلى الوقاية لا الإجراءات العلاجية وعلى التوازن لا الإسراف، لضمان أمناً غذائياً ومجتمعياً أكثر إستدامة .
إن تعزيز المناعة و إستمراريتها لأمر يتأتى من إتباع ممارسات غذائية جيدة و متكررة تحمل في طياتها الأثر الإيجابى الصحى مثل :
1- تناول وجبات متوازنة غنية بالخضروات والفواكه الطازجة.
2- دمج البقول والحبوب الكاملة والمكسرات ضمن النظام الغذائي.
3- تقليل استهلاك السكريات والدهون الصناعية.
4- الاعتماد على الأغذية الطازجة والمحضّرة منزلياً كلما أمكن.
5- ممارسة النشاط البدني المنتظم والنوم الكافي.
6- الاهتمام بصحة الأمعاء من خلال تناول مصادر البروبيوتيك (مثل الزبادي الطبيعي) و التى تحتوى على العديد من الكائنات الحية الدقيقة المفيدة و كذلك مصادر البريبيوتيك من الخضروات و الفواكه و الألياف الغذائية.
إن تحقيق التنمية المستدامة يرتبط إرتباطاً وثيقاً بنظام غذائى متوازن و متميز لذا فعلى جميع الجهات المعنية توحيد الجهود و التكاتف فيما بينها و العمل على إتباع عادات غذائية إيجابية و قيم غذائية جديدة تضمن حياة صحية خالية من الأمراض, مع التأكيد على أن الغذاء أحد أهم العوامل التي تؤثر على صحة الإنسان، حيث يمكن أن يكون وسيلة قوية للوقاية من الأمراض وكما يُقال ” الوقاية خير من العلاج ” فإن إتباع نظام غذائي صحي يعزز المناعة و يقلل من الحاجة إلى الأدوية والعلاجات الطبية و بالتالى عدم إرهاق الأنظمة الصحية و توجيه الجهود نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى .