د. علاء عزوز يكتب : الفلاح المصري.. صانع الأمن الغذائي وعصب التنمية

9 سبتمبر، 2025 - بتوقيت 5:13 م
رئيس قطاع الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة
يأتي التاسع من سبتمبر كل عام ليحمل معه ذكرى عزيزة على وجدان المصريين وهي عيد الفلاح الذي لم يعد مجرد مناسبة سنوية للاحتفاء بالماضي بل أصبح محطة لتجديد العهد مع الحاضر والمستقبل. فهو عيد الاعتراف بفضل من زرع وحصد وبمن جعل من الأرض مصدرًا للحياة والكرامة والسيادة الوطنية. الفلاح المصري على مر العصور، لم يكن مجرد عامل في الحقل بل كان دومًا رمزًا للصمود والتضحية وحاميًا حقيقيًا للأمن الغذائي.
جذور تاريخية.. من الإصلاح الزراعي إلى العيش الكريم
يرتبط هذا العيد بذكرى صدور قانون الإصلاح الزراعي عام 1952 الذي فتح الباب أمام العدالة الاجتماعية ومنح الفلاحين حق امتلاك الأرض في تحول تاريخي غيّر وجه الريف المصري ووضع الأساس لنهضة اجتماعية واقتصادية ما زلنا نجني ثمارها حتى اليوم. ومنذ ذلك التاريخ أصبح عيد الفلاح رمزًا للتحرر والتمكين وذكرى تؤكد أن مصر لن تتقدم إلا بتقدم فلاحها وريفيها.
واليوم، تتواصل المسيرة من خلال مبادرة “حياة كريمة” التي مثلت نقلة نوعية في الريف المصري. فهي لم تقتصر على تطوير البنية التحتية من طرق وصرف صحي ومياه شرب وكهرباء بل امتدت إلى تحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير فرص عمل للشباب والنساء ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة ما جعل الريف المصري يعيش بالفعل ثورة تنموية متكاملة.
واصبحت مجمعات الخدمات الزراعية.. نقلة نوعية في خدمة الفلاح حيث حرصت مبادرة “حياة كريمة” على أن يكون الفلاح في قلب التنمية فجاء إنشاء مجمعات الخدمات الزراعية لتشكّل نقلة نوعية توفر كل ما يحتاجه المزارع في مكان واحد. هذه المجمعات تضم:
الجمعيات التعاونية الزراعية لتوفير مستلزمات الإنتاج
ومراكز الإرشاد الزراعي لنقل أحدث الأساليب والابتكارات إلى الحقول.
والوحدات البيطرية لرعاية الثروة الحيوانية وحمايتها.
ومراكز تجميع الألبان التي تعمل على رفع جودة الألبان ومنتجاتها وفقًا للمعايير والمواصفات.
وبفضل هذه المنظومة أصبح الفلاح يجد الدعم والخدمة داخل قريته ما وفر عليه الجهد والتكاليف وساهم في زيادة الإنتاج وتحسين الدخل وتعزيز استدامة التنمية الريفية.
المرأة الريفية.. شريك أصيل في التنمية
ولا يمكن الحديث عن الزراعة والفلاح دون التوقف أمام دور المرأة الريفية التي لم تكتفِ بالمشاركة في العمل الزراعي جنبًا إلى جنب مع الرجل بل حملت مسؤولية الأسرة وأسهمت في الصناعات الغذائية والحرف اليدوية، لتكون نموذجًا للعطاء المتواصل. المرأة الريفية هي أيقونة الصبر والإبداع وحلقة وصل بين الأرض والبيت والمجتمع.
المشروعات القومية.. زراعة من أجل المستقبل
تشهد مصر اليوم طفرة غير مسبوقة في المشروعات الزراعية القومية. من استصلاح الأراضي الجديدة في سيناء والدلتا الجديدة وتوشكى إلى تطوير نظم الري الحديثة والتوسع في الميكنة الزراعية، وإدخال التكنولوجيا الرقمية في إدارة الحقول. هذه المشروعات ليست مجرد خطوات إنتاجية بل هي استثمارات في المستقبل تهدف إلى تعظيم الاستفادة من كل قطرة مياه وكل فدان أرض وتعزيز قدرة مصر على مواجهة التغيرات المناخية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وتسعى الدولة من خلال هذه الجهود إلى التوسع في المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة وفول الصويا وعباد الشمس وتقليل الفجوة الغذائية وتعزيز تنافسية الصادرات المصرية في الأسواق العالمية. وفي قلب هذه الجهود يظل الفلاح المصري هو المنفذ الحقيقي والمشارك الفاعل في تحويل الخطط والسياسات إلى واقع ملموس.
البحث العلمي والشراكة الثلاثية
إن مستقبل الزراعة في مصر يعتمد على شراكة ثلاثية الأبعاد: الدولة بوضع السياسات والدعم والبحث العلمي بابتكار الحلول والتقنيات الحديثة، والفلاح بتنفيذ هذه الرؤى على أرض الواقع. هذه الشراكة تمثل الأساس لتحقيق الأمن الغذائي المستدام وتعزيز مكانة مصر كدولة محورية في المجال الزراعي إقليميًا ودوليًا.
الفلاح.. حارس الأرض وراعي السيادة
الفلاح المصري لم يكن يومًا مجرد مزارع للأرض بل كان دائمًا حارسها وحاميها. فالأمن الغذائي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي والقدرة على توفير الغذاء تعني القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات العالمية. لذلك فإن تكريم الفلاح اليوم هو تكريم لخط الدفاع الأول عن الوطن.
رسالة تقدير
وفي هذا اليوم نتوجه بتحية فخر واعتزاز لكل فلاح وفلاحة في ربوع مصر لكل يد تتصبب عرقًا لتزرع الحياة ولكل قلب ينبض بحب الأرض. أنتم صُنّاع الحاضر وأمل المستقبل وبجهودكم تُبنى نهضة مصر الزراعية وتتعزز مكانتها على الخريطة العالمية.