د. صبحي ميخائيل يكتب : المستحلبات والمثبتات.. سر القوام المتجانس والجودة العالية في صناعة الألبان

17 سبتمبر، 2025 - بتوقيت 9:40 ص

باحث بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية

 

 

 

تعتبر صناعة الألبان من أقدم وأهم الصناعات الغذائية في العالم، وقد شهدت تطورًا هائلاً بفضل التكنولوجيا والعلوم الغذائية. ومن بين المكونات التي لعبت دورًا حاسمًا في هذا التطور، تبرز المستحلبات والمثبتات. هذه المواد، التي قد لا يلاحظها المستهلك العادي، هي في الواقع السر وراء القوام المتجانس، الملمس الناعم، والجودة العالية للمنتجات اللبنية التي نستهلكها يوميًا، مثل الأجبان، الزبادي، الآيس كريم، والكريمة.

المستحلبات

لفهم دور المستحلبات، يجب أن نتذكر أن الحليب هو في الأساس مستحلب طبيعي يتكون من قطرات دهنية صغيرة مبعثرة في وسط مائي. لكن معالجة الحليب، خاصة في المنتجات التي تتطلب خلط الدهون مع الماء، يمكن أن تؤدي إلى انفصال المكونات. هنا يأتي دور المستحلبات.

المستحلبات هي جزيئات لها طرفان : طرف محب للماء ( قطبي) وطرف محب للدهون (غير قطبي). هذا التركيب الفريد يسمح لها بالعمل كـ “جسر” بين الماء والدهون.

عندما تضاف المستحلبات إلى خليط من الماء والدهون، فإنها تتمركز على السطح الفاصل بين القطرات الدهنية والوسط المائي. يلتصق الطرف المحب للدهون بقطرة الدهن، بينما يظل الطرف المحب للماء مواجهًا للوسط المائي. هذا يخلق طبقة واقية حول قطرات الدهن، تمنعها من الاندماج مع بعضها البعض والانفصال عن الماء.

في صناعة الألبان، تُستخدم المستحلبات بشكل واسع في منتجات مثل الآيس كريم والزبادي المخفوق والكريمة المخفوقة. على سبيل المثال، في الآيس كريم،

تساعد المستحلبات على:

● تحقيق قوام ناعم وكريمي ومنع تكون بلورات ثلجية كبيرة.

● تسهيل عملية الخفق وإدخال الهواء لزيادة الحجم.

● إبطاء ذوبان الآيس كريم والحفاظ على شكله.

من أشهر المستحلبات المستخدمة في صناعة الألبان

1. الليسيثين (Lecithin)، الذي غالبًا ما يُستخرج من فول الصويا أو صفار البيض. يستخدم في الجبن المطبوخ لضمان تجانس الخليط ومنع انفصال الدهن

2. أحادي وثنائي الجليسريد (Mono- and Diglycerides) هذه المستحلبات لا تؤثر على الطعم أو الرائحة، بل تعمل على تحسين جودة المنتج النهائي حيث تستخدم في الأيس كريم لتقليل حجم بلورات الثلج وإعطاء المنتج قوامًا ناعمًا.

.

المثبتات: )ضمان الثبات ومنع الانفصال)

1. إذا كانت المستحلبات هي المسئولة عن دمج المكونات، فإن المثبتات هي المسئولة عن الحفاظ على هذا الدمج ومنع الانفصال مع مرور الوقت. يمكن تعريف المثبتات بأنها عوامل تزيد من لزوجة الوسط المائي في المنتج. عندما يصبح الوسط المائي أكثر لزوجة، يصعب على قطرات الدهن أو الجزيئات الصلبة التحرك والاندماج مع بعضها البعض، مما يمنع الانفصال أو الترسيب والحصول على قوام ثابت وكريمي .

2. تستخدم المثبتات في المنتجات مثل الجبن المطبوخ (Processed Cheese)، حيث تمنع انفصال الدهن وتساعد على تحقيق قوام ناعم ومتماسك. كما أنها ضرورية في مشروبات الحليب المخفوقة لمنع ترسب المكونات الأخرى.

من أشهر المثبتات المستخدمة في صناعة الألبان:

1. ألجينات ((Alginates): مستخرجة من الطحالب البحرية، وتُستخدم لإضافة قوام كريمي.

2. صمغ الكاراجينان (Carrageenan ) مستخرج من الأعشاب البحرية : يُستخدم لمنع ترسب البروتينات في الحليب المخفوق ، يستخدم بشكل واسع في الحليب المنكه (مثل حليب الشوكولاتة) لمنع ترسب الكاكاو.

3. صمغ الزانثان (Xanthan Gum) : ينتج عن طريق التخمير، وهو من المثبتات القوية التي تستخدم في منتجات الألبان الخالية من الدسم لإعطائها شعورًا بالقوام الكريمي.

 

4. الجيلاتين (Gelatin) : بروتين مستخرج من مصادر حيوانية، يستخدم كمثبت في منتجات مثل الزبادي قليل الدسم والحلويات اللبنية لإعطائها قوامًا هلاميًا.

 

المستحلبات والمثبتات: تكامل وظيفي لتحقيق الجودة

في كثير من المنتجات الغذائية، لا تعمل المستحلبات والمثبتات بصورة منفصلة، بل تُظهر تفاعلاً تكامليًا يسهم في تحسين الخصائص النهائية للمنتج. فقد تمتلك بعض المستحلبات خصائص تثبيتية، كما يمكن للمثبتات أن تعزز من كفاءة عملية الاستحلاب. هذا التآزر الوظيفي يعد من العوامل الأساسية المميزة للمنتجات اللبنية ذات الجودة العالية.

عندما يتم استخدام المستحلبات والمثبتات معًا بشكل صحيح، يمكن للصناعة أن تحقق:

● قوام مثالي: سواء كان كريميًا في الآيس كريم، أو سميكًا ومتماسكًا في الزبادي، أو ناعمًا في الجبن المطبوخ .

● ثبات عالي : منع الانفصال أو الترسيب، مما يضمن أن المنتج يحافظ على جودته ومظهره طوال فترة صلاحيته.

● تحسين الطعم والملمس: عن طريق منع تكون الكتل أو البلورات، مما يجعل تجربة الاستهلاك أكثر إرضاءا .

في الختام، يمكن القول إن المستحلبات والمثبتات ليست مجرد إضافات، بل هي أدوات أساسية في صناعة الألبان الحديثة. لقد ساهمت بشكل كبير في تحسين جودة، وثبات، وتنوع المنتجات اللبنية. بفضل هذه المواد، أصبح من الممكن الاستمتاع بمنتجات ذات قوام متجانس، ملمس ناعم، وطعم رائع، مما يثبت أن العلم والتكنولوجيا يمكن أن يكونا شريكين أساسيين في تحقيق التميز في عالم الغذاء.