د.علياء هاشم تكتب : قراءة فى البصمة البيئية لصناعة اللحوم

7 ديسمبر، 2025 - بتوقيت 7:23 م

د/ علياء هاشم – باحث أول- مركز البحوث الزراعية – قسم بحوث تكنولوجيا اللحوم والأسماك – معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية

 

 

تعد صناعة اللحوم من أكبر القطاعات الغذائية في العالم، لكنها تشكل في الوقت نفسه أحد أبرز مصادر التأثير البيئي. فعمليات الإنتاج الحيواني تتطلب كميات ضخمة من المياه والأعلاف والطاقة، بالإضافة إلى ما يصاحبها من انبعاثات غازات دفيئة تؤثر في المناخ. ومع تزايد الطلب العالمي على اللحوم، أصبح من الضروري دراسة البصمة البيئية لهذا القطاع وإيجاد حلول مبتكرة للحد من آثاره السلبية.

يشير مصطلح البصمة البيئية إلى مجموع التأثيرات الناتجة عن إنتاج اللحوم عبر مراحلها المختلفة، بدءا من زراعة الأعلاف وحتى عمليات الذبح والتصنيع والتوزيع.

مكونات البصمة البيئية فى صناعة اللحوم

انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

تشير الدراسات الحديثة إلى أن إنتاج اللحوم يسهم بحوالي 14.5 % من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. وتنتج هذه الانبعاثات بشكل أساسي من الميثان الناتج عن عملية الهضم في الحيوانات المجترة ومن أكسيد النيتروس الناتج عن استخدام الأسمدة في إنتاج الأعلاف.

وتوضح تقديرات منشورة في مجلة Scientific American أن إنتاج لحم البقر يمكن أن يولد ما يقارب 67.6 رطل من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل رطل من اللحم، مما يجعله من أكثر المنتجات الغذائية تأثيرا على البيئة.

*أكسيد النيتروس يعد من غازات الاحتباس الحراري القوية، ويعتبر أحد أهم المكونات في البصمة البيئية لصناعة اللحوم والزراعة.

• قدرته على احتباس الحرارة تعادل تقريبًا 298 مرة تأثير ثاني أكسيد الكربون (CO₂) خلال 100 سنة.

• يسهم في تآكل طبقة الأوزون في الغلاف الجوي.

• يصدر أساسا من:

o مخلفات الحيوانات (الروث والبول)

o الأسمدة النيتروجينية المستخدمة في زراعة الأعلاف الحيوانية.

o التحلل الميكروبي للنيتروجين في التربة.

استهلاك المياه

تتطلب عملية إنتاج كيلو جرام واحد من لحوم الأبقار آلاف اللترات من المياه، وتشمل مياه الشرب للحيوان وري المحاصيل العلفية والتبريد أثناء التصنيع. هذا الاستهلاك المرتفع يشكل عبئا كبيرا على الموارد المائية، خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.

استخدام الأراضي وتدهور النظام البيئي

إنتاج الأعلاف ورعي المواشي يستحوذان على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن ما يقرب من 77 % من الأراضي الزراعية في العالم مخصصة بشكل مباشر أو غير مباشر لإنتاج اللحوم. هذا الاستخدام المكثف يؤدي إلى إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة في العديد من المناطق.

استهلاك الطاقة

تشمل سلسلة إنتاج اللحوم استخداما مكثفا للطاقة في مراحل الزراعة والنقل والتبريد والمعالجة. وتعتمد هذه العمليات في الغالب على مصادر الطاقة الأحفورية، مما يرفع من البصمة الكربونية للمنتجات الحيوانية.

مقارنات بين أنواع اللحوم

تختلف التأثيرات البيئية لأنواع اللحوم باختلاف نوع الحيوان وطريقة التربية. فإنتاج لحم البقر يعد الأعلى في البصمة البيئية نتيجة دورة النمو الطويلة والحاجة الكبيرة للأعلاف والمياه. بينما تمتاز لحوم الدواجن والمأكولات البحرية ببصمة أقل نسبيا. وتشير الدراسات إلى أن إنتاج كيلو جرام واحد من بروتين لحم البقر ينتج أكثر من 300 كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، في حين أن لحوم الدواجن تنتج أقل بكثير من ذلك.

الاتجاهات نحو الاستدامة

تحسين كفاءة الإنتاج

تسعى الأبحاث الحديثة إلى رفع كفاءة تحويل الأعلاف إلى لحوم، وتقليل انبعاثات الميثان من الحيوانات المجترة من خلال تعديل نوعية الأعلاف أو إضافة مركبات تقلل من إنتاج الميثان أثناء الهضم.

تعديل أنماط الاستهلاك

تشجع المنظمات البيئية العالمية على تقليل استهلاك اللحوم الحمراء واستبدالها بأنواع أقل تأثيرا أو ببدائل نباتية غنية بالبروتين. وتشير بعض الدراسات إلى أن التحول نحو نظام غذائي نباتي يمكن أن يخفض البصمة الكربونية للفرد بنسبة تصل إلى 50 %.

تطوير بدائل البروتين الحيواني

تتجه الصناعات الغذائية إلى إنتاج بدائل لحوم نباتية أو لحوم مزروعة مخبريا تقلل الاعتماد على التربية الحيوانية. وتعد هذه التقنيات من الحلول الواعدة للحد من انبعاثات الغازات وتوفير موارد المياه والطاقة.

إدارة المخلفات

تحويل مخلفات الإنتاج الحيواني إلى أسمدة عضوية أو طاقة حيوية يمكن أن يسهم في تقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة استخدام الموارد.

تحديات التنفيذ

• ارتفاع تكلفة التقنيات المستدامة الحديثة يشكل عائقا أمام تطبيقها على نطاق واسع.

• محدودية الوعي البيئي لدى المستهلكين تؤخر تبني أنماط غذائية أقل ضررا بالبيئة.

• نقص البيانات الدقيقة يجعل من الصعب حساب البصمة البيئية بدقة عبر مراحل سلسلة الإنتاج.

• بعض ممارسات الاستدامة قد تؤدي إلى آثار جانبية مثل تقليل الإنتاجية مما يزيد الحاجة إلى التوسع في الأراضي الزراعية.

الخاتمة

تمثل البصمة البيئية لصناعة اللحوم تحديا محوريا أمام تحقيق استدامة النظام الغذائي العالمي. ومن خلال تبني تقنيات إنتاج نظيفة، وتحسين كفاءة الموارد، وتغيير سلوك المستهلكين، يمكن تقليل هذه البصمة تدريجيا. كما أن تطوير بدائل بروتينية مستدامة يمثل خطوة ضرورية لتحقيق التوازن بين الأمن الغذائي وحماية البيئة.