د.فوزي ابو دنيا يكتب: التغلب على هشاشة الموقف العلفي لضمان استدامة الثروة الحيوانية

9 ديسمبر، 2025 - بتوقيت 7:28 م
د. فوزي محمد أبو دنيا – مدير معهد بحوث الإنتاج الحيواني سابقا
تُعد الأعلاف حجر الزاوية في صناعة الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، حيث تمثل ما يقرب من 60% من تكلفة الإنتاج الكلية. ورغم الجهود المبذولة لتحسين وزيادة الإنتاجية في مصر (حيث تحقق اكتفاءً ذاتيًا في بيض المائدة وتقترب من الاكتفاء في الدواجن والألبان الطازجة، وتصل نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم إلى حوالي 60%)، فإن الاعتماد الكبير على الاستيراد في مكونات الأعلاف يمثل نقطة ضعف رئيسية وهشاشة تهدد استدامة القطاع.
في الواقع ترتبط الهشاشة بشكل أساسي بالفجوة العلفية الهائلة في مكونات الأعلاف المركزة ويرجع ذلك لمجموعة من العوامل المتمثلة في:
الاعتماد على استيراد خامات الأعلاف الرئيسية خاصة الذرة والصويا: حيث تصل نسبة استيراد الذرة الصفراء، حوالي 10-12 مليون طن سنويًا وهذا يمثل حوالي 50% من الاحتياج بما يعنى أن الاكتفاء الذاتي يمثل فقط 50%. أما بالنسبة لمحصول فول الصويا فإننا نستورد حوالي 6 مليون طن سنويًا، وهذا يمثل حوالي 95% من الاحتياج بما يعنى أن الاكتفاء الذاتي يمثل 5% فقط لا غير. وبهذا نجد أن إجمالي الأعلاف المستوردة فإنها تمثل حوالي 80% من المدخلات وهذا يبين مدى النقص الكبير في المكونات البروتينية والطاقة
التحديات التي تواجه الاستفادة من الموارد الطبيعية المحلية: هناك نقص في المساحات المزروعة بالمحاصيل العلفية الرئيسية مثل الذرة الصفراء وفول الصويا. نسبة الاكتفاء الذاتي من الذرة لا تتعدى 50%، ومن الصويا لا تزيد عن 5%. ويرجع ذلك الى مجموعة من العوامل المتشابكة منها المنافسة القوية للمحاصيل المختلفة في الخريطة المحصولية على وحدة المساحة، وندرة المياه التي باتت تؤرق العاملين في المجال الزراعي، تفتت الملكية الزراعية وجملة أخرى عديدة من العوامل المتشابكة.
ارتفاع تكاليف المدخلات وارتباطها بسعر الصرف والسوق العالمي: ترتبط أسعار المكونات المستوردة ارتباطًا مباشرًا بسعر الصرف (الدولار)، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في تكلفة الإنتاج على صغار المربين، والذين يمتلكون نحو 70% من الثروة الحيوانية.
التحديات اللوجستية العالمية: حيث تتأثر سلاسل الإمداد والتوريد العالمية (بسبب الأزمات كجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية) بانقطاعات تؤدي لزيادة الأسعار وصعوبة توفير الخامات.
وبهذا تكون النتيجة أن هذه الفجوة في نقص كميات الأعلاف المعروضة وارتفاع أسعارها بشكل كبير، مما يؤثر سلبًا على صغار المربين وبالتالي يهدد استدامة القطاع.
أثر التصنيع على هشاشة الموقف العلفي
في الواقع إن النظام التقليدي لتصنيع الأعلاف في مصر يعد أحد الأسباب القوية في هشاشة الموقف العلفي والأمن العلفي. في مصر توجد العديد من مصانع الأعلاف المرخصة والمستثمرة بمليارات الجنيهات، وتعمل على إنتاج علائق متخصصة للماشية والدواجن والأسماك (مثل علائق “بادي، نامي، ناهي” للدواجن)، إنتاج هذه المصانع يوجه مباشرة الى صغار ومتوسطي المربيين في مجال الثروة الحيوانية أما كبار المربيين والمزارع الكبيرة المتخصصة فإنها تنتج أعلافها بنفسها وبأسعار تتناسب مع استثماراتها وهذه المزارع تمثل من 20 الى 30% من الثروة الحيوانية في مصر، أما الجانب الأعظم وهو المربيين في القطاع الريفي والذى يمثل الأغلبية فان هذه الأعلاف تصل إليه بقيمة سعرية مرتفعة مما يؤثر على العوائد والاستدامة في مشاريع الثروة الحيوانية عند هذا القطاع العريض مما يجعله ينسحب من السوق تحت وطاءة التغيرات الحادة في أسعار الأعلاف وتذبذبها. يحدث هذا على الرغم من تسجيل مخاليط الأعلاف وإضافاتها ومركزاتها في جهات رسمية مثل المركز الإقليمي للأغذية والأعلاف لضمان الجودة والمواصفات القياسية. كما تُمنح تراخيص التصنيع والتشغيل من قطاع الإنتاج الحيواني، وتتم الرقابة على المدخلات والمخرجات (المنتج النهائي) لضمان مطابقتها. إلا أن كل هذا يدار بشكل خاطئ مما يعقد الآزمة ولا يساعد على حلها.
تأثير سلاسل الإمداد والتوريد على هشاشة الموقف العلفي
هناك مجموعة متعددة ومتداخلة في سلاسل الإمداد والتوريد تؤثر بالسلب على الموقف العلفي وتضعه في موضع هشاشة منها:
المدخلات الأجنبية: حيث تعتمد السلسلة على الاستيراد في المكونات الأساسية (الذرة والصويا)، مما يجعلها حساسة للصدمات العالمية وتغيرات أسعار الشحن وأسعار الصرف.
المدخلات المحلية: لا توجد آليات واضحة وصالحة لتجميع خامات المحاصيل العلفية المركزة أو التعامل مع المتبقيات الزراعية عند المزارعين أوفى المصانع مثل مصانع السكر وتوجيهها لتصنيع الأعلاف منها بالشكل المناسب.
التوزيع: يتم توزيع الأعلاف المصنعة محليًا على تجار تمثل حلقات وسطية ترفع من أسعار العلف بما لا يتناسب مع صغار المربين والمزارع، ولا توجد منظومة قومية تمنع الاحتكار أو التلاعب بالأسعار أو الغش التجاري رغم كل الجهود التي تتم من جهة الدولة، وعلى الرغم من أن هناك تركيز على تطوير البنية التحتية اللوجستية وتكنولوجيا إدارة سلاسل الإمداد الزراعية لتكون أكثر مرونة وتحملاً للصدمات.
وفى نهاية المطاف يمكن القول بان هشاشة الاكتفاء العلفي في مصر تتركز على الفجوة البروتينية والطاقة الناتجة عن الاعتماد الكبير على الاستيراد، وتتطلب معالجة هذه الهشاشة زيادة المساحات المزروعة بالصويا والذرة، وتعظيم الاستفادة من البدائل العلفية غير التقليدية، إلى جانب تحسين إدارة سلاسل الإمداد والتوريد ودعم الاستثمار غير التقليدي في تصنيع الأعلاف محليًا.



