د. مها ابراهيم تكتب : “المرامية”.. العشبة الخضراء متعددة الاستخدامات التى تجمع بين النكهة والفوائد الصحية

11 ديسمبر، 2025 - بتوقيت 3:33 م
د. مها إبراهيم كمال علي – مركز البحوث الزراعية– معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – بقسم الأغذية الخاصة والتغذية
تعد المرامية (Salvia officinalis L.) من النباتات الطبية العريقة التي تنتمي إلى الفصيلة (Lamiaceae)، وهي واحدة من أكثر أنواع جنس Salvia شهرة واستخدامًا حول العالم. عرفها الإنسان منذ آلاف السنين،ينتمي جنس المرمرية (Salvia L.) إلى تحت فصيلة Nepetoideae من الفصيلة (Lamiaceae)، ويضم أكثر من 900 نوع منتشر في مناطق العالم القديم والجديد. وتُعد منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وجنوب غرب آسيا، وجنوب أفريقيا، والأمريكيتين من أهم مراكز التنوع والتطور لهذا الجنس. تنتشر أنواع المرامية في العديد من الدول مثل كرواتيا، دول البلقان، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، المملكة المتحدة، تركيا، المغرب، اليونان، جنوب أفريقيا، الولايات المتحدة، أمريكا الوسطى والجنوبية، الهند، وجنوب شرق آسيا. ويوجد في الدول الأوروبية وحدها حوالي 36 نوعًا من جنس Salvia.
وأصبحت هذه العشبة محل إهتمام و تقدير منذ العصور القديمة، إذ استخدمها المصريون القدماء لأغراض طبية. ويُشتق اسمها من الكلمة اللاتينية salvare ، والتي تعني “الشفاء”، وهو ما يعكس الاستخدامات العلاجية المتعددة لها عبر التاريخ، بدءًا من علاج التهابات الفم وصولًا إلى اضطرابات الجهاز الهضمي.
التركيب الكيميائي للمرامية (Salvia officinalis L.)
المرامية هي نبات غني بالمركبات الكيميائية النشطة، مما يفسر تنوع خصائصها الصحية والغذائية. تحتوي أوراقها وجذورها على مزيج متكامل من المركبات النباتية الثانوية، بما في ذلك:
1. المركبات الطيارة والزيوت الأساسية (Essential Oils):
o أبرزها الثوجون α وβ، الكافور (Camphor)، 1,8-cineole، واليالول (Linalool).
o تساهم هذه المركبات في النكهة القوية للمريمية، كما تمنحها خصائص مضادة للبكتيريا والفطريات ومضادة للأكسدة.
2. الأحماض الفينولية والفلافونويدات (Phenolic Compounds & Flavonoids):
o حمض الروزماريك (Rosmarinic Acid)، حمض الكافئيك (Caffeic Acid)
o فلافونويدات مثل Apigenin، Luteolin، وQuercetin.
o تلعب هذه المركبات دورًا أساسيًا في مكافحة الشوارد الحرة وتقليل الالتهابات، كما تحمي الخلايا من الأكسدة الضارة.
3. الديتربين الفينولية (Phenolic Diterpenes):
o Carnosic Acid وCarnosol، وهي مركبات قوية مضادة للأكسدة، وتساهم في الخصائص المضادة للسرطان والمضادة للميكروبات للمريمية.
4. البروتينات والدهون والألياف (Macronutrients):
o بروتين بنسبة 4.6–16.2%، دهون 6.2–12.6%، وألياف 5.8% تقريبًا. كما تتميز باحتوائها على زيوت غنية بالأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة (PUFA) مثل حمض اللينوليك (Linoleic acid) وحمض α-اللينولينيك (α-Linolenic acid).
o تسهم في القيمة الغذائية للنبات عند إضافته إلى الأطعمة والمكملات الغذائية.
5. المعادن الأساسية (Minerals):
o البوتاسيوم 726: (K)مليجرام /100 جرام.
o الكالسيوم 286: (Ca) مليجرام /100 جرام.
o الحديد 10.6 :(Fe) مليجرام /100 جرام.
o بالإضافة إلى الزنك (Zn) ، النحاس (Cu) ، والمنجنيز (Mn)، وهي عناصر حيوية لصحة الجسم والميتابوليزم .
6. مركبات آخرى :
o تحتوي المرامية على كميات جيدة من β-carotene وبعض السكريات، والكربوهيدرات، والرماد.
بهذا التركيب الكيميائي المتنوع، تجمع المرامية بين الخصائص العلاجية، الغذائية، وحفظ الطعام، مما يجعلها مكونًا مثاليًا للأغذية الوظيفية والمستحضرات الطبية والعطرية.
الفوائد الصحية للمرامية
1- مكافحة الأمراض المزمنة
• مضادات الأكسدة في المرامية تساعد في تقليل الإجهاد التأكسدي، ما يحمي من أمراض القلب، السكري، وبعض أنواع السرطان.
• تحسن وظائف المخ والذاكرة بفضل تأثيرها الإيجابي على الخلايا العصبية. أشارت العديد من الدراسات الحديثة أن المرامية تلعب دورًا بارزًا في دعم القدرات الإدراكية وحماية المخ من الاضطرابات العصبية، وعلى رأسها داء الزهايمر. فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن المرامية تمتلك تأثيرًا مُحسِّنًا للوظائف المعرفية، مما يجعلها عاملاً واعدًا في تعزيز أداء المخ. ويعود ذلك إلى قدرتها على تحفيز الوظائف العصبية. وتُشير الأدلة العلمية فى هذا الصدد إلى أن المرامية قد تسهم في تحسين الذاكرة، وتسريع الاستجابات الحسية، وإبطاء تطور التدهور الإدراكي المرتبط بالتقدم في العمر، مما يجعلها نباتًا ذا قيمة وقائيّة وعلاجية في دعم صحة المخ.
2- تأثير مضاد للالتهابات
• المرامية تثبط إنزيمات ومواد التهابية، مما يساهم في علاج الالتهابات المزمنة، التهاب المفاصل، ومشاكل الجهاز الهضمي.
3- دعم الجهاز الهضمي
• تساعد في تخفيف عسر الهضم، تقلصات المعدة، والغازات.
• تعمل كمطهر للمعدة وتساعد على توازن البكتيريا المفيدة.
4- دعم صحة الفم والأسنان
• تستخدم كغسول للفم لعلاج التهابات اللثة، تقرحات الفم، والتهاب الحلق بفضل خصائصها المضادة للميكروبات.
5- تأثير مهدئ ومسكن
• الزيت الطيار للمرامية له خصائص مهدئة للجهاز العصبي، ويقلل من التوتر العضلي والإجهاد النفسي.
6- دعم الجلد والعظام
• مستخلص المرامية يساهم في تسريع شفاء الجروح، التئام العضلات، وتقوية العظام بفضل محتواه الغني بالمركبات النشطة.
• تنظيم التمثيل الغذائي: تساعد في ضبط مستويات السكر والكوليسترول في الدم.
التطبيقات الغذائية للمرامية
1- الحفظ الطبيعي للأغذية
تمتلك المرامية خصائص قوية مضادة للأكسدة والمضادة للميكروبات، تجعلها بديلًا طبيعيًا للمواد الحافظة الكيميائية، وتساعد في إطالة مدة صلاحية المنتجات الغذائية:
• اللحوم والدواجن: مستخلص وزيت المرامية الطيار يحد من نمو البكتيريا مثل Listeria monocytogenes وSalmonella spp، ويؤخر أكسدة الدهون، مع الحفاظ على اللون والنكهة الأصلية للمنتج.
• منتجات الأسماك: إضافة مسحوق المرامية إلى برجر السلمون أو الأسماك المدخنة يبطئ عمليات الأكسدة ويحافظ على القيمة الغذائية ويطيل فترة الصلاحية.
• الألبان ومنتجاتها: عند دمج المرامية في الزبادي أو اللبنة، تعمل كمضاد أكسدة طبيعي، وتحسن الملمس والطعم، مع الحفاظ على القيم الكيميائية والفيزيائية للمنتج.
2- تعزيز القيمة الوظيفية للأغذية
• مضادات الأكسدة الطبيعية: أوراق المرامية غنية بـحمض الروزماريك والفلافونويدات، التي تعزز الصحة من خلال مكافحة الإجهاد التأكسدي، دعم الذاكرة، وتحسين الهضم.
• الأغذية الخالية من المواد الكيميائية: تستخدم المرامية كبديل آمن وفعال للمواد الحافظة الصناعية، بما يقلل من المخاطر الصحية ويزيد من ثقة المستهلك.
3- تحسين الطعم والرائحة
المرامية تضيف نكهة عطرية غنية ومتوازنة إلى مجموعة واسعة من الأطعمة، بما في ذلك:
• اللحوم المشوية والمطهية.
• الحساء و الصلصات والزيوت المنكهة
مما يجعلها مكونًا محوريًا في المطبخ التقليدي والحديث على حد سواء.
4- التطبيقات الحديثة في صناعة الأغذية
• المكملات الغذائية والأغذية الوظيفية: مستخلص المرامية يُستخدم في تحضير كبسولات الشاي، الأغذية المدعمة بالبوليفينولات، والمستحضرات الغذائية الطبية.
• التغليف النشط هو أسلوب حديث يستخدم مكونات فعالة مثل مضادات الأكسدة والمضادات الميكروبية وامتصاص الرطوبة والأشعة فوق البنفسجية لتمديد صلاحية الطعام. أظهرت الدراسات أن المركبات الفينولية الطبيعية في المرمرية يمكن أن تعزز من النشاط المضاد للأكسدة للأغشية الصالحة للأكل، مما يساعد على حماية اللحوم مثل قطع اللحم المطبوخ أثناء التخزين البارد.
• المرامية كبديل لمركبات النتريت في النقانق . يُستخدم النتريت عادة كمادة حافظة لتحسين لون ونكهة النقانق الجافة المخمرة (DFS)، لكن تفاعله مع الأمينات الثانوية يؤدي إلى تكوين النتروزامينات المسرطنة. أظهرت الدراسات أن إضافة زيت المرمرية كبديل طبيعي للنتريت لا تؤثر سلبًا على الرقم الهيدروجيني أو اللون أو القوام، كما تقلل من مستويات TBARS (<0.3 mg MDA/kg) وتحافظ على النكهة الحسية للنقانق.
• المرامية في حفظ اللحم المفروم والبرجر. فقد أظهرت الدراسات أن المستخلصات من المرمرية تقلل من أكسدة الدهون والبروتين في منتجات اللحوم. وتساعد على الحفاظ على اللون والنكهة . كما أن إضافة المرمرية بنسبة 0.1% إلى 0.15% تقلل من تدهور القوام أثناء التخزين البارد دون التأثير سلبًا على الخصائص الحسية.
وفى النهاية المرامية (Salvia officinalis L.) ليست مجرد نبات عطري يُضفي نكهة مميزة على الأطعمة، بل هي كنز حقيقي من المركبات النشطة بيولوجيًا التي تمنحها خصائص علاجية وغذائية استثنائية. تركيبتها الكيميائية الغنية بالزيوت الطيارة، الأحماض الفينولية، الفلافونويدات، والديتربين الفينولية، إضافة إلى البروتينات والمعادن الأساسية، تجعلها مكونًا مثاليًا للأغذية الوظيفية، المستحضرات الطبية، ومنتجات التجميل والعطور . تُظهر الدراسات أن المريمية لا تعزز فقط الطعم والرائحة، بل تساهم أيضًا في حماية الصحة من الأمراض المزمنة، تحسين الوظائف العصبية، دعم الجهاز الهضمي، ومقاومة الأكسدة والميكروبات. لذلك، فإن دمج المريمية في النظام الغذائي أو المنتجات الغذائية لا يمنح فقط قيمة غذائية إضافية، بل يفتح آفاقًا واسعة لاستخدامها كمكون طبيعي متعدد الفوائد، يجمع بين النكهة والفائدة الصحية في آن واحد.



