د.عاطف عشيبة يكتب: القيمة الغذائية والصحية للجمبري وصناعة الجمبري المعلب

31 ديسمبر، 2025 - بتوقيت 10:35 ص

د/ عاطف سعد عشيبة – وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية

 

 

يعد الجمبري من أكثر المأكولات البحرية انتشارًا على مستوى العالم، لما يتميز به من مذاق شهي وقيمة غذائية مرتفعة تجعله من الأغذية الصحية الموصى بها لمختلف الفئات العمرية. ويحتوي الجمبري على مجموعة متكاملة من العناصر الغذائية الأساسية، في مقدمتها البروتينات عالية الجودة، والفيتامينات، والمعادن الضرورية، إلى جانب انخفاض محتواه من الدهون المشبعة والسعرات الحرارية، مما يساهم في تعزيز الصحة العامة ودعم جهاز المناعة. ومع تطور الصناعات الغذائية، برز الجمبري المعلب كأحد المنتجات البحرية عالية الجودة التي تتيح الاستفادة من هذه القيمة الغذائية على مدار العام، حيث تعتمد عملية التعليب على مراحل صناعية دقيقة تهدف إلى الحفاظ على البروتينات والفيتامينات والمعادن، ومنع فساد المنتج ونمو البكتيريا الضارة، بما يضمن سلامة الغذاء وجودته مع الاحتفاظ بمذاقه وقيمته الغذائية لفترات طويلة.

أنواع الجمبري المستخدمة في التعليب

الجمبري الأبيض : يعد من أكثر الأنواع استخدامًا في صناعة التعليب نظرًا لقوامه الطري ولونه الفاتح ومذاقه المعتدل. يتميز بقدرته العالية على الاحتفاظ بشكله ونكهته بعد عمليات الطهي والتعقيم الحراري، مما يجعله مناسبًا للتعليب في المحلول الملحى أو الزيت. كما يفضله المستهلكون لاستخدامه في السلطات والأطباق الباردة.

الجمبري الوردي: يتميز بلونه الجذاب الذي يزداد وضوحًا بعد الطهي والتعليب، إضافة إلى مذاقه الغني وقوامه المتماسك نسبيًا. ويعد غنيًا بالمعادن مثل الزنك والسيلينيوم، مما يزيد من قيمته الغذائية. ويستخدم هذا النوع بكثرة في التعليب التجاري نظرًا لجودته العالية وثبات لونه أثناء التخزين.

الجمبري البني: يتمتع الجمبري البني بنكهة قوية ومميزة مقارنة ببعض الأنواع الأخرى، ويحتوي على نسبة جيدة من البروتينات والمعادن. ويستخدم في التعليب خاصة في المنتجات التي تعتمد على التوابل أو الصلصات، حيث تتكامل نكهته القوية مع الإضافات المختلفة دون أن تتأثر جودة المنتج.

الجمبري العملاق (الجامبو): يعد الجمبري العملاق من الأنواع المفضلة في التعليب الفاخر نظرًا لحجمه الكبير ومظهره الجذاب داخل العبوات. ويتميز بقوام متماسك يتحمل عمليات الطهي والتعقيم دون فقد كبير في الجودة. وغالبًا ما يستخدم في التعليب بالزيت أو في الصلصات الخاصة.

الجمبري الصغير: يستخدم في بعض أنواع التعليب الاقتصادي، خاصة في المنتجات المفرومة أو المضافة إلى الأرز والشوربات. ويتميز بسهولة معالجته وسرعة طهيه، مع احتفاظه بالقيمة الغذائية الأساسية للجمبري، مما يجعله خيارًا مناسبًا للصناعات الغذائية المتنوعة.

القيمة الغذائية و الصحية للجمبرى 

البروتينات : يعد الجمبري من المصادر الغنية بالبروتين الحيواني عالي الجودة، حيث يشكل البروتين أكثر من 20% من وزنه. ويتميز هذا البروتين بسهولة هضمه واحتوائه على الأحماض الأمينية الأساسية اللازمة لبناء العضلات وتجديد أنسجة الجسم ودعم النمو. كما يساهم في تعزيز الشعور بالشبع، مما يساعد على التحكم في الوزن والمحافظة على الكتلة العضلية، خاصة لدى الرياضيين وكبار السن.

الدهون المشبعة والدهون الصحية : يتميز الجمبري بانخفاض محتواه من الدهون المشبعة مقارنة بالعديد من المصادر الحيوانية الأخرى، مما يجعله أقل تأثيرًا على رفع الكوليسترول الضار في الدم. وفي المقابل، يحتوي على دهون صحية مفيدة، أهمها الأحماض الدهنية أوميجا-3، التي تساهم في دعم صحة القلب والأوعية الدموية، وتقليل الالتهابات، وتحسين توازن الدهون في الدم.

الفيتامينات : يحتوي الجمبري على مجموعة من الفيتامينات الضرورية لوظائف الجسم الحيوية، وعلى رأسها فيتامين B12 الذي يلعب دورًا أساسيًا في دعم الجهاز العصبي وتحسين وظائف المخ والذاكرة، بالإضافة إلى مساهمته في تكوين خلايا الدم الحمراء والوقاية من فقر الدم. كما يضم فيتامين E الذي يعمل كمضاد قوي للأكسدة، ويساعد على حماية خلايا الجسم من التلف ودعم صحة الجلد والمناعة.

المعادن: تناول الجمبري يمد الجسم بعدد من المعادن المهمة، مثل الزنك الذي يعزز جهاز المناعة ويساعد في التئام الجروح، واليود الضروري لتنظيم عمل الغدة الدرقية، والسيلينيوم الذي يعمل كمضاد للأكسدة ويحمي الخلايا من التلف. كما يحتوي على الحديد اللازم لتكوين الهيموجلوبين والوقاية من فقر الدم، والفوسفور الذي يساهم في تقوية العظام والأسنان والحفاظ على صحة الهيكل العظمي.

الكوليسترول في الجمبري : يحتوي الجمبري على نسبة مرتفعة نسبيًا من الكوليسترول مقارنة ببعض أنواع الأسماك الأخرى، حيث قد تصل كمية الكوليسترول في 100 جرام من الجمبري المطبوخ إلى حوالي 150–200 ملجم. وعلى الرغم من ذلك، فإن محتواه من الدهون المشبعة منخفض، وهو ما يقلل من تأثيره السلبي المحتمل على مستوى الكوليسترول الضار (LDL) في الدم. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن تناول الجمبري باعتدال لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، بل على العكس، فإن احتواءه على أحماض أوميجا-3 الدهنية يساعد على رفع مستوى الكوليسترول الجيد (HDL) ودعم صحة القلب والأوعية الدموية.

و بصفة عامة ينصح بتناول الجمبري باعتدال، خاصة للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الكوليسترول أو أمراض القلب، مع دمجه ضمن نظام غذائي متوازن غني بالخضروات، الفواكه، والحبوب الكاملة لتعظيم فوائده الصحية وتقليل أي مخاطر محتملة.

السعرات الحرارية والتحكم في الوزن: يعد الجمبري من الأغذية منخفضة السعرات الحرارية مقارنة بقيمته الغذائية المرتفعة، مما يجعله خيارًا مناسبًا للأشخاص الراغبين في إنقاص الوزن أو الحفاظ عليه. كما أن ارتفاع نسبة البروتين يساعد على الإحساس بالشبع لفترة أطول دون زيادة في السعرات الحرارية.

التأثير الصحي العام 

بفضل تركيبه الغذائي المتكامل، يساهم تناول الجمبري بانتظام وباعتدال في دعم صحة القلب والأوعية الدموية، تحسين وظائف المخ والذاكرة، تقوية العظام والأسنان، تعزيز جهاز المناعة، والوقاية من فقر الدم، مما يجعله غذاءً صحيًا متوازنًا يمكن إدراجه ضمن النظام الغذائي اليومي لمختلف الفئات العمرية.

خطوات تعليب الجمبرى 

الفرز والتنظيف

تبدأ العملية باختيار الجمبري الطازج عالي الجودة، حيث يتم فرزه حسب الحجم والنوع لضمان تجانس المنتج في العلب. بعد ذلك، يغسل الجمبري جيدًا لإزالة الأتربة والشوائب، وتزال القشور والأمعاء حسب الحاجة، مع الحفاظ على شكل الجمبري الكامل قدر الإمكان لضمان مظهر جذاب في التعليب.

الطهي الجزئي أو السلق المبدائى

قبل عملية التعليب، يخضع الجمبري لمرحلة الطهي الجزئي أو السلق المبدئي، حيث يسلق لفترة قصيرة في محلول ملحي خفيف تحت ظروف حرارية دقيقة ومتحكم فيها. وتجرى هذه المرحلة عادة عند درجة حرارة تتراوح بين 90 – 100 درجة مئوية ، بهدف القضاء على البكتيريا والميكروبات السطحية، وتثبيت اللون الطبيعي للجمبري، والحفاظ على نكهته المميزة، مع تهيئته لمرحلة التعليب التالية دون حدوث فقد ملحوظ في قيمته الغذائية. وتختلف مدة السلق وفقًا لحجم الجمبري، حيث تتراوح غالبًا بين 2 – 5 دقائق؛ إذ يسلق الجمبري الصغير لمدة 2–3 دقائق، والمتوسط لمدة 3–4 دقائق، بينما يحتاج الجمبري الكبير (الجامبو) إلى 4–5 دقائق، وذلك لضمان الحفاظ على قوامه الطري وجودته الحسية وعدم تعرضه للتصلب أو التلف الحراري.

التعبئة والتعليب

بعد الجزئي الجزئي، يوضع الجمبري في علب معدنية أو زجاجية مع محلول حفظ مناسب، والذي غالبًا ما يكون محلول ملحى، أو مع توابل طبيعية لتحسين النكهة. تملأ العلب بشكل محكم لتقليل وجود الهواء، ما يقلل من فرص نمو البكتيريا ويطيل عمر المنتج.

التعقيم الحراري

تعد مرحلة التعقيم الحراري من أهم مراحل صناعة الجمبري المعلب لضمان سلامة المنتج والحفاظ على قيمته الغذائية. بعد إغلاق العلب بإحكام، توضع في أجهزة التعقيم (Autoclave) أو أجهزة التعقيم الحراري المباشر (Boiling Water/Retort) عند درجات حرارة ومدة محددة حسب حجم العلبة ونوع الجمبري. ويهدف التعقيم إلى قتل جميع الميكروبات والفطريات، بما في ذلك البكتيريا المقاومة للحرارة مثل Clostridium botulinum، مع الحفاظ على البروتينات والفيتامينات والمعادن. في التعقيم التقليدي باستخدام أجهزة الضغط، تتراوح درجة الحرارة عادة بين 115 و121 درجة مئوية، وتستمر العملية من 20 إلى 30 دقيقة للعلب الصغيرة والمتوسطة، بينما قد تحتاج العلب الكبيرة إلى 30–40 دقيقة لضمان وصول الحرارة إلى مركزها. أما التعقيم الحراري المباشر، فيجرى عند 100–105 درجة مئوية لمدة تتراوح بين 30 و60 دقيقة حسب حجم العلبة ومحتوى الجمبري.

التبريد والتخزين

بعد انتهاء عملية التعقيم، تترك علب الجمبري لتبرد تدريجيًا قبل تخزينها. يُخزن الجمبري المعلب في أماكن جافة وباردة بعيدًا عن الرطوبة والضوء المباشر، مما يضمن الحفاظ على جودته وقيمته الغذائية العالية. يتيح هذا النوع من التخزين الاحتفاظ بصلاحية المنتج لفترات طويلة دون الحاجة إلى تبريد مستمر، مع الحفاظ على قوام الجمبري الطري، لونه الطبيعي، ونكهته المميزة، مما يجعل المنتج آمناً وجاهزاً للاستهلاك في أي وقت.