٣ آلاف حالة سنويا…الشباب المصري يفضل الانتحار لهذه الأسباب

16 يونيو، 2020 - بتوقيت 12:16 م

 

حذر علماء دين وخبراء نقس واجتماع من تزايد ظاهرة الانتحار فى مصر خلال الشهور الماضية وقالوا ان حالات الانتحار ترجع فى أغلبها إلى أسباب اقتصادية وأمراض نفسية .
وطالب الخبراء بضرورة رصد الظاهرة والتعرف على أسبابها ومعالجتها مؤكدين ان مصر كمجتمع عربى واسلامى لا يقر مثل هذا السلوك الشاذ والغريب والمرفوض دينيا .
كانت منطقة أوسيم بمحافظة الجيزة، قد شهدات اقدام شاب على الانتحار داخل منزله، عقب اكتشافه اصابته بفيروس كورونا كما انتحر شاب فى العقد الثالث من عمره، أول أمس السبت شنقًا داخل شقته بالمحلة الكبرى، وبعد انتقال رجال البحث الجنائى إلى موقع الحادث، تبيّن من خلال المعاينة الأولية أنَّ الشاب استخدم حبل غسيل للتخلص من حياته بسبب مروره بأزمة نفسية وفي نفس اليوم أثار انتحار الناشطة سارة حجازي نوعا من التعاطف معها على مواقع التواصل الاجتماعى .
يشار الى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد كشفت أن مصر  تفوقت على الدول العربية التي تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية حيث شهدت 3799 حالة انتحار في عام 2016، وتجاوز عدد الرجال المنتحرين أعداد النساء المنتحرات (3095 مقابل 704).
ورصدت المؤسسة العربية لحقوق الإنسان 53 حالة انتحار،  في شهر يوليو الماضي كما رصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات فى الفترة من يناير إلى أغسطس 2018، أكثر من 150 حالة انتحار أغلبها لشباب في الفئة العمرية بين 20 و 35 عاماً، وأكدت التنسيقية أن مصر تشهد 3000 محاولة انتحار سنويا، وأن الرجل هو صاحب العدد الأكبر في حالات الانتحار.
وكشفت دراسة لـ“المعهد المصري للدراسات”، أن أحدث إحصاءات منظمة الصحة العالمية تؤكد أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، مشيرة الى أنه اذا كان عدد سكان مصر يبلغ 100 مليون نسمة، فهناك قرابة 88 ألف شخص ينتحرون كل عام.

دار الإفتاء

من جانبها أكدت دار الإفتاء المصرية، أن ‏الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع.
وقالت الدار في بيان لها، أن المنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم، محذرة من محاولات البعض إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر .
وطالبت بضرورة التعامل مع الانتحار على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين.

جريمة نكراء

وأكد الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه بكلية الدراسات الاسلامية والعربية جامعة الأزهر أن الانتحار جريمة نكراء لها بواعث متداخلة متشابكة معقدة، وهناك أسباب نفسية واجتماعية لتلك الواقعة، موضحا انه من الناحية الدينية يعنى الانتحار ضعف الجوانب الدينية لدى هؤلاء الشباب، ويجب معالجة تلك الجوانب الضعيفة من خلال نشر الوعظ الديني وإعلاء ثقافة تحمل البلاء والصبر والرضا بقضاء الله وقدره.
وقال : يجب إلقاء الضوء في الإعلام والندوات الدينية على حياة الأنبياء فهي مليئة بالبلاء والتحمل والصبر والرضا فنحن بحاجة لوعي ديني لمواجهة ظاهر الانتحار ويتم ذلك باستنفار وطني على أعلى مستوى، وعقد لقاءات مع الشباب بالجامعات ومراكز الشباب وقصور الثقافة وداخل الأندية الرياضية .
وأضاف كريمة : نحتاج لوعي ديني واجتماعي ونفسي حقيقي داخل المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز الثقافية والإسلامية، واقترح على وزيري التعليم والتعليم العالي استحداث وظيفة “مشرف ثقافي” وتلك وظيفة موجودة في كل دول العالم تكون مسئوليته رصد مشاكل الشباب والظواهر السلبية الموجودة بينهم وتنظيم لقاءات تثقيفية تخصصية لمواجهتها وطرح الحلول .
وأكد انه رغم إن الانتحار جريمة منكرة وكبيرة من الكبائر، الا ان إن فاعله ليس بكافر أو خارج عن الملة، وذلك بإجماع الأئمة الأربعة، وبالتالي يغسل ويكفن وتصلي عليه صلاة الجنازة ويدفن في مقابر المسلمين .
وأشار كريمة الى ان هذا إجماع أهل السنة في الأزهر الشريف ، موضحا أن المنتحر لم ينكر معلومًا من الدين بالضرورة، ولكنه أقدم على قتل نفسه وخالف فقط قول الله تعالى “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا”، وذكر أن بعض الفقهاء أكدوا أن المنتحر قد يدخل النار دون أن يخلد فيها.
وشدد على أنه لا يجوز تكفير المنتحر بإجماع من الأئمة الأربعة، موضحا ان الموسوعة الفكرية المصرية والكويتية قررت عدم تكفير المنتحر، وذلك لأنه لم يجحد ولم ينكر أصلاً من أصول الإسلام وله قاعدة من قواعد الإيمان، وعليه فهو مسلم عاص يغسل ويكفن في مقابر المسلمين، وفي الآخرة حسب المشيئة الإسلامية على مذهبنا في السنة والجماعة “إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه”.

وأشار كريمة إلى ما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان “لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر مع رجل من قومه فاجتووا المدينة، أي كرهوا جوها، فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهينته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك؟ فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال مالي أراك مغطيا يديك؟ قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له اللهم وليديه اغفر”.
واتهم من يشذ عن أن المنتحر ليس بكافر بأنهم من “جهلة المتسلفة الوهابية” ، ونوه بأن عدم تكفير المنتحر لا يعنى التشجيع على الانتحار ، لافتا إلى أنه يجب زيادة التوعية بخطورة جريمة الانتحار ، وأن الله حرم قتل النفس عمدا.

الاكتئاب

ويرى الدكتور جمال فيرويز استشاري الطب النفسي أنّ الظروف الاقتصادية ليست سبباً في حالات الانتحار كما يروج البعض. مشيرا الى ان اتجاه البعض للانتحار في أماكن عامة تتسلط عليها الأضواء (كبرج القاهرة، أو خطوط المترو، أو بعض الجسور النهرية)، يعد بمثابة رسالة يريد المنتحر أن يوجهها لشخص ما، أو لجهة ما، أو لاستعراض إعلامي ينشده .
وقال فرويز ان اختيار المكان في بعض الأحيان يكون بسبب ارتباط المنتحر بذكريات معينة، وقد تكون هذه الذكريات إيجابية أو سلبية، وقد يكون الهدف هو توجيه رسالة لشخص كانت تجمعه به ذكريات في هذا المكان، ولكن أيضا قد يكون اختيار ذلك المكان غير مقصود .
واضاف: ” لاحظنا في مقطع فيديو لأحد الأشخاص الذين أقدموا على الانتحار ان هذا الشاب كان متردداً، وأرجح أنه لم يكن يخطط للانتحار، فقد تقدّم ثم تراجع ثم اتخذ قراره بالانتحار، فقد وجدها فرصة للتخلص من حياته، لهذا لا يجب أن نعطي الشخص المصاب بالاكتئاب أي فرصة للتخلص من حياته، ويجب أن نكون قريبين منه بما يكفي لمنع أي محاولة للانتحار .
وأوضح فرويز إن الاكتئاب مرض عضوي مثل أي مرض آخر عضوي آخر، وله متخصصون، ولا علاقة للمؤسسة الدينية بالتحدّث عنه، وأنا طبيب نفسي ليس من دوري التحدث إلى المنتحر، ولكن هذا دور منوط بالمستشفيات المتخصصة، التي يجب أن تخضع المريض لجلستي كهرباء، ثم يتم الاتصال بالمجلس القومي للصحة النفسية، وإبلاغه بحالة هذا المريض، ويجب أن يصاحبه ممرض كظله كي لا ينتحر

واقع مرير

ويرى أحمد عبدالله محمود خبير نفسي أن الوضع الاقتصادي، وارتفاع الأسعار، وصعوبة توفير الشباب إمكانيات العمل المناسب والدخل المناسب للزواج وتكوين أسرة، وعدم قدرة الأسر على توفير احتياجاتها كل ذلك يؤدي دوراً في أسباب الانتحار، بسبب الأعباء المالية والديون التي تسبب الاكتئاب والانتحار.

وأكد عبد الله أن إقدام الشباب على الانتحار بطرق مختلفة شنقاً أو أسفل عجلات المترو مؤشر على تفاقم مشكلات الشباب وعدم القدرة على مواجهة الواقع القاسي الحالي والبطالة والغلاء والأزمات الأسرية الناتجة عنها.

تقرير : أحمد عبدالله