د. علي اسماعيل يكتب : ندرة المياه وتحديث الزراعة
29 يناير، 2021 - بتوقيت 5:36 م
استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر
يري الكثيرون إن الزراعة المصرية واستخدام المياه قد دخلت حقبة جديدة من الاهمية واصبحت المياه ومحدداتها مع ندرتها العامل الاساسي في تطوير وتحديث الزراعة المصرية في ظل التحول من الوفرة الي الندرة .، والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي النتيجة المتوقعة والتحديات التي يمكن ان تواجه الزراعة الجديثة واستصلاح الاراضي الجديدة ؟؟؟ وقضية تطويرها مع الزيادة السكانية الحادة والمضطردة التي تلتهم الكثير من عوائد التنمية ففي ظل النمو الاقتصادي والسكاني الحالي والذي يتخطي 2% بالإضافة إلى التحديات البيئية المستقبلية ، تواجه مصر العديد من المشاكل بوضع حلول استراتيجية سريعة لمواجهة مشكلة ندرة المياه الخطيرة وتحسين نوعية المياه وتدبير موارد غير تقليدية والبحث عن تقنيات جديدة في المعالجة والتحلية .
ويعد معدل توفر المياه للفرد بالفعل واحدًا من أدنى المعدلات في العالم في عام 2000 ، كان نصيب المياه للفرد حوالي 1000 م 3ومن المفترض أن ينخفض هذا إلى النصف إلى ما دون معدل الندرة بحلول عام 2025. كما انخفض نصيب الفرد من المياه المتجددة من 853.5 م 3 (2002) إلى 785.4 م 3 (2007) ووصل إلى 722.2 م 3 (2012). ومن المتوقع أن يصل هذا إلى 450 متر مكعب بحلول عام 2030 مما يضعنا امام تحديات صعبه وخاصة امام زراعة 12 مليون فدان مساحة الرقعة الزراعية المستهدفه والتي تبلغ 20 مليون فدان مساحة محصوليه متوقعة ضمن الخطة الطموحة التي يتبناه السيد رئيس الجمهورية مع اهتمامه بالزراعة ووضعها في بداية اجندة الدولة بعدما ظهرت اهميتها في السنوات الاخيرة مع جائحة كورونا . لذا فالامر يتطلب التخطيط الاستراتيجي بعيد المدي للبحث عن موارد جديدة للمياه خارج الحزمة المستخدمة من المياه العاذبة الواردة من النيل والبحث عن المياه الجوفية وتحلية الابار التي تتغير صفاتها الكيميائية وتتجه للتمليح نتيجة السحب الجائر او طبيعة الطبقات الحاملة لهذه المياه .
فتدوير المياه واعادة الاستخدام ربما تسهم بحل جزء من المشكلة وخاصة مع الرؤيا الجديدة التي تتوجه لها الدولة المصرية والتي تحظي بدعم وارادة القيادة السياسية ورصد مايقرب من 435 مليار جنيه لتحلية مياه البحر والمياه النصف مالحة في البحيرات الشماليه والتي تعتمد علي الطاقه ومدي توفرها ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي للوصول بنوعية مقبوله بالمواصفات التي تحددها الاحتياجات ومتطلبات الزراعة المصرية وخاصة في المشروعات الزراعية في المناطق الشمالية خاصة وان المناطق الشماليه يمكن ان تعتمد علي نظام الري التكميلي مع زراعات الزيتون والنخيل والتي يمكن ان تحل مشكله الفجوة الموجودة في الزيوت والسكر مع التنوع البيولوجي الذي يمكن ان ينجح مع الاستزراع السمكي المكثف الصحراوي مع هذه المشروعات وانتاج الطاقه من الطحالب وغيرها واستخدام الزراعة الذكية كمفهوم جديد للزراعة المميكنه واستخدام تقنيات الري الحديث والمرتبط بنظم المعلومات الجغرافيه ومستشعرات التربة والارضاد الجوية وغيرها من البرامج المساعدة في ادارة المزارع والموبيل ابلكيشن في الادارة المزرعية الحديثة .
وهل تسمح عمليات تدوير المياه وترشيدها في الزراعة حل جزء من نقص الموارد المائية الواردة علي المدي القصير ؟؟؟ ام ان استقطاب موارد مائية جديدة كحصاد مياه الامطار وتحلية المياه نصف المالحة من البحيرات ربما تكون هي الجزء الاساسي والفعال في توفير متطلبات مياه الشرب والصناعة والتي تقلل الضغط علي حصة المياه المخصصة للزراعة واستصلاح الاراضي . وان معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي واستخدامها مع مياه الصرف الزراعي مرة اخري بمواصفات تصلح لانتاج مجموعة من المحاصيل الزراعية هو طوق النجاه مع وجود مشروعات عملاقة للدولة المصرية كمحطات معالجة ( المحسمة – سرابيوم – بحر البقر) وغيرها من المحطات والتي توجه مياها بعد المعالجة لاستصلاح الاراضي وذيادة الرقعة الزراعية ضمن البرنامج الذي يوليه السيد الرئيس اهمية خاصة بتحسين نوعية المياه للزراعة وذيادة معدلات التنقية والمعالجة كمورد هام من الموارد المائية . ام ان التوجه العلمي ودور البحث العلمي الزراعي في انتاج الاصناف واستخدام تكنولوجيا الهندسة الوراثية قادرين علي حل جزء من هذة المشكلة بتوفير اصناف من المحاصيل تتحمل الملوحة والجفاف والتغيرات المناخية وتعزز دورها في المدي القصر لحل مشكلة ندرة المياه مع علماء التربية للاصناف النباتية المختلفة .
وان خيار تحليه مياه البحر اصبح خيارا استراتيجيا وضروري لمرحلة القادمة فالبعض يري ان عمليه مكلفة وهنا يمكن ان يتم توضيح ان استخدام مياه يتم تحليتها ربما تكون اقتصادية بالمفهوم الشامل فان تعبئة 10 بالمائة من المياه التي يتم تحليتها ربما تغطي تكلفة التسعون بالمائة من المياه التي يمكن استخدامها في نواحي عديدها قد تكون الزراعه احدها وخاصة ان عائد المتر المكعب من المياه المحلاه والمعبيء ربما يقترب من 2000 جنيه للمتر الواحد ( 1000 لتر*2 جنيه ).
وان العمل بمنظومة الرؤيا الشاملة في استخدمات وادارة المياه هي امر ضروي للعمل مع كل المحاور ومنها تحديث منظومة الري والتي اصبحت امرا ضروريا في المرحلة الحالية والقادمة لرفع كفاءة الري الحقلي واستغلال المياه من 55 بالمائة الي أكبر من 85 بالمائة وحسب طبيعة الاراضي واعادة استخدام الدورة الزراعية مع التراكيب المحصوليه المناسبة وطبقا لرؤيا استراتيجية مع خريطة انتاجية لسد الفجوة الغذائية وتحقق الاهداف التصديرية والصناعية في الدولة المصرية وان الاستفادة من مخرجات البحث العلمي من ممارسات زراعية وتربية الاصناف قصيرة العمر وتحمل الملوحة قد تسهم بنصيب معقول من توفير قدر من المياه في منظومة ادارة المياه وترشيدها واعادة الاستفادة منها في خريطة التوسع الافقي .
وقد يعد نظام الري في مصر مثالاً ممتازًا لنظام متعدد الاستخدامات للمياه لدورة ذات كفاءة عالمية عالية تصل الي 76% لاستخدمات المياه ولكن كفاءات محلية منخفضة علي مستوي التوزيع والنقل والاستخدام في الحقل . وتهتم مصر بتوسيع المساحة المروية بمياه نهر النيل دون تقليل الإنتاجية العالية للمناطق المروية الحالية بل تعمل علي تعظيم الانتاجية لكل من وحدة الارض مقابل وحدة المياه المستخدمه . ولإنجاز هذا سوف يتطلب برنامج قومي يحتاج الي دعم ورعاية وشراكة من كافة الجهات من اجل الحفاظ علي مظومة تطوير وتحديث الري ورفع كفاءة الاستخدام . فإن توجيه جهود المحافظة نحو المناطق التي تكون فيها دورات الاستخدام المتعددة ممكنة فان ذلك يمثل نجاح لادارة المنظومة وبالتالي ذيادة الكفاءة [الكفاءة الفعالة] لتكن عالية جدًا بالفعل مما يؤدي إلى وفورات حقيقية في المياه .
فالتحديات تزداد امام الزراعة المصرية ويجب ترتيب الاولويات بإعتبار ان الزراعة هي المستهلك الاعظم من المياه والتي يمكن ان تصل الي 75 مليار متر مكعب مع اجمالي 12 مليون فدان في 2030. فمياه الشرب تأتي في الاولوية الاولي تليها الصناعة ثم الزراعة . فقد نري ان الزراعة المصرية لابد لها من ان تعيد ترتيب الاولويات لديها بما يعظم من دورها ومواجهة التحديات المفروضة عليها وان يجد علماء الزراعة والباحثين اليات تطبيقية لحل مشاكل ندرة المياه وتعظيم الاستفادة من وحدة المياه والارض لتعظيم انتاجية الفدان ومضاعفته من المنتج الزراعي سواء لمحاصيل الحقلية او البستانبة وربما تكون استخدام البيوت المحمية ( الصوب الزراعية) هي احد الادوات والاليات التي تعظم الاستفادة من وحدة المياه المستخدمة ووحدة السماد مع الاصناف العالية الانتاجية من هجن الخضر والوصول بالانتاج الزراعي الي المستهدف منه والمساهمة في الناتج القومي بالنسبة التي تضعه في وضعها الامثل والطبيعي والتي ربما تصل الي 20% مع التحديات القائمة والمستقبلية .