دعلي اسماعيل يكتب : قضية التغيرات المناخية والجهود الوطنية المصرية
27 أبريل، 2022 - بتوقيت 6:32 م
أستاذ ادارة الأراضي و المياه ….. مركز البحوث الزراعية
تُعد مصر بصحاريها الشاسعة ودلتاها الخصبة وسواحلها الممتدة ومدنها الضخمة والذي يمثل النيل شريان حياتها، وما تتسم به من قلة الأمطار وارتفاع في حرارة فصول الصيف اصبحت شديدة التعرض للتأثر بتغيّر المناخ. ومع زيادة السكان ونقص نصيب الفرد منه والوصول الي الفقر المائي وتزداد حالة عدم اليقين بشأن توافر إمدادات المياه بشكل كبير في ظل تغير المناخ، وهو ما يحتم على مصر الاستعداد للتعامل مع هذا الوضع الجديد.
ويتطلب العمل مع التغير المناخي التزاما قويا من جانب الدولة والتعاون المشترك بين اجهزتها ووزاراتها المعنية وذلك كي تُعطي خطة العمل بشأن تغير المناخ أولوية للمساندة في تفعيل مساهماتها الوطنية لمكافحة تغير المناخ ووضع استراتيجياتها طويلة الأجل، بهدف المساعدة على إنشاء روابط أفضل بين التزاماتها المناخية وأهدافها الإنمائية. وفي واقع الأمر، لا يقتصر التصدي لتغيّر المناخ على إدارة المخاطر فحسب، بل يتعلق أيضاً باغتنام ما يُتاح من فرص جديدة – وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة على نطاق واسع. فالأسواق العالمية في جميع أنحاء العالم تشهد تغيرات سريعة، وتفضل السلع منخفضة الكربون، وتتجه أيضاً نحو مسارات تنمية أكثر مراعاة للبيئة وقدرة على الصمود. وسيتطلب تمكين التحوّل نحو اقتصاد منخفض الكربون او الاقتصاد الاخضر القادر على الصمود في وجه تغير المناخ مع اتخاذ إجراءات لدعم القطاع الخاص للاضطلاع بدور أكبر في هذا المجال، حيث يمكنه أن يلعب دوراً مهماً – بوصفه ممولاً للسلع والخدمات غير الضارة بالمناخ، ومبتكراً لها، بل ومورّداً لها.
وتبدي مصر التزامها بأجندة العمل المناخي، فهي تضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية الوطنية لتغيّر المناخ بغية دعم خطة التنمية التي وضعتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وأيضاً تعكف البلاد حالياً على التحضير لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وتعطي خطة تغير المناخ أولوية للتكيف لأن تغير المناخ والكوارث الطبيعية تؤثِّر على أفقر فئات السكان وأشدها حرمانا أكثر من غيرهم. وتظهر تحليلات تغير المناخ انه قد يؤدي إلى سقوط ما يربو على 130 مليون شخص في هوة الفقر بحلول عام 2030 وإلى هجرة أكثر من 200 مليون شخص بحلول 2050.
وفيما يتعلق بالتحولات في أنظمتنا البيئية ، فإننا نُركِّز على أكثر الأنظمة إطلاقا للانبعاثات- الطاقة والصناعات التحويلية والنقل والزراعة واستخدام الأراضي والمدن. ونظرا لأن قطاع الطاقة مسؤول عن ثلاثة أرباع الانبعاثات العالمية، فإن خطة تغير المناخ تُشدِّد على التحوُّل في مجال الطاقة حيث يجب مساعدة ومساندة الجهات المتعاملة من القطاع الخاص على التحوُّل بعيدا عن أنظمة الطاقة مرتفعة الانبعاثات الكربونية من خلال تحوُّل منصف وفعال . فإن خفض الانبعاثات وزيادة القدرة على الصمود والتكيف أمر ممكن، لكنه يتطلب تغييرات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية هائلة. ويتطلب العمل مع التغيرات المناخية الانخراط في طائفة واسعة من الأنشطة منها دعم السياسات، وتهيئة بيئة داعمة للاستثمار، وإعداد وتصميم المشروعات، والأهم من ذلك كله تمويل المشروعات. و يتطلب منحا مقابلة، وحيثما يمكن التمويل المشترك بين مختلف أشكال رأس المال ( التجاري والميسر والمنح ) لتمويل المكون المناسب لكل مشروع.
ولا شك ان البنك الدولي يمتلك آلية قوية لمساندة البلدان النامية في السعي لتحقيق أولوياتها المناخية والإنمائية. وهو اكبر ممول في المجال المناخي للبلدان النامية، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، قدم أكثر من 21 مليار دولار لهذا الغرض. ويقدم 25 مليار دولار سنويا خلال فترة الخطة الجديدة من السنة المالية 2021 إلى السنة المالية 2025 وذلك من خلال مشروعات وبرامج فعالة تكفل خفض انبعاثات الدفيئة، وتشجع على التكيف والحد من الفقر وعدم المساواة وتحسين النواتج الإنمائية.
إن معالجة تغير المناخ كهدف عاجل. ومن المهم العمل على تحويل الطموحات إلى أفعال ولا يوجد بلد بمنأى عن تأثيرات تغيّر المناخ وتظهر الرؤيا في مجموعة برامج من خلال الدراسات التي تمت من خلال البنك الدولي والتي خلصت الي مجموعه من النقاط :
- يمكن أن يجبر تغيّر المناخ 216 مليون شخص على الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050، مع ظهور بؤر ساخنة للهجرة الداخلية بحلول عام 2030، ومن ثم تأخذ في الانتشار والتفاقم بعد ذلك.
- يلعب قطاع الزراعة دوراً أساسياً في التصدي للتحدي المناخي.
- تغير المناخ يمكن أن يخفض انتاجية المحاصيل، وخاصة في أكثر مناطق العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي.
- تتسبب أساليب الزراعة ونظم الري وتغيير استخدام الأراضي في نحو 25% من انبعاثات غازات الدفيئة
السياسات التنفيذية التي من شأنها الحد من الانبعاثات وتحسين سبل العيش.
- يتمثل التحدي الذي تواجهه البلدان النامية في أن فرصة التنمية أولاً بطريقة كثيفة الانبعاثات الكربونية، ومن ثم تنظيف البيئة والحد من الانبعاثات الكربونية فيما بعد لم تعد متاحة أمامها.
- الحاجة إلى المساندة للقيام باستثمارات يمكنها إبطاء وتيرة تغيّر المناخ وتمكين مليارات البشر من العيش حياة أكثر أمناً وازدهاراً وشمولاً واستدامة.
- وضع السياسات التي تضعها البلدان لتحقيق نمو منخفض الكربون وقادر على الصمود، إذا صُممت ونُفّذت على نحو سليم
- مساعدتها على معالجة حالة الفقر وعدم المساواة.
يضطلع البنك الدولي القيام بدور واضح في مساندة البلدان المتعاملة معها حتى تستعد للتحوّل منخفض الكربون والقادر على الصمود، مما يمكنها من بناء اقتصادات مراعية للمناخ تكون خضراء وقادرة على الصمود وشاملة للجميع ويقدم البنك الدولي الدعم لمصر في مشاريع تهدف إلى تحسين مستوى حياة المواطنين، مع ضمان تقوية القدرة على تحمل آثار تغير المناخ والحد من الانبعاثات.
وكان للحكومة المصرية السبق في إصدار أول سند سيادي أخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – بقيمة 750 مليون دولار – مغتنمة بذلك فرصة اهتمام المستثمرين بالعائدات المالية والبيئية. ويوضح أول تقرير لها عن تأثير تلك السندات أن 46% من حصيلتها مخصصة لقطاع النقل النظيف (مشروع مونوريل القاهرة)، و54% لإمدادات المياه المستدامة وإدارة مياه الصرف الصحي. وبوصفه رائداً في مجال السندات الخضراء. وتساعد السندات الخضراء في تمويل العمل المناخي.
مشروعات البنك الدولي الرئيسية في مصر في تحسين البيئة
مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار، إلى جعل الهواء الذي يتنفسه السكان نظيفاً. ويعمل هذا المشروع على تقليل الانبعاثات، بما في ذلك غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) المنبعثة من عمليات حرق المخلفات الصلبة في الهواء الطلق أو بسبب احتراق الوقود الأحفوري في محركات السيارات، مما يؤدي إلى تلوث الهواء بسبب الجسيمات الدقيقة.
مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة الذي اُنجز مؤخراً بتكلفة قدرها 8.1 ملايين دولار، من التخلص الآمن من 1090 طناً من مبيدات الآفات المتقادمة شديدة الخطورة في مصر، وأيضاً 1000 طن من مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلورينات من المحولات الكهربائية.
مشروع التطوير والسلامة بسكك حديد مصر على تعزيز سلامة الخدمة وجودتها في خط سكة حديد الإسكندرية – القاهرة – نجع حمادي لنقل الركاب. ويسهم هذا المشروع أيضاً في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه في المناطق الريفية ولدى سكان الريف الذين يعانون من نقص الخدمات، مع التحول إلى وسائل نقل عام أفضل وبتكلفة معقولة وأكثر مراعاة للبيئة
برنامج التنمية المحلية في صعيد مصر سياسات محددة تهدف إلى تعزيز قدرات أجهزة الحكم المحلي على إدارة المخلفات الصلبة، وإجراء تقييمات لمخاطر تغير المناخ، ووضع خطط عمل للتصدي لتغير المناخ على المستوى المحلي لمواجهة مخاطرة وتخفيف تعرض المواطنين والاقتصاد المحلي لها. ويجري تنفيذ البرنامج حالياً في محافظات قنا وأسيوط وسوهاج والمنيا، ومن الممكن أن يتوسع في جميع أنحاء صعيد مصر.
برنامج التمويل العقاري الشامل المبادرات الخضراء الأساسية عن طريق التوثيق من خلال نظام الهرم الأخضر لتقييم المباني. ويتضمن هذا النظام مقاييس لاختيار الموقع، والتصميمات ومواد البناء المستدامة، واعتماد بعض تجهيزات السباكة والأدوات الموفرة للكهرباء.. ويهدف هذا النظام إلى استخدام العزل الحراري والتهوية الطبيعية، والتكيف مع موجات الحر، وإعادة استخدام مياه الصرف، واستخدام المرشحات في الصنابير، وهو تدبير تكيفي من أجل المنازل التي لا تحصل على إمدادات كافية من المياه النقية.
وبوجود هذه البرامج والأعمال التحليلية فإن البنك الدولي يتطلع إلى العمل مع مصر نحو انعقاد الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وما بعدها لدعم تحقيق نتائج إيجابية، والاستفادة من الفرص العديدة للمضي قدماً، بما في ذلك الفرص المتاحة للجهات الفاعلة من القطاع الخاص. وسيتيح انعقاد هذه الدورة في شرم الشيخ فرصة رائعة لمصر لإبقاء قضية تغير المناخ في صدارة جدول الأعمال العالمي. وهي القضية التي نعتقد أنها جزء لا يتجزأ من سلامة المواطنين والاقتصادات بل ومستقبل كوكبنا على حد سواء.