دوفاء محمود سلامة تكتب : الدور الحيوي للبن كمحفز للجهاز المناعي والوقاية من بعض الأمراض المعاصرة
23 يونيو، 2022 - بتوقيت 10:57 ص
باحث اول بقسم بحوث تكنولوجيا الالبان رئيس بحوث بقسم بحوث تكنولوجيا الالبان
معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية في الآونة الأخيرة تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بصحة الإنسان بأنباء عن أمراض أو أوبئة جديدة أو كانت محصورة في أماكن معينة من العالم ثم بدأت بالإنتشار وهذا الأمر بات يبث الرعب في قلوب الناس وخاصة بعد محنة جائحة فيروس كورونا المستجد، فمنذ أن تعرضت دول العالم جميعا لوباء كورونا في نهاية عام 2019 وما ترتب عليه من خسائر جسيمة سواء في الأرواح أو الإقتصاد، فقد تسارعت جهود العلماء لإيجاد لقاحات مضادة لهذا الفيروس ،ومع تنوع هذه اللقاحات بإختلاف الشركات المنتجة لها والنظم المتبعة في إنتاجها إلا أن العلماء قد إتفقوا جميعا على أن مدي مقاومة جسم الإنسان للإصابة يعتمد علي خط دفاع قوي مسئول عن التصدى لأي هجوم على الجسم والتخلص من آثاره الضارة بنظام دقيق يعرف باسم “جهاز المناعة”،ومن أهم السمات الأساسية لهذا الجهازهو قدرته على تدمير الكائنات الدخيلة دون أن يؤثر على بقية خلايا الجسم السليمة. علاوة علي ذلك ، فإن وجود نظام مناعي قوي يستطيع أن يخفف من مضاعفات المرض إن حدث، ويقلل من فترة الإصابة ويزيد من نسب الشفاء، لذلك ينبغي الاهتمام والعمل على تعزيز وتنشيط الجهاز المناعي.
ولكي نساعد على تحفيز جهاز المناعة ونمكنه من مقاومة العديد من الميكروبات مثل الفيروسات والبكتيريا وغيرها، فإنه من الواجب علينا اتباع عادات غذائية سليمة، بالإضافة إلى ضرورة ممارسة الرياضة والإلتزام بالإرشادات الصحية الهامة خلال الأنشطة اليومية سواء داخل أو خارج المنزل. هذا، ويعتبر السلوك الغذائي غير المتزن من أخطر العوامل الضارة المؤثرة علي الجسم بصفة عامة وعلي الجهاز المناعي بصفة خاصة، حيث أن تناول بعض الأغذية التي تحفز الجهاز المناعي فقط مع عدم الإهتمام بالنمط الغذائي المتوازن سوف يؤثر سلباً على الصحة العامة للإنسان. لذلك فمن الضروري إضافة الأغذية التي تقوي جهاز المناعة للوجبات المتوازنة للتأكد من حصول الجسم علي احتياجاته من جميع العناصر الغذائية علي مدار اليوم.
ويعد اللبن من أكثر الأغذية المتوازنة على وجه الارض، حيث ينفرد اللبن بكونه اقرب الاغذية لنموذج “الغذاءالكامل” ويرجع ذلك الى احتوائه على المركبات الغذائية الضرورية مثل الدهن، البروتين، الكربوهيدرات، والاملاح المعدنية، بالإضافة إلي الفيتامينات، الانزيمات، عوامل النمو، الصبغات، المواد الازوتية غير البروتينية. لذلك جعله الله سبحانه وتعالى اول غذاء يستمد منه الرضيع كل إحتياجاته الغذائية فى بدء حياته وفى اقصى مراحل نموه. وفيما يلي سوف نستعرض بإختصار دور بعض مكونات اللبن في الوقاية من أحد الأمراض المعاصرة وهو فيروس كورونا وكذلك دورها في تنشيط و تعزيز الجهاز المناعي للإنسان.
أولا:- لاكتوفيرين اللبن
اللاكتوفيرينLactoferrin ((Lf هو بروتين متعدد الوظائفMultifunctional protein موجود في العديد من الإفرازات الخارجية للجسم مثل اللعاب والدموع واللبن وإفرازات الأنف، كما يتواجد في إفرازات الشعب الهوائية وسوائل الجهازالهضمي. واللاكتوفيرين هو جليكوبروتين طبيعي مرتبط بالحديد وموجود طبيعيا في اللبن وبعض منتجاته ويتم إنتاج اللاكتوفيرين حاليا كمكمل غذائي علي نطاق تجاري. ويتفاوت محتوي اللبن من اللاكتوفيرين تبعآ لنوع اللبن (مصدره) وفترة الحليب ، حيث يعتبر لبن الأم من المصادر الغنية باللاكتوفيرين، يليه لبن الابل أما بالنسبة للبن الأبقار فإنه يحتوى على نسبة لا بأس بها من هذا البروتين. وقد أثبتت الدراسات العديدة السابقة الدور القوي للاكتوفيرين كمضاد للبكتريا الممرضة مثل السالمونيلا والإيشريشيا كولاي وغيرها والفيروسات مثل Semliki Forestvirus و مجموعة فيروسات الهربس والروتا Rotavirus وفيروس الإيدز، علاوة علي دوره المميز جدا كمضاد للأكسدة Antioxidant وهذا يقلل من معدل تكون الأصول الحرة وغيرها من المواد المسببة للإصابة بالسرطانات المختلفة. وأما عن دوره الفريد في مقاومة الإصابة بفيروس كورونا فقد ذكرت الدراسات المنشورة مؤخرا أن اللاكتوفيرين يمنع فيروس كورونا من الإرتباط بمادة بروتوجليكان كبريتات الهيبارانHeparan Sulfate Proteoglycans (HSPGs) وهي المستقبل الرئيسي للفيروس علي سطح خلايا العائل وبالتالي يمنع دخول الفيروس إلي الخلايا. بالإضافة إلي دور اللاكتوفيرين في تنشيط الجهاز المناعي والذى يساعد في الوقاية ومقاومة الفيروس، فقد ذكرت إحدي الدراسات أن تركيز 1 مجم/ مل من اللاكتوفيرين قد منع تكاثر الفيروس علي النطاق المعملي. وفي السياق نفسه ، ذكرت دراسة أسبانية ان تناول المرضي المصابين بفيروس كورونا لبروتوكول علاجي يتكون من 32 مجم لاكتوفيرين ، 12 مجم فيتامين ج ، و 10 مجم زنك بجرعة قدرها 4 – 6 مرات يوميا قد تسببت في علاج معظم الحالات. وقد أرجعت الدراسة هذه النتيجة إلي الدور القوي لللاكتوفيرين كمضاد للفيروسات والتي منها فيروس كورونا، حيث أن دوره الوقائي يشمل منع الفيروس من الإرتباط بأحد مستقبلاته علي جدر خلايا العائل وهو الإنزيم المحول للأنجيوتنسين Angiotensin-converting enzyme 2(ACE2) . ويحصل الإنسان علي اللاكتوفيرين بمعدل 8.2 مجم / 100 مل من اللبن البقري، 6.6 مجم/ 100 مل من اللبن الجاموسي و 13.7 مجم / 100مل من لبن الإبل. وبالتالي وطبقا لما ذكر في الدراسات السابقة فإن تناول كوب من اللبن (200 مل) صباحا ومساءا قد يكون له تأثير كبير في وقاية الجسم من الإصابة بفيروس كورونا علاوة علي تعزيزالجهاز المناعي وتحسين الحالة الصحية للجسم. ومن كل ما سبق يتضح ان اللاكتوفيرين يلعب عدة أدوارمهمة بالنسبة لجسم الإنسان ومنها:-
1- المساعدة علي زيادة كفاءة الجهاز المناعى للجسم.
2- الحد من نشاط الميكروبات الممرضة مثل البكتريا والفيروسات والفطريات.
ثانيآ:-البروتينات المناعية ( جلوبيولينات المناعة)
جلوبيولينات المناعة (الإيمينوجلوبيولينات) وتسمي أيضاً بالأجسام المضادة وهي تتواجد في الدم وفي السوائل النسيجية ، كما تتواجد في العديد من الإفرازات مثل لبن السرسوب واللبن الطبيعي. والوظيفة البيولوجية للجلوبيولينات المناعية الموجودة في اللبن هي إعطاء الرضيع حماية مناعية ضد الميكروبات الممرضة، علاوة علي حماية الخلايا المفرزة للبن من الملوثات أومسببات الأمراض. وتشكل الجلوبيولينات المناعية ( الإيمينوجلوبيولين) ،إلى جانب اللاكتوفيرين واللاكتوبروكسيديز والليسوزيم، نظامًا مهمًا جدًا مضادًا للميكروبات في لبن الثدييات. وتعرف الجلوبيولينات بأنها الأجسام المضادة التي تقوم الثدييات بإنتاجها كإستجابة مناعية لبعض الأجسام الغريبة التي تدخل إلي الجسم مثل البكتريا والفيروسات وبعض المركبات الكيماوية ،وغيرها. ويقوم اللبن خاصة لبن السرسوب والذي يطلق عليه بعض الناس في الأماكن الريفية لبن المسمار (وهواللبن المفرزبعد الولادة مباشرة ويستمر في المتوسط لفترة 3- 7 أيام) بمنح مناعة للمولود خلال مرحلة نموه الأولي. ويشكل النوع IgG حوالي 80- 90% من الجلوبيولينات المناعية الكلية في لبن السرسوب والتي تبلغ 50 جم / لتر . وتختلف تركيزات جلوبيولينات المناعة فى اللبن تبعاً لعوامل عديدة منها نوع الحيوان ( أبقار، جاموس، أغنام، ماعز، إبل)، وفصل الحليب ( الشتاء، الصيف، الربيع، الخريف ) ومرحلة الحليب ( فترة السرسوب أو اللبن الطبيعي، وبداية ونهاية موسم الحليب) والتغذية وصحة الحيوان. وقد أظهرت الكثير من الدراسات القدرة التثبيطية لجلوبيولينات المناعة ضد العديد من أنواع البكتريا الممرضة مثل البكتريا العقدية المسببة لتسوس الأسنان، والإيشريشيا كولاي E. coli، بكتريا هيليكوباكتربيلوري (H. pylori) والتي اعتاد الناس علي تسميتها بالميكروب الحلزوني وهي تستوطن المعدة وتحدث القرح بها وقد تؤدي مع مرور الوقت وتطور الحالة المرضية التي لا يتم علاجها بشكل صحيح إلي إحداث ثقب في المعدة مما يسبب الوفاة، كذلك تعمل جلوبيولينات المناعة علي تثبيط بعض سلالات الشيجيلاspp. Shigella . كما ثبت علميآ أن بروتينيات المناعة خاصةIgA و IgG لهما دور قوي وفعال في الوقاية من الإصابة بفيروس الإنفلونزا وفيروس الروتا (المسبب للإسهال عند الأطفال)، وكذلك الفيروس المسبب للإلتهاب الرئوي في الأبقار Bovine rhinotracheitis (IBR) virus ، علاوة علي دوره في تنشيط الجهاز المناعي في الإنسان مما يساعد في مقاومة الإصابة بفيروس كورونا.
ثالثآ:- بعض الفيتامينات والمعادن
كما سبق وذكرنا فإن الأغذية المتوازنة مثل اللبن ومنتجاته تعتبر من أهم عوامل حماية الجسم ضد الأمراض ومن الأمور الحيوية التي قد تمارسها هذه الأطعمة هو دورها كمضادات للإلتهابات والأكسدة ومحفزات للجهاز المناعي. ويرجع هذا التأثير المحتمل إلي إحتوائها علي عدد من العناصر الغذائية الهامة مثل فيتامين (ج) وفيتامين (د) والزنك وبعض المركبات المضادة للأكسدة والمضادة للتجلط أو التخثر ، والتي تمتلك قدرة علي تخفيف الأعراض الحادة للمرض. هذا ويعتبراللبن ومنتجاته من احد مصادرفيتامين (د) وفيتامين (ج ) والزنك، وفيما يلي سوف نستعرض الدورالمحتمل لكلا من فيتامين (ج) وفيتامين (د) والزنك في الوقاية وعلاج أعراض فيروس كوروناالمستجدCovid-19.
1- فيتامين “ج” : يتميز فيتامين ج بدوره القوي والمميز كمضاد للأكسدة، وأما عن دوره العلاجي المحتمل ضد فيروس SARS-Covid2 أوما يسمي كورونا المستجد Covid-19 فمن المعروف حتي الآن أن الإلتهابات الفيروسية تسبب عاصفة السيتوكين والتي تؤدي إلي تهيجات وإرتشاح في الرئة وزيادة في الإجهاد التأكسدي مما يسبب مشكلات حادة في الرئة ومنها صعوبة التنفس ثم فشل في التنفس ومع تطورالمشكلة تحدث الوفاة. ففي تقرير علمي منشور شمل 29 مريضا يعانون من الالتهاب الرئوي بسببCOVID-19 ، أظهرت النتائج أن 27 مريضا (93 ٪) منهم قد حدث لديهم زيادة في اختبار البروتين التفاعلى عالى الحساسية (hs-CRP) وهودليل على الالتهاب الحاد والإجهاد التأكسدي. علي الجانب الآخر هناك عامل يسمي (Nuclear related factor2 (Nrf2 هوعامل منظم و رئيسي لعملية الاستجابة المضادة للأكسدة والتي تقلل من الإجهاد التأكسدي، وهنا يأتي دور فيتامين (ج) حيث يعمل علي تنشيط عامل Nrf2مما يساهم في حماية الخلايا والأنسجة من المشكلات التي يسببها زيادة الإجهاد التأكسدي في الرئتين.
2- أما بالنسبة لفيتامين”د” فإن إحدى وظائفه الهامة هي المساعدة على تنشيط الخلايا التائية T-cells المعروفة باسم “الخلايا القاتلة الطبيعية Natural Killer (NK) Cells ” الموجودة فى الجسم، ويطلق عليها هذه الصفة لأنها تكتشف مسببات الامراض التي تدخل الجسم مثل الفيروسات وتدمرها. وهذه الوظيفة تجعل فيتامين (د) مهمآ بشكل خاص للحفاظ على نظام مناعى فعال قادر على مقاومة مسببات الامراض الفيروسية مثل فيروس كورونا وغيره.
3- الزنك: من المعروف أن الزنك (Zn) يمتلك مجموعة متنوعة من الخصائص المضادة للفيروسات سواء بطريقة مباشرة أو غيرمباشرة والتي يمكن أن تتحقق من خلال آليات مختلفة، فمثلآ تناول الزنك كمكمل غذائي من المحتمل أن يقوم بتعزيز نظم المناعة المضادة للفيروسات، واستعادة كفاءة الخلايا المناعية المستنفذة أو تحسين وظائف وكفاءة الخلايا المناعية الطبيعية ولاسيما في المرضى الذين يعانون من نقص المناعة أو المسنين. أيضا يعمل الزنك علي حماية وتدعيم قدرة جدار الخلية علي منع مرور الفيروس من خلاله وذلك عن طريق إغلاق المعابر الموجودة في جدار الخلية والتي يمر من خلالها الفيروس إلي داخل الخلية. كما ثبت أن الزنك يقوم بدور حيوي في منع تكاثر الفيروس من خلال تعطيل ميكانيكية تضاعف الحمض النووي له . وقد ثبت هذا التأثير بعدد من الدراسات والتي تمت علي فيروسات الأنفRhinoviruses (المسبب الرئيسي للزكام) وفيروس الكبد الوبائي C، بالإضافة إلي فيروسات الأنفلونزا، كما يقلل من معدلات تخليق الحمض النووي RNA لفيروسات Nidovirusesوالتي يتبعها فيروس كورونا المستجد. وهذا ما أكدته الدراسات الحديثة عن الدورالمحتمل الذي يقوم به الزنك في الوقاية أوالعلاج منSARS-CoV-2 .
وختاماً ومما سبق نستطيع القول بأن اللبن ومنتجاته ربما يكون لهم دور فعال سواء وقائي أو علاجي محتمل ضد فيروس كورونا المستجد وكذلك العديد من الأمراض الميكروبية الأخري وذلك إستنادآ لدور مكونات اللبن المحفز للجهاز المناعي علاوة علي فعالية بعض هذه المكونات كمضادات للفيروسات مثل اللاكتوفيرين والزنك وجلوبيولينات المناعة.