د. محمد عبدالغني يكتب : بدائل القمح طريق الاستدامه لمخبوزات صحية

12 أغسطس، 2025 - بتوقيت 9:25 ص

باحث بمعهد تكنولوجيا الأغذية- مركز البحوث الزراعية

 

 

يعد القمح عماد صناعة المخبوزات حول العالم منذ آلاف السنين، ويرجع ذلك لوجود بروتين الجلوتين الفريد الذي يشكل قوام المنتجات المخبوزة ويمنح العجين الطراوة والنعومة والقابلية للفرد وقدرته على الاحتفاظ بالغازات أثناء عملية التخمير، مما ينتج عنه المخبوزات الهشة والمطاطية التي نعرفها. إلا ان الاعتماد شبه الكلي على القمح يواجه تحديات متعددة في عصرنا الحالي. وتشمل هذه التحديات زيادة الطلب على أنظمة غذائية منخفضة الكربوهيدرات أو عالية البروتين، والوعي المتزايد بأهمية التنوع الغذائي وارتفاع معدلات الإصابة بحساسية الجلوتين ومرض السيلياك ، بالإضافة إلى الضغوط البيئية والتقلبات في أسعار القمح عالمياً. . كل هذه العوامل دفعت الباحثين وصناع الأغذية والمستهلكين على حد سواء للبحث عن بدائل مستدامة وصحية لدقيق القمح في إنتاج المخبوزات، مما يفتح آفاقاً جديدة للابتكار في هذا المجال الحيوي.

تتمتع المحاصيل غير المستغلة بشكل كافٍ والتي غالبًا ما تُغفل في الزراعة بإمكانيات غذائية وعلاجية هائلة ،على الرغم من انها غنية بالعناصر الغذائية الأساسية والمركبات النشطة بيولوجيًا وقدرتها الكبيرة على التكيف مع البيئة إلا أن تسويقها كان محدودًا بسبب الإهمال وضعف انتاجها، والتى بأمكانيتها الغذائية الهائلة تمثل تحديا في مجالات الأمن الغذائي والتغذية والزراعة المستدامة.

تتنوع بدائل القمح المستخدمة في صناعة المخبوزات واستخداماتها الرئيسية مابين استخدام الحبوب الكاملة والخالية من الجلوتين بشكل طبيعي مثل الأرز اذ بفضل جودته الغذائية العالية وسهولة هضمه يعد ملك الحبوب وهو من محاصيل الحبوب المهمة ويحتوى على نسبة من البروتين وبعض العناصر المهمة بالإضافة الى نسبة عالية من الكربوهيدرات ويعد خيارا مثاليا لأعداد مخبوزات خالية من الجلوتين .الذرة ويأتي في المرتبة الثانية عالميا من حيث الإنتاج بعد القمح ويستخدام في اعداد حبوب الإفطار corn flakes ومخبوزات خالية من الجلوتين بالإضافة الى انه يستخدم بنسب استبدال تصل الى 20% لانتاج رغيف خبز بمواصفات تكنولوجيا جيدة ومقبول حسيا، وأيضا الذرة الرفيعة يمكن استخدامها بنفس نسب الاستبدال السابقة لانتاج رغيف خبز مقبول حسيا وبمواصفات تكنولوجية ممتازة بالإضافة الى ارتفاع محتواه من البروتين والالياف الغذائية وبعض الفيتامينات المهمة مثل فيتامين B وE ومضادات الاكسدة. دقيق الشوفان يحتوى على نسبة اعلى من الاحماض الامينية الأساسية بالمقارنة بدقيق القمح بالإضافة الى احتواء دقيق الشوفان على مستوى مرتفع من الالياف الغذائية الذائبة مثل البيتاجلوكان ويعطى الشوفان نكهة مميزة للمخبوزات، كذلك الكينوا والقطيفةamaranth والحنطة السوداء buckwheat من الحبوب شبه المزروعة الغنية بالبروتين والألياف والمغذيات الدقيقة، مما يجعلها بدائل ممتازة للأنظمة الغذائية الخالية من الجلوتين.

البقوليات مثل الحمص وفول الصويا والفاصوليا البيضاء يتم استخدامهم لصنع دقيق غنى بالبروتين والالياف ،الا انه نكهة وقوام المخبوزات المنتجة قد تتأثر وتتطلب خبرة في الخلط والاستخدام لتحسينها.ايضا المكسرات مثل دقيق اللوز وجوزالهند والتي ترتبط اكثر بنظم الأغذية منخفضة الكربوهيدرات لغناها بالدهون الصحية والبروتين والالياف وتعطى نكهة قوية وهى مناسبة اكثر في صناعة الكعك والكوكيزوالبسكويت.

ويستخدم مطحون بذور الكتان والشيا كمكثفات ومواد رابطة في صناعة المخبوزات الخالية من الجلوتين بالإضافة الى غناها بأحماض الاوميجا-3 الدهنية والالياف. كذلك دقيق الدرنات مثل البطاطس والكسافا والبطاطا الحلوة والتي تضفى طراوة ونعومة للمخبوزات ونكهة مميزة وقيمة غذائية.

استبدال دقيق القمح ليس بالعملية البسيطة بسبب دور الجلوتين الفريد، حيث ان غيابه يؤدى الى انتاج مخبوزات ذات جودة ضعيفة، الا انه بإستخدام بعض مواد الربط مثل صمغ زانثان اوصمغ الغواراو البكتين أحيانا او مطحون بذور الكتان او الشيا او استخدام بعض الخلطات المتوازنة والتي تعوض نقص الجلوتين وتحسين الصفات التكنولوجية للمخبوزات، وبالتالى أصبح البحث عن بدائل القمح في صناعة المخبوزات ضرورة ملحة وفرصة للابتكار في مجال الصناعات الغذائية. لم يعد الأمر مقتصراً على تلبية احتياجات مرضى السيلياك أو حساسية الجلوتين، بل امتد ليشمل رغبة المستهلكين في تنويع مصادر التغذية، وخفض الكربوهيدرات، واختيار بدائل أكثر استدامة وصحة، ويوفر السوق اليوم مجموعة واسعة ومتنامية من الخيارات مثل الحبوب الكاملة الخالية من الجلوتين، البقوليات الغنية بالبروتين، دقيق المكسرات والبذور، والنشويات المختلفة، وعلى الرغم من التحديات التقنية المتمثلة في غياب الجلوتين واختلاف خواص البدائل، فإن التقدم في فهم وظائف المكونات واستخدام المواد الرابطة والخلطات المدروسة يتيح إنتاج مخبوزات لذيذة ومقبولة الملمس اذ يمثل هذا التنوع خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر شمولية واستدامة لصناعة المخبوزات.