الدكتورة منة الله محمد تكتب : مرض الزهايمر والمسببات

15 سبتمبر، 2025 - بتوقيت 6:29 م
باحث مساعد بمعهد بحوث تكنولوجيا الاغذيه- قسم التغذية الخاصة والاغذية
يُعرَّف مرض الزهايمر بأنه اضطراب عصبي تنكسي متقدم يُسبب تلفًا تدريجيًا في خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى انكماش الدماغ (brain atrophy) بمرور الوقت. يُعد هذا المرض السبب الأكثر شيوعًا للخرف، وهي متلازمة إكلينيكية تتميز بتدهور مستمر في الوظائف المعرفية، بما في ذلك الذاكرة، والتفكير، والسلوك، مما يؤثر بشكل جوهري على قدرة الفرد على أداء الأنشطة اليومية.
مسببات مرض الزهايمر: آليات معقدة وعوامل خطر متعددة
يُعد مرض الزهايمر اضطرابًا معقدًا ومتعدد العوامل، حيث تتفاعل العوامل الوراثية، والبيولوجية، والبيئية لتزيد من خطر الإصابة بالمرض وتسرع من تطوره.
1. العمر المتقدم
يُعتبر العمر أهم عامل خطر غير قابل للتعديل لمرض الزهايمر. تزداد احتمالية الإصابة بشكل كبير بعد سن 65 عامًا، وتتضاعف كل خمس سنوات. على الرغم من هذا الارتباط القوي، لا يُعد الزهايمر جزءًا طبيعيًا من الشيخوخة، حيث يمكن أن يظهر في حالات نادرة في سن مبكرة (الزهايمر المبكر)، عادةً قبل سن 65.
2. العوامل الوراثية
تلعب الجينات دورًا حاسمًا في حوالي 5-10% من حالات الزهايمر.
• جين APOE4: يُعد أليل APOE4 أقوى عامل خطر وراثي للإصابة بمرض الزهايمر متأخر الظهور. يزيد وجود نسخة واحدة من هذا الأليل من خطر الإصابة، في حين أن وجود نسختين يزيد الخطر بشكل ملحوظ.
• جينات نادرة: تُسبب الطفرات الجينية النادرة في جينات مثل APP، وPSEN1، وPSEN2 الشكل الوراثي من مرض الزهايمر المبكر، والذي يتميز بظهوره قبل سن 65 عامًا وينتقل عبر الأجيال في العائلات.
3. الآليات البيولوجية في الدماغ
تحدث الآليات المرضية للزهايمر نتيجة لتراكم غير طبيعي لبروتينين رئيسيين:
• لويحات بيتا-أميلويد (Beta-Amyloid Plaques): تتشكل هذه اللويحات خارج الخلايا العصبية وتعيق التواصل بينها، مما يؤدي إلى خلل في الإشارات العصبية.
• تشابكات تاو (Tau Tangles): تتكون هذه التشابكات داخل الخلايا العصبية، مما يمنع نقل المغذيات والمواد الأساسية، ويؤدي في النهاية إلى موت الخلايا العصبية. يؤدي تراكم هذه البروتينات إلى التهاب عصبي مزمن وتلف تدريجي في مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والوظائف المعرفية.
4. عوامل نمط الحياة والصحة العامة
تؤثر عوامل نمط الحياة القابلة للتعديل بشكل كبير على خطر الإصابة بالزهايمر:
• الأمراض المصاحبة: تُعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، والسمنة عوامل خطر رئيسية، حيث تساهم في الزهايمر الوعائي الذي غالبًا ما يتزامن مع الزهايمر.
• إصابات الرأس الرضحية (TBI): ترتبط الإصابات الشديدة أو المتكررة في الرأس بزيادة خطر الإصابة بالخرف في وقت لاحق من الحياة.
• عوامل نمط الحياة غير الصحية: يرتبط الخمول البدني، التدخين، والنظام الغذائي غير الصحي (الغني بالدهون المشبعة والسكريات) بزيادة الالتهاب وتلف الأوعية الدموية، مما يؤثر سلبًا على صحة الدماغ.
• العوامل الاجتماعية والإدراكية: يمكن أن تساهم العزلة الاجتماعية ونقص التحفيز الذهني في زيادة خطر التدهور المعرفي، بينما تُعتبر اضطرابات النوم، مثل انقطاع التنفس أثناء النوم، عامل خطر إضافي.
تتطور أعراض الزهايمر ببطء وتزداد سوءًا مع التقدم في العمر، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل رئيسية، تعكس كل منها درجة مختلفة من التدهور المعرفي والوظيفي.
المراحل الإكلينيكية لمرض الزهايمر
1. المرحلة المبكرة (الخرف الخفيف)
تتميز هذه المرحلة بظهور علامات إكلينيكية دقيقة قد يلاحظها المريض أو المقربون منه. تشمل الأعراض المعرفية فقدان الذاكرة قصيرة المدى، مثل نسيان الأحداث الأخيرة أو المحادثات. يواجه الأفراد صعوبة في التخطيط، والتنظيم، وحل المشكلات، مما يؤثر على أداء المهام اليومية المعقدة مثل إدارة الشؤون المالية. كما تظهر صعوبات في التعبير اللغوي (anomia) ووضع الأشياء في غير مكانها. قد تحدث تغيرات طفيفة في المزاج أو السلوك، مثل زيادة القلق أو الانسحاب الاجتماعي.
2. المرحلة المتوسطة (الخرف المتوسط)
تصبح الأعراض في هذه المرحلة أكثر وضوحًا وتأثيرًا على حياة المريض. يزداد فقدان الذاكرة ليشمل تفاصيل شخصية مهمة، ويصبح الارتباك بخصوص الزمان والمكان شائعًا. يفقد الأفراد القدرة على أداء الأنشطة اليومية بشكل مستقل، مما يتطلب مساعدة متزايدة في العناية الشخصية. تظهر تغيرات سلوكية ونفسية أكثر حدة، مثل تقلبات المزاج، السلوكيات العدوانية، والشك المرضي، إلى جانب اضطرابات النوم. تصبح صعوبة التواصل أكثر وضوحًا، مما يعيق فهم واستخدام اللغة.
3. المرحلة المتأخرة (الخرف الشديد)
تُعد هذه المرحلة الأكثر شدة، حيث يفقد المريض معظم قدراته العقلية والجسدية. يصبح الاعتماد على الآخرين كليًا في جميع جوانب الحياة. تتدهور القدرة على التواصل إلى حد فقدان القدرة على الكلام، وتتأثر الوظائف الحركية الأساسية مثل المشي، الجلوس، والبلع. يعاني المرضى من سلس البول والبراز ويكونون عرضة للإصابة بالعدوى، خاصة الالتهاب الرئوي. يؤدي التدهور الشديد إلى فقدان الوعي الكامل بالبيئة المحيطة، مما يتطلب رعاية طبية شاملة ومستمرة.
الاستراتيجيات العلاجية والوقائية لمرض الزهايمر: دور التغذية والتدخلات غير الدوائية في إبطاء تقدم المرض وتحسين جودة الحياة”
حاليًا، لا يوجد علاج شافٍ لمرض الزهايمر. تركز العلاجات المتاحة على تخفيف الأعراض وإبطاء تقدم المرض. تشمل هذه العلاجات الأدوية التي تساعد في تحسين الذاكرة والوظائف المعرفية، بالإضافة إلى التدخلات غير الدوائية مثل العلاج السلوكي والمعرفي. ومع ذلك، هناك اهتمام متزايد بدور التغذية في الوقاية من المرض والتعامل معه.
أكدت الأبحاث العلمية أن التغذية السليمة تلعب دورًا محوريًا في الوقاية منه، تأخير ظهوره، وربما إدارة بعض أعراضه. يرتكز هذا الدور على آليات بيولوجية متعددة تشمل تقليل الالتهاب العصبي المزمن، ومكافحة الإجهاد التأكسدي، وتحسين صحة الأوعية الدموية الدماغية.
أنماط غذائية داعمة لصحة الدماغ والوقاية من التدهور المعرفي
تلعب الأنماط الغذائية دورًا حاسمًا في الحفاظ على صحة الدماغ وتقليل خطر الإصابة بالأمراض التنكسية العصبية مثل الزهايمر. تهدف هذه الأنماط إلى الحد من الالتهاب والإجهاد التأكسدي، وتعزيز صحة الأوعية الدموية الدماغية، وتوفير العناصر الغذائية الأساسية للخلايا العصبية.
1. النظام الغذائي المتوسطي (Mediterranean Diet) : يُعد هذا النظام نموذجًا غذائيًا راسخًا، حيث يركز على تناول الأطعمة النباتية مثل الفواكه والخضروات الغنية بمضادات الأكسدة. كما يعتمد على الدهون الصحية غير المشبعة من زيت الزيتون البكر الممتاز، والمكسرات، والأسماك الدهنية الغنية بأحماض أوميغا 3، وهي عناصر مهمة لدعم بنية الدماغ وسلامته الوظيفية.
2. نظام DASH الغذائي (Dietary Approaches to Stop Hypertension) : صُمم هذا النظام في الأصل لخفض ضغط الدم المرتفع، وهو عامل خطر معروف للتدهور المعرفي. يشجع على تناول الفواكه، والخضروات، والحبوب الكاملة، مع الحد من الصوديوم والدهون المشبعة، مما يساهم في تحسين تدفق الدم إلى الدماغ.
3. نظام MIND الغذائي (Mediterranean-DASH Intervention for Neurodegenerative Delay)
يجمع هذا النظام بين أفضل المبادئ من النظامين المتوسطي وDASH ، مع التركيز على الأطعمة التي أظهرت الأبحاث العلمية فعاليتها في دعم وظائف المخ.
مكونات نظام MIND الغذائي
يركز هذا النظام على تسع مجموعات غذائية تُعتبر “صديقة للدماغ” وخمس مجموعات يجب الحد منها:
الأطعمة الصديقة للدماغ التي يُنصح بتناولها:
1. الخضروات الورقية الخضراء: مثل السبانخ واللفت والجرجير. يُوصى بتناولها يوميًا لأنها غنية بفيتامينات K وE والفولات، وهي عناصر أساسية للحفاظ على صحة الدماغ.
2. الخضروات الأخرى: يُشجع على تناول مجموعة متنوعة من الخضروات الأخرى يوميًا.
3. التوتيات: مثل التوت الأزرق، والفراولة، والتوت الأسود. تُعتبر هذه الفاكهة غنية بمركبات الفلافونويد المضادة للأكسدة، والتي قد تساعد في تحسين الذاكرة.
4. المكسرات: يُنصح بتناولها يوميًا، خاصة الجوز، الذي يحتوي على أحماض أوميغا 3.
5. البقوليات: مثل العدس والفول والحمص. يُوصى بها عدة مرات أسبوعيًا.
6. الحبوب الكاملة: مثل الشوفان والأرز البني وخبز القمح الكامل.
7. الأسماك: وخاصة الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين، وذلك للحصول على أحماض أوميغا 3.
8. الدواجن: يُنصح بها مرتين على الأقل في الأسبوع.
9. زيت الزيتون: يُعتبر المصدر الرئيسي للدهون الصحية في هذا النظام.
الأطعمة التي يجب الحد منها:
1. اللحوم الحمراء: يجب تقليل استهلاكها.
2. الزبدة والسمن: يُفضل استبدالهما بزيت الزيتون.
3. الجبن: يُنصح بتقليله.
4. المعجنات والحلويات: يجب التقليل منها قدر الإمكان.
5. الأطعمة المقلية والسريعة: يجب تجنبها.
الفوائد العلمية لنظام MIND
أظهرت الدراسات أن الالتزام بنظام MIND الغذائي يرتبط بشكل كبير بانخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وجدت الأبحاث أن الأشخاص الذين اتبعوا هذا النظام الغذائي بدقة، انخفض لديهم خطر الإصابة بالزهايمر بنسبة تصل إلى 53%، بينما انخفض الخطر بنسبة 35% لدى من اتبعوه بشكل معتدل.
تكمن فعالية هذا النظام في عمله على عدة مستويات: فهو يوفر العناصر الغذائية الأساسية التي تدعم وظائف الخلايا العصبية، ويحارب الالتهاب المزمن والإجهاد التأكسدي، ويحسن صحة الأوعية الدموية الدماغية، وكلها عوامل رئيسية في الوقاية من التدهور المعرفي.
مكونات غذائية أساسية ومكملات
توجد مكونات غذائية محددة لها تأثيرات مباشرة على صحة الدماغ:
* أحماض أوميجا 3 الدهنية: تحديدًا ) EPA حمض الإيكوسابنتاينويك ) و DHA (حمض الدوكوساهكساينويك) الموجودة بكثرة في الأسماك الدهنية (السلمون، السردين، الماكريل) وزيت بذور الكتان والجوز. هذه الدهون ضرورية لبنية ووظيفة أغشية خلايا الدماغ وقد تقلل من تراكم بروتينات الأميلويد.
* مضادات الأكسدة: مثل فيتامينات E و C، والكاروتينات، والفلافونويدات الموجودة في الفواكه والخضروات الملونة (التوت، البروكلي، الفلفل). تحمي هذه المركبات خلايا الدماغ من التلف الناتج عن الجذور الحرة والإجهاد التأكسدي.
* فيتامينات B (خاصة B6، B9 (الفولات)، B12): تلعب دورًا في استقلاب الهوموسيستين، وهو حمض أميني يمكن أن تزيد مستوياته المرتفعة من زيادة خطر الإصابة بالجلطة الدماغية (Stroke) والنوبة القلبية (Heart Attack). يمكن العثور عليها في الخضروات الورقية، البقوليات، الأسماك، والدواجن.
* فيتامين D: يرتبط نقص فيتامين D بزيادة خطر الإصابة بالخرف. يمكن الحصول عليه من التعرض لأشعة الشمس، والأسماك الدهنية، وبعض الأطعمة المدعمة.
* الكيركومين (في الكركم): يمتلك خصائص قوية مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة، وتُجرى أبحاث حول دوره المحتمل في تقليل تراكم الأميلويد.
يمكن للتعديلات الغذائية المصممة خصيصًا أن تحسن بشكل كبير من جودة حياة مرضى الزهايمر وتساعد في إدارة التحديات المرتبطة بالمرض.
بالإضافة إلى الوقاية، يمكن أن تساعد التعديلات الغذائية في تحسين جودة حياة مرضى الزهايمر
نصائح غذائية لدعم مرضى الزهايمر
• الوجبات الصغيرة والمتكررة: غالبًا ما يجد مرضى الزهايمر صعوبة في تناول وجبات كبيرة. لذلك، يُنصح بتقديم وجبات صغيرة على مدار اليوم لضمان حصولهم على السعرات الحرارية والعناصر الغذائية الكافية.
• أطعمة سهلة المضغ والبلع: مع تقدم المرض، قد تتدهور القدرة على البلع والمضغ. يجب التركيز على الأطعمة المهروسة أو الطرية لتقليل خطر الاختناق، مع الحرص على أن تكون هذه الأطعمة غنية بالعناصر الغذائية.
• الترطيب الكافي: يعد الجفاف مشكلة شائعة لدى مرضى الزهايمر. من الضروري تشجيعهم على شرب الماء والسوائل بانتظام على مدار اليوم لمنع المضاعفات المرتبطة بالجفاف.
• بيئة هادئة أثناء الوجبات: يمكن أن تؤدي المشتتات مثل الأصوات العالية أو التليفزيون إلى صعوبة تركيز المريض على تناول الطعام. يُفضل توفير بيئة هادئة ومريحة للمساعدة في تحسين عملية التغذية.
• المراقبة الغذائية: يجب مراقبة وزن المريض بانتظام للتأكد من حصوله على كمية كافية من السعرات الحرارية لمنع سوء التغذية، والذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأعراض. يُنصح بالتشاور مع أخصائي تغذية لوضع خطة غذائية مناسبة.