د. آية التركي تكتب : التغيرات المناخية وتأثيرها على الصحة النباتية

12 نوفمبر، 2025 - بتوقيت 12:28 م
د. آية التركي باحث بقسم بحوث الفيروس والفيتوبلازما- معهد بحوث أمراض النباتات
تعتبر النباتات عصب الحياة ومحورها، فالنباتات من الكائنات الحية الأساسية لبقاء واستمرارية الحياة على سطح الأرض. تنتج النباتات ما يقرب من 98٪ من الأكسجين اللازم والذي تستهلكه الكائنات الحية في عملية التنفس، إلى جانب أنها تشكل حوالي 80٪ من السعرات الحرارية التي يحتاج إليها الإنسان يوميًا، ومما لا شك فيه أيضاً فالنباتات هي أساس السلسلة الغذائية للحيوانات، وأي خلل في كمية النباتات يؤثر سلباً على الثروة الحيوانية. وتأتي مناسبة الحديث عن أمراض النباتات بسبب تلك التغيرات المناخية التي يتعرض لها الكوكب وأثرها السلبي على الصحة النباتية، ومن جانب آخر فإن الوتيرة المتسارعة للاحتباس الحراري الناتج عن تغير المناخ سيجعل من الصعب السيطرة على الآفات وأمراض النباتات حيث تشير الدراسات إلى أننا نفقد سنويًا حوالي 40٪ من المحاصيل الغذائية بسبب الأمراض النباتية والآفات التي تلحق بها، وهذا وفقا لما صدر في تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) (FAO, 2024) ، هذا وتجدر هنا الإشارة إلى أن الإنسان أصبح عنصراً جوهرياً حيث يلعب الدور الأساسي في تلك التغيرات المناخية من خلال الأنشطة البشرية والتي تعزز من انتشار وانتقال الأمراض في النباتات وإحداث خلل في الخرائط المرضية.
وحين نبدأ الحديث عن التغيرات المناخية فإن المقصد منها هي تلك التحولات المستمرة طويلة الأجل في درجات الحرارة والطقس، وتحدث تلك التغيرات المناخية لأسباب طبيعية بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الإنفجارات البركانية. ولكن منذ القرن التاسع عشر بدأت الثورة الصناعية في النمو وبدأت الأنشطة البشرية في التزايد واعتُبِرت هي المحرك الرئيسي للتغيرات المناخية، ويرجع ذلك إلى حرق الوقود واستخدام الأسمدة والذي ينتج عنه تكوين وانبعاث الغازات الدفيئة (منها ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز والميثان والكلوروفلوركربون وغيرهم) التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري. ولكن لا يقف الأمر عند ارتفاع درجات الحرارة، بل يمتد الأثر السلبي للاحتباس الحراري إلى حدوث تغيرات في مستوى سطح البحر نتيجة لذوبان الجليد، الإضرار بالثروة السمكية وهذا نتيجة زيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون مما يؤدي إلى اختلاف درجات حموضة البحار والمحيطات، تغير ملحوظ في الرطوبة وفي معدلات سقوط الأمطار، وقد تتعرض بعض المناطق إلى فيضانات والأخرى إلى جفاف. ومن المتوقع قريبا صدور تقرير أممي بارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بما يصل إلى 3.1 درجة مئوية فوق مستويات عصر ما قبل الصناعة، وقد تستمر درجات الحراراة في التزايد والارتفاع ، كما أنه من المتوقع أن يسجل الارتفاع في درجات الحرارة إلى 4 درجات بحلول عام 2100 ، هذا ما لم يتم العمل على الحد من هذا الاحتباس الحراري وتقليل البصمة الكربونية وخاصة في الدول الصناعية الكبرى (Valone, 2021)
وبما أن دولة الصين تعتبر من أهم الدول الصناعية فقد ساهمت بأكبر حصة من الانبعاثات إذ أضافت 300 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، أي ما يزيد عن 27% من حجم الانبعاثات العالمية. في حين تعتبر مصر الدولة الثانية بين الدول الافريقيه بعد جنوب إفريقيا من حيث حجم الانبعاثات الكربونيه وتقدرانبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد في مصر (2.36 طن للفرد) بناءً على عدد السكان البالغ 112,618,250 نسمة في عام 2022 بزيادة قدرها 0.11 عن رقم 2.25 طن من ثاني أكسيد الكربون للفرد المسجل في عام 2021، كما تحتل مصر المرتبة الرابعة والعشرون بين دول العالم من حيث مساهمتها في الانبعاثات الكربونيه والتي تقدر ب 0.6% من حجم الانبعاثات العالميه (Abdellatif and Mohamed, .(2025 وبالتالي فإن الانبعاثات الكربونية ستظل في تزايد مستمر مما يضمن مزيدا من التدهور في التوازن البيئي ما لم يتم وضع آليات واستراتيجيات واضحة للتحكم السريع والفوري في الأسباب المؤدية إلى هذا الاحتباس الحراري.
العلاقة بين تغير المناخ وانتشار الأمراض النباتية
وأكدت الدراسات الحديثة أن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو والذي يؤدي إلى حدوث تغيرات مناخية يؤثر على الاستجابة المناعية للنبات وعلى مستوى الهرمونات النباتية، كما يؤثر بشكل مباشر على انتشار وانتقال الأمراض النباتية، حيث تؤدي إلى زيادة في حجم أعضاء النباتات، وزيادة عدد ومساحة الأوراق، ويزداد قطر السيقان والأوراق مما يزيد من فرص الإصابات بالأمراض النباتية لأن الفطريات والأمراض تنتشر أكثر في النباتات الكثيفة، كما تؤثر على التنوع البيولوجي، وقد تؤدي إلى انقراض بعض الأنواع النباتية. وتتعرض النباتات للإجهاد نتيجة للتغيرات المناخية من خلال زيادة معدل النتح والتنفس مما يزيد من وتيرة معدلات الهدم ومما يؤثر على قدرة النبات في مقاومة الأمراض الفيروسية، وتؤثر التغيرات المناخية من ارتفاع أوانخفاض في درجات الحرارة على معدل انتقال الأمراض وظهورها في أماكن لم تكن بها من قبل ، كما أن لها تأثيرا سلبيا على الصحة النباتية، فقد تؤدي إلى ظهورأمراض لم تكن موجودة وأعراض مرضيه جديدة. وتعتبر محاصيل الحبوب من أكثر المحاصيل الزراعيه تأثراً بارتفاع درجات الحرارة .( (Dusenge et al., 2019)
هذا و تؤكد جميع الدراسات(Andrew and Hill, 2017) الآن أن لتغير المناخ دورًا محوريًا وأساسيًا في انتشار الأمراض النباتية، حيث أثبتت أن تلك التغيرات لها تأثير واضح على الآفات الناقله للمسببات المرضية وانتشارها وتوزيعها وأنماط هجرتها المختلفه ونشاطها الحيوي والديناميكية المتبعة في تكاثرها. كما تؤدي ارتفاع درجات الحرارة الناتجة عن الاحتباس الحراري إلى زيادة استهلاك الحشرات للطاقة وزيادة نشاطها وتغير في سلوكها الغذائي مما يؤدي إلى زيادة معدلات تلف وتدمير النباتات. كما أدت التغيرات المناخية إلى التوسع في انتشار بعض أنواع من الحشرات مثل سوسة النخيل الحمراء وذبابة الفاكهة والجراد الصحراوي والبعوض والذباب، كما أدت إلى تراجع أعداد وانتشار أنواع أخرى من الحشرات مثل النحل والفراشات. هذا وقد حذرالاتحاد الدولي لحماية الطبيعة من خطر الانقراض الذي قد تواجهه بعض الحشرات مثل حشرة اليعسوب وحشرة الدامسيلفلاي.
وكما أن الارتفاع في درجات الحرارة الناتج من الاحتباس الحراري يؤثر سلباً على نمو النباتات فهو يؤثر أيضا على معدلات انتشار وتطور وتكاثر الفطريات الممرضة للنبات كما هو الحال في انتشار أمراض الأصداء التي تزايدت في الآونة الأخيرة. كما يؤثرهذا الاحتباس الحراري على كفاءة الفطريات الجذرية ويقلل من قدرتها وكفائتها في المساهمة بدورها الفعال في مساعدة النبات على امتصاص العناصر الغذائية (Raza and Bebber, 2022).
قد يصاحب ارتفاع درجات الحرارة ارتفاع في رطوبة الجو، تلك الرطوبة تزيد من فرص الإصابة بالأمراض التي تنتقل عن طريق التربة وأعفان الجذورمن خلال زيادة نشاط الفطريات والبكتيريا. كما تؤدي أيضا إلى زيادة قدرتها على مقاومة المبيدات (Jones and Barbetti, 2012.)
كما تؤثر تلك التغيرات المناخية على النواقل الفيروسية سواء كانت نواقل حشرية أوحشائش والتي قد تؤدي إلى حدوث اختلاف في توزيع الإصابات االفيروسية على النباتات. هذا وتعتبر أغلب الفيروسات النباتيه تحمل حمضاً نووياً من النوع RNAوالتي تتميز بقدرتها العالية على التكيف مع التغيرات المناخية وذلك لأنها نظرا لزيادة معدل الطفور وهذا من خلال تعديل الحمض النووي سواء من خلال إضافة أو حذف أو استبدال القواعد النيتروجينية مما يكسبها صفات جديده تزيد من قدرتها على التكيف مع الظروف المناخية ويؤدي إلى ظهور سلالات فيروسية جديدة تكون أكثر تكيف وأكثر ضراوة. وكان لهذا أثراً سلبياً كبيراً حيث يؤدي هذا الاختلاف والطفور إلى ظهور أعراض مرضية جديدة للإصابة الفيروسية على النباتات مما يزيد من خطورة الإصابة ويقلل من فرص المقاومة (Trebicki, 2020) .
ولهذا وجب علينا وضع خطط واستراتيجيات جديدة لتقليل تلك الآثار السلبية والخسائر التي تتعرض لها المحاصيل الزراعية والحد من الخسائر الاقتصادية والحفاظ على الأمن الغذائي. تتحقق تلك الاستراتيجيات من خلال العمل على إيجاد واختيار أصناف جديدة قدرتها أكبر على تحمل تلك التغيرات المناخية من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة والملوحة ، ومحاولات انتقاء أصناف جديدة مقاومة للأمراض واللجوء إلى تطوير برامج المكافحة الحيوية.



