د.ابراهيم عبدالباقي يكتب : منتجات الألبان كاملة الدسم تقلل من خطر الإصابة بالخرف

29 ديسمبر، 2025 - بتوقيت 11:38 ص

د. إبراهيم عبد الباقي أبوعِيانة – مركز البحوث الزراعية – معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية

 

 

لطالما هُوجمت منتجات الألبان كاملة الدسم، وتوالت التحذيرات من أخطارها علي الصحة العامة، حتي تطلع علينا دراسة لتوقع شهادة براءتها من هذه التُهم، بل وتؤكد جدارتها في تقليل خطر الاصابة بمرض “الخرف”. امتدت هذه الدراسة أكثر من ربع قرن تم فيها تتبع المشاركين طوال هذه 25 عامًا، لتحسم نتائجها ذاك الجدل، وتتحدى نصائح استمرت لعقود حول تجنب الدهون الحيوانية (خاصة دهن الحليب).بل تمنح منتجات الألبان كاملة الدسم (الدهن) لمتناوليها ميزة خاصة وهي الحماية من خطرالإصابة بالخرف في مراحل لاحقة من العمر. وبرغم أن هذه النتائج تشير إلى وجود ارتباط قوي بين تناول هذه المنتجات وتقليل الإصابة بالخرف، ولكنها ليست علاقة سببية، لكنها تفتح بابًا لدراسات أكثر عمقًا.

نقاط تعريفية:

الأجبان الغنية بالدهن: هي التي تحتوي على أكثر من 20% دهن فأكثر، وتشمل أنواع: الجودا(40-48%)، كاملة الدسم (35-40%)، بري والكممبر (30-35%)، شيدر (33-35%)، الجبن ريكفورد ((%30-33، السويسري وايدام (28-30%(، بروفولون (26-28%)، Chèvre (24-26%)، فيتا(21-24%)، موزاريلا وبارميزان (20-22%). أما القشدة عالية الدسم فيتراوح بها الدهن بين 30-60%، وتُباع غالبًا تحت مسميات قشدة خفق أو مختمرة “كاملة الدسم” أو “عالية الدسم”.

الخرف: مصطلح عام يصف مجموعة من الأعراض المرضية المرتبطة بتراجع الوظائف الإدراكية بشكل حاد لدرجة تعيق الحياة اليومية، يرتبط الخرف عادةً بفقدان الذاكرة، و قد يؤثر أيضًا على مهارات اللغة، وحل المشكلات، والقدرات الإدراكية الأخرى. على الرغم من أن الخرف أكثر شيوعًا بين كبار السن، إلا أنه قد يصيب أيضًا الشباب، ويُعرف حينها بالخرف المبكر.

أظهرت الدراسة أن المشاركين الذين تناولوا 50 غرامًا أو أكثر من أنواع الجبن الغني بالدهن يوميًا انخفض لديهم خطر الإصابة بالخرف بنسبة 13% مقارنةً بمن تناولوا أقل من 15 غرامًا يوميًا. كما انخفض خطر الإصابة بالخرف لدى من تناولوا 20 غرامًا على الأقل من القشدة كاملة الدسم يوميًا، بنسبة 16% تقريبًا مقارنةً بمن لم يتناولوا القشدة. لم يجد الباحثون أي صلة مماثلة بين تناول منتجات الألبان خالية الدسم أو حتي منخفضة الدسم وبين الحماية من الخرف وانخفاض نسبته.

منتجات الألبان كاملة الدسم وخطر الإصابة بالخرف

لقد أثّر الجدل الدائر حول الأنظمة الغذائية عالية الدسم مقابل منخفضة الدسم على النصائح الصحية، حتى أنه صُنِّف منتجات الألبان الغنية بالدهن أحيانًا ضمن الأطعمة غير الصحية التي يجب الحدّ من تناولها. وقد وجدت الدراسة واسعة النطاق 25) سنة) أن بعض منتجات الألبان عالية الدسم قد تُقلل في الواقع من خطر الإصابة بالخرف، مما يُشكك في بعض الافتراضات السائدة حول الدهون وصحة المخ .

كيف تابعت الدراسة المشاركين على مدار الزمن

قام فريق البحث بتحليل بيانات غذائية وصحية لـ 27670 بالغًا في السويد. في بداية الدراسة، كان متوسط ​​أعمار المشاركين 58 عامًا. تمت متابعتهم لمدة 25 عامًا تقريبًا، شُخِّص خلالها 3208 ((11.59% أشخاص بالخرف.

لتتبع عادات الأكل، سجّل المشاركون كل ما تناولوه على مدار أسبوع. كما أجابوا على أسئلة حول عدد مرات تناولهم لأطعمة محددة خلال السنوات السابقة، وناقشوا مع الباحثين طرق تحضير طعامهم.

تناول الجبن ونتائج الخرف

ركز جانب من التحليل على الإستهلاك اليومي للجبن عالي الدسم، حيث قارن الباحثون بين الأشخاص الذين تناولوا 50( 1.8أونصة)، غرامًا أو أكثر يوميًا مع أولئك الذين تناولوا أقل من 15 غرامًا يوميًا. مع العلم أن الحصة النموذجية من الجبن حوالي 30جم/ يوم. وجد الباحثون أن زيادة استهلاك الجبن مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بالخرف بنسبة 13%.

عند دراسة أنواع محددة من الخرف، كانت العلاقة أقوى بالنسبة للخرف الوعائي. إذ انخفض خطر الإصابة بهذا النوع بنسبة 29% لدى الأشخاص الذين تناولوا كميات أكبر من الجبن عالي الدسم.

كما لاحظ الباحثون انخفاضًا في خطر الإصابة بمرض الزهايمر بين المشاركين الذين تناولوا كميات أكبر من الجبن عالي الدسم، ولكن هذا النمط لوحظ فقط لدى من لا يحملون متغير جين APOE e4، وهو عامل خطر وراثي لمرض الزهايمر.

الكريمة (القشدة) عالية الدسم وخطر الإصابة بالخرف

تناولت الدراسة أيضًا استهلاك الكريمة عالية الدسم. وقارن الباحثون بين الأشخاص الذين تناولوا 20 جرامًا أو أكثر يوميًا مع أولئك الذين لم يتناولوا أي كمية من الكريمة. 20) جرامًا من الكريمة عالية الدسم تعادل تقريبًا ملعقة ونصف كبيرة من كريمة الخفق الثقيلة. ويُوصى بتناول 1.5 -2ملعقة كبيرة). بعد إجراء تعديلات مماثلة لعوامل الصحة ونمط الحياة، وجد الباحثون أن الاستهلاك اليومي للكريمة عالية الدسم يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالخرف بنسبة 16% مقارنةً بعدم استهلاكها.

الاختلافات بين منتجات الألبان

لم تُظهر جميع منتجات الألبان نفس العلاقة مع خطر الإصابة بالخرف. فلم يجد الباحثون أي ارتباط بين الخرف واستهلاك الجبن منخفض الدسم، أو الكريمة منخفضة الدسم، أو الحليب الخالي من الدسم أو قليل الدسم، أو الحليب المخمر منخفض الدسم، الذي يشمل الزبادي والكفير واللبن الرائب ، مع ذلك أشارت بحوث أخري لتأثيرات أيجابية للألبان المختمرة تحد من فرص الاصابة بالخرف.

محددات الدراسة والبحوث المستقبلية

من محددات الدراسة أن جميع المشاركين يتناولون الجبن نيئًا، بينما في الولايات المتحدة مثلًا، يُسخّن الجبن عادةً أو يُؤكل مع اللحوم. ونظرًا لهذه الاختلافات، قد تختلف النتائج بناءًا العادات الغذائية وطرق الطهي المختلفة مما يستدعي ضرورة إجراء دراسات مماثلة تشمل طرق تناول منتجات الألبان في مناطق مختلفة.

تفسير النتائج

أرجع الباحثون هذه التأثيرات الايجابية لثراء دهن الحليب بالأحماض الدهنية عديدة عدم التشبع ذات التاثيرات الوقائية، حيث يُعد المخ ثاني أغنى عضو بالدهون بعد الأنسجة الدهنية، حيث تُشكل الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة % 35من دهون المخ. يُعد التخليق الحيوي للأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة في المخ منخفضًا جدًا، لكن يتم تخليق معظمها في الكبد، على الرغم من أن مساهمة النظام الغذائي حاسمة أيضًا وتعتمد بشكل أساسي على الألبان والأسماك الدهنية، والذي غالبًا ما يكون أقل من الكمية اليومية الموصى بها.

أكثر الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة وفرةً في الدماغ هي حمض الأراكيدونيك أوميغا-6 وحمض الدوكوساهيكسانويك أوميغا-3، وهما من مكونات الفوسفوليبيدات في أغشية الخلايا العصبية. يُعدّ حمض الدوكوساهيكسانويك (DHA) من نوع أوميغا-3 ضروريًا للحفاظ على سلامة أغشية الخلايا، وبالتالي نفاذية الأيونات عبرها، واستثارة الخلايا العصبية، ونشاط الميتوكوندريا، ووظائف المشابك العصبية. لذا، يُعتبر DHA بالغ الأهمية للنمو الطبيعي للجهاز العصبي المركزي، ونقصه قد يُضعف وظائف المخ، مُسببًا اضطرابات نفسية عصبية كالإكتئاب والخرف.

كذلك فالأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة (PUFA) الغذائية تعمل كمنظم للطاقة في الوظائف الإدراكية، وتؤثر بشكل خاص على المناطق المشبكية، وبالتالي تلعب أدوارًا حاسمة في المشابك العصبية، فتحافظ علي وظائف المخ خاصة الادراكية والذاكرة وكل أعراض الخرف.