طالبوا بالضرب بيد من حديد على أيدى المخالفين …علماء الأزهر : البناء على الأراضي الزراعية حرام شرعاً

21 سبتمبر، 2020 - بتوقيت 1:46 ص

 

تواصل الدولة جهودها لمواجهة التعديات على الأملاك العامة ووقف البناء المخالف على الأراضى الزاعية وحددت الحكومة 30 سبتمبر الجارى كآخر موعد للتصالح فى المخالفات وإلا ستكون الإزالة الفورية هى مصير كل العقارات المخالفة .
والبناء على الأراضى الزراعية كارثة قومية، تؤدى الى فقدان الاف الأفدنة سنويا وتراجع الانتاج مما يهدد بنفص الغذاء والاستيراد من الخارج .
علماء الأزهر من جانبهم أكدوا أن التعدي على الأراضي الزراعية بالبناء فيها لا يجوز شرعًا .
وقالوا ان التعدي على الأراضي الزراعية يؤدي إلى ضرر عظيم، قد يهلك به الإنسان والحيوان .
وأوضح العلماء ان درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة مشيرين الى أن البناء على الأراضى الزراعية والتعدى على الأراضى الحكومية يؤدى الى ضرر عام بالمجتمع وبالتالى فهو حرام .

كانت دار الإفتاء المصرية، قد أكدت أن التعدي على الأراضي الزراعية بالبناء فيها لا يجوز شرعًا؛ لأن ذلك يؤدي إلى ضرر عظيم، قد يهلك به الإنسان والحيوان .
وقالت الدار، في فتوى لها، أن التعدي على الأراضي الزراعية هو عكس مراد الشرع الذي حث على الزرع والغرس، ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ). وقوله: (إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا)”.
وحول من يدعي أنه إنما يبني في ملكه وأرضه الخاصة، أكدت الدار أن هذا الأمر يؤدي إلى ضرر عام بالمجتمع فهو حرام، ولو تضرر صاحب الأرض من عدم البناء وجب عليه أن يتحمل الضرر الأصغر مقابل دفع الضرر الأكبر .
وأضافت، أن للحاكم تقييد المباح للضرورة العامة، فإذا منع ولي الأمر البناء على الأراضي الزراعية فله ذلك، لما جاء في الحديث أن الصحابة الكرام قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يَا رَسُولَ اللهِ نَهَيْتَ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا).. فإذا منع ولي الأمر مثل هذا كان هناك معنى زائد في المنع؛ إذ ولي الأمر منوط به أن يتصرف بما فيه مصلحة الرعية .

كارثة قومية

حول جهود الدولة للتصدى لهذه الكارثة قال المستشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، ان مخالفات البناء أصبحت الشغل الشاغل للدولة المصرية، لأن 12% من مساحة الأراضي الزراعية فقدت بسبب البناء المخالف، وهو يمثل كارثة قومية، مشيرا الى أن تلك الأرض هي التي تنتج لمصر الغذاء، خاصة مع تزايد أعداد السكان، ولجوء الدولة لاستصلاح أراضي جديدة بديلة يكلف الكثير من الأموال.
واشار الى ان بعض الأرقام تقول إن هناك 3 ملايين مخالفة فى البناء، والباب مفتوح حتى نهاية الشهر من أجل تلقى طلبات التصالح .
وأضاف “سعد” أن قانون التصالح فى مخالفات البناء به ” لجنة تظلمات” يستطيع أى شخص أن يلجأ لها إن كان متظلما من قيمة التصالح كونها تضمن العدالة وعدم وجود مغالاة فى تطبيق القانون.
وشدد على أنه بعد 30 سبتمبر، سيتم قطع الخدمات عن الوحدات المخالفة أو إزالتها حال عدم التصالح، مشيرا الى أن هذا الملف لا يحتمل المد كونه قضية تهدد الأمن القومى وتنفيذ القانون بها لا يمثل أى مبالغة .
وأكد سعد إن طلبات التصالح فى مخالفات البناء تجاوزت حتى الآن 600 ألف طلب، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء أكد ضرورة التعامل الفوري مع مخالفات البناء،
وشدد على أنه سيجرى التعامل معها ولن يتم قبول طلبات صلح بعد المهلة التي منحتها الحكومة للمواطنين بنهاية شهر سبتمبر .
وكشف سعد عن الدفع بوحدات متابعة المخالفات لأول مرة، تمكن الدولة من رصد أي بناء مخالف، حيث يتم دراسة الحالة من خلال الوحدة المركزية، ويجرى التعامل الفوري مع المخالفة، وستدعم تلك المنظومة بالتابلت للإسراع في الإبلاغ عن المخالفة، مشيرا إلى أنه خلال 48 ساعة سيتم التعامل مع المخالفة وإزالتها على الفور .
وقال إن هيئة المساحة العسكرية وفرت الكثير من المعلومات الهامة في هذا الشأن مؤكدا أن الموطفين الذي سيعملون في وحدات رصد المخالفات سيجرى تدريبهم على أحدث الوسائل والنقاط القانونية .

درء المفسدة

وقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ان من القواعد التي قررتها الشريعة أن درء المفسدة مُقدَّمٌ على جلب المصلحة، مشيرا الى أن الشريعة راعت ترتيب المصالح وترتيب المفاسد عند التعارض، وترتيب المصالح يكون بتقديم أكثرها نفعًا، كما أن ترتيب المفاسد يكون بتقديم أقلها ضررًا .
وأكد د.جمعة أن الشرع قَدَّم تحصيل مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد عند التعارض، كما قَدَّم دفع المفسدة التي تلحق بالمجموع على دفع المفسدة التي تلحق بالفرد عند التعارض.
وأشار الى أن هذه القاعدة تنطبق على البناء على الأراضى الزراعية موضحا انه حتى بِناءُ مسجدٍ على أرضٍ زراعيةٍ بالمخالفة للقانون أو بالتحايل عليه أمرٌ غيرُ جائزٍ شرعًا .
وأصاف د.جمعة : الحرمة تكون أشد إذا كان هذا البناء ذريعةً لاستِباحة بناء ما حوله من الأراضي الزراعية .
وأوضح أن هذه الحرمة ترجع الى ما فى ذلك من إهدارٍ للثروة الزراعية التي هي ركنٌ في الاقتصاد القومي، وبالتالي يضر بالمجتمع كلِّه .
ولفت د.جمعة الى مخالفة هذا الفعل ايضا لولي الأمر المنوط به تحقيق مصالح العباد والبلاد، وليس لله تعالى حاجة في بناء بيتٍ لا يقصد به وجهه ويضر بمصالح عباده ومعاشهم.

3 صور

وقال الشيخ فكرى حسن اسماعيل وكيل وزارة الأوقاف الأسبق ان الاعتداء على الأراضي الحكومية أو أملاك الدولة له صورتان:
الأولى: الاعتداء بالإتلاف: والحكم في هذه الحالة تغريم المتلف قيمة الضرر الذي ألحقه بالأرض لقاعدة الغرم بالغنم
الثانية: الاعتداء بالغصب والاستيلاء: والحكم في هذه الصورة هو ردّ الأرض المغصوبة للدولة؛ لما ورد في تحريم الاعتداء على المال العام، والأراضي الحكومية جزء منه.
وأشار الشيخ فكرى الى أن هناك صورة ثالثة تتمثل فى الاعتداء على الأراضي الحكومية بالغصب ثمّ البناء فيها، أو غرس الشجر، وفي هذه المسألة اختلف الفقهاء على ثلاثة مذاهب على النحو التالي:
المذهب الأول: إن البناء يهدم، ويقلع الغرس والشجر، وعلى الغاصب أجرة الهدم، وتعويض النقص الذي حصل في الأرض نتيجة فعله، وهذا قول الشافعية والحنابلة.
المذهب الثاني: لولي الأمر أن يبقي البناء أو الغرس، ويدفع قيمته للغاصب منقوضاً، وله أن يطلب من الغاصب أن يهدم البناء ويقلع الشجر، وهذا مذهب المالكية .
المذهب الثالث: يهدم البناء ويقلع الشجر بطلب من ولي الأمر، إلا أن يكون الهدم أو قلع الشجر مضراً بالأرض، فإذا كان كذلك أو كانت قيمة الأرض أقل من قيمة البناء والشجر، فإن ولي الأمر يدفع قيمته للغاصب، وهذا مذهب الحنفية .
وأكد أن مذهب الحنفية هو الراجح فى هذه المسألة لأنه يوازن ما بين مصلحة الجماعة التي تعود ملكية الأرض المعتدى عليها لهم، وبين مصلحة الغاصب الذي قد يظلم لو كانت قيمة الأرض التي غصبها أقل من قيمة البناء أو الشجر الذي غرس عليها.
وطالب الشيخ فكرى الجهات المسئولة ببذل كل المستطاع من أجل الحفاظ على الأراضي الحكومية باعتبارهه وصية عليها شرعاً مشددا على ضرورة توعية عامة الناس بحرمة الاعتداء على الأراضي الحكومية .
وأشار الى ضرورة وضع آليات فاعلة للحفاظ على الأراضي الحكومية وعدم الاعتداء عليها وتعزيز الرقابة على الأراضي الحكومية، ومتابعة أحوالها، وعدم ترك فرصة لأي إنسان لوضع يده عليها
زدعا الشيخ فكرى الى ضرورة تعميم الأحكام المتعلقة بحرمة الاستيلاء على الأراضي الحكومية ونشرها على العامة بكل وسائل النشر المتاحة.

زمام المباني

ويري عادل الحميلي باحث بملف حقوق الملكية بالمركز المصري أن القانون الجديد بالإضافة إلى قانوني البناء الموحد والتصالح في مخالفات البناء، قد يشكل فرقا كبيرا في الحفاظ علي الحيازات العمرانية وإدخالها في زمام المباني القانونية والمرخصة، بالإضافة إلي تقليل نشاط البناء بشكل مخالف وبشكل عام تحجيم القطاع الغير رسمي والقضاء عليه، مشيرا الى أن حوالي 70 إلى 90% من المباني في مصر غير مرخص، يقع أكثرها في القرى .
وحول الحل الأمثل للحفاظ الأرض الزراعية أشار الحميلى إلى عدة نقاط، أولها أن القطاع العمراني أصبح بمثابة إستثمار أكثر ربحية من القطاع الزراعي، لذا يتجه كثير من أصحاب الأراضي للبناء ويتركون الإستصلاح الزراعي للأرض، خصوصاً وأن إجراءات القانون 119 لسنة 2008 لا يتم العمل بها بشكل فعّال
وقال ان العقوبات والغرامات يتم الطعن عليها في عملية قد تأخذ عدة سنوات، يكون صاحب الأرض الزراعية خلالها قد بدأ بالفعل في السكن بالعقار المبني، بالإضافة إلى أن الأرض أصبحت غير قابلة للزراعة بسبب عملية البناء والتجريف، .
وأضاف الحميلى : إذا إستثنينا أصحاب الأراضي المتعدين للقيام بإستثمار العقارات، هنالك شريحة أخرى من المتعدين علي الأراضي الزراعية تقوم بذلك من أجل توفير مسكن مناسب لهم، والحجة القوية أن هذه الأراضي مِلك لأصحابها، لذا تكون لهم أحقية التصرف فيها بما يناسبهم.
وإشار إلى أن الدراسات التي تم إجرائها أكدت أن التعديات على الأراضى بالدلتا ووادى النيل تشكل مخاطر كبيرة بعد أن اثبتت هذه الدراسات أن التعديات بلغت نحو 78،5% في محافظتي القليوبية والمنوفية، وأوضحت النتائج أيضًا أن هناك تناقصًا كبيرًا في الأراضي بين فرعي الدلتا تعادل 128 ألف و521 فدان خلال الفترة من 1984 وحتى 2010، مقابل زيادة في مساحات المباني بلغت 127 ألف و821 فدان. وأكدت النتائج المقامة لحساب التغير في المساحة التي حددتها بيانات 1984 والمقابلة لها عام 2007 تناقص المساحة المزروعة بمساحة تعادل 297 ألف و981 فدانًا وزيادة في المبانى والإنشاءات تعادل 297 ألف و764 فدان مما يدل على تآكل مستمر للأراضى الزراعية القديمة
وأوضح الحميلى أن التقرير الرسمي لحماية الأراضي بوزارة الزراعة، حول مخالفات التعديات على الأراضي الزراعية، كشف أن إجمالى عدد حالات التعديات بلغت مليون و270 ألف حالة بإجمالي مساحة 55 ألف و355 فدانًا، ويزيد عدد المنازل والمنشآت التي أقيمت على هذه المخالفات على مليون و800 ألف منزل.
وخلص الى القول ان القانون المقترح لن يكون هو الحل المناسب للحفاظ علي الرقعة الزراعية، لأنه حتى وإن تمت إزالة للمباني التي تم بنائها، فإن الأرض ستكون فقدت خصوبتها ولن تصلح للزراعة مرة أخرى وهو ما ينعكس بالسلب على توفير إحتياجاتنا من الغذاء خصوصًا في السنوات القادمة.
وطالب الحميلى بعمل احوزة عمرانية جديدة كبديل لتطبيق العقوبات على المخالفين، حيث أن الوضع الفعلي بالنسبة لأصحاب الأراضي غير  منصف تماماً، فنجد أن صاحب الأرض يقوم بالبناء عليها لعدم قدرته على إيجاد حيز سكني له. لذا يجب عند تعديل القانون رقم 53 لسنة 1966 والمعدل بقانون 116 لسنة 1983، أن يقام في التعديل بديل للغرامات والمخالفات وإستبدالها ببنود تخطيط إستراتيجي للظهير الصحراوي لتوفير الحيازات السكنية، وبنود للمصالحة مع الوضع الحالي وعن طريق توفير حلول أكثر فاعلية من مجرد منع أصحاب الأراضي من التصرف في ملكياتهم وذلك كتوفير المستلزمات اللوجيستية اللازمة للزراعة مثل المبيدات عالية الجودة، والتقاوي ونظم الري المتطورة كالتنقيط، للبعد عن المياه الملوثة بمياه الصرف، كل ذلك يساهم في خروج الأرض الزراعية من ضمن الفئات الإنتاجية المنخفضة والتي تدفع المزارع للبناء عليها بدلًا من زراعتها وفي نفس الوقت تحافظ على حقه في التصرف في ملكيته كما يشاء وبما يضمن مصلحته
وشدد على ضرورة إدخال الإستصلاح الصحراوي في بنود التخطيط المساهِمة للقانون لأنه حل في غاية الفاعلية، مع الإستعانة بالجمعيات الأهلية والمجتمع المدني لتوفير وعي زراعي وقانوني للمزارعين من أجل الحفاظ على الرقعة الزراعية بشكل فعّال عن طريق رفع الوعي ومنح مميزات لأصحاب الأراضي الزراعية وليس منع المواطنين من التصرف في ملكياتهم وفرض عقوبات عليهم .