د فوزي ابودنيا يكتب : في ظل ارتفاع سعر البروتين الحيواني، هل يمكن أن يكون بروتين البقوليات جزء من الحل؟

15 فبراير، 2024 - بتوقيت 11:47 ص

 

المدير السابق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني

 

من خلال تتبع الدور المركب للبقوليات من حيث تغلبه على التغيرات المناخية وتوفيره للبروتين ودوره الهام في تحسين التربة، ومع حلول اليوم العالمي للبقوليات يأتي رمضان على الأبواب، وعلينا أن نعترف أننا حولناه الى شهر لتناول الطعام. فماذا نفعل في ظل ارتفاع الأسعار للمصادر البروتينية في الأسواق خاصة مع زيادة الطلب عليها في الشهر المبارك. نحاول هنا أن نرسم صورة عامة عن البقوليات مع ذكرى يوم البقوليات العالمي والاهتمام بدور البقوليات كمصدر هام لتوفير البروتين للإنسان.

البقوليات على الساحة العالمية

 

يوافق يوم، العاشر من فبراير، الاحتفال العالمي بيوم البقوليات إقرارًا بما تزخر بها البقول من إمكانات لمواصلة تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، حيث تعمل المنظمة، بمساعدة الحكومات والقطاع الخاص والأعضاء والمنظمات الشريكة والجمهور، على تيسير الاحتفال بهذا اليوم العالمي ودعم إنتاج البقول واستهلاكها كجزء من النظم الغذائية المستدامة والأنماط الغذائية الصحية. ويأتي ذلك بعدما قررت جمعية الأمم المتحدة تخصيص هذا اليوم في عام 2019، بهدف الاعتراف أن البقول مثل العدس والفاصوليا والفول غذاء عالمي نظرا لما تمثله من أهمية في غذاء البشر وأيضا التربة الزراعية. 

ويتيح هذا الاحتفال فرصة فريدة لرفع مستوى وعي الناس بالبقول والدور الأساسي الذي تضطلع به في التحوّل إلى نظم زراعية وغذائية أكثر كفاءة وشمولًا واستدامة وقدرة على الصمود من أجل إنتاج أفضل وتغذية وبيئة أفضل وبالتالي حياة أفضل، دون ترك أي أحد خلف الركب.

من المؤكد أن اتباع النظام النباتي في غذاء البشر لا يسبب أي ضرر، لكن مشكلة البقوليات في أن أي منها غير مكتمل في محتوياته من البروتين على جميع الأحماض الأمينية خاصة الضرورية للجسم، لذا يفضل للنباتيين التنوع في البقوليات التي يتناولونها، وذلك لتوفير الأحماض الأمينية التي يحتاجها الجسم. 

بالرغم من كل ما سبق، تطل علينا هذه الآونة حالة من الانفلات في أسعار البروتين الحيواني والذي يأتي مع عدم قدرة الكثيرين خاصة الفقراء على عدم توفير احتياجاتهم وأطفالهم من البروتين اللازم للحياة.

في الواقع لا توجد توصية واحدة تناسب جميع البشر بشأن كمية البروتين التي يجب أن تناولها يوميا في نظام غذائي. بل يتم تحديد الكمية اليومية الموصي بها للبروتين من خلال عدة عوامل، على سبيل المثال لا الحصر: الوزن ومستوى النشاط والعمر وكتلة العضلات. ويتم حساب المتطلبات التقديرية المحددة للبروتين بواقع 0.8 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم يوميا.

إن السمعة السيئة المصاحبة للبقوليات والمتعلقة بتسببها في الغازات عائدة على مجموعة من السكريات المعقدة والمسماة “أوليجوساكاريد” (Oligosaccharides) والتي لا تستطيع إنزيمات الهضم لدي البشر تفكيكها. ولذلك، تقوم البكتيريا المعوية بتخمير هذه السكريات أثناء الهضم، ما يتسبب عنه إنتاج الغازات في القناة الهضمية للإنسان. ولكن لحسن الحظ، يمكن التحكم بإنتاج الغازات من خلال طريقة ومدة طبخ البقوليات، بالإضافة إلى بعض المكونات الإضافية التي يمكن استخدامها معها أثناء الطبخ.

البقول وقدرة التكيف على التغيرات المناخية

للبقوليات قدرة هائلة على التكيف مع البيئات الزراعية المتنوعة وبالتالي فهي تسهم في إيجاد طرق جديدة للتغلب على التأثيرات المناخية التي تدمر المشهد الزراعي. على الجانب الأخر وففي هذه الظروف والتي يغلب عليها الاعتماد على الاستيراد للبقول في الدول المنتجة للقمح حيث تستورد ما يقرب من نصف احتياجاتها للبقول، حيث تعد بعض البلدان مستهلكة بشكل كبيرة للبقول، فإنها تتجه الآن لتحقيق الاكتفاء الذاتي من البقول والذي يتطلب مساحة صغيرة من الأرض للزراعة التي يمكن اقتطاعها من مساحة القمح. وبمرور الوقت، فإن مثل هذا التحول من شأنه أن يخفف الضغوط المفروضة على واردات المحاصيل الأخرى، فضلا عن إعادة تأهيل الأراضي المتضررة بسبب زراعة القمح على نطاق واسع، مما يقدم حجة طبيعية ومقنعة لإعادة تقييم أولويات المحاصيل. ولكن كيف يمكننا إقناع المزارعين بهذه الدول والذين يعانون من ضائقة مالية باتخاذ هذه الخطوة نحو المجهول؟

لا يزال إدخال البقول إلى التيار الرئيسي يمثل تحديًا، فمن الصعب تفكيك الدوافع الثقافية والتجارية. واليوم، أصبحت المحلات التجارية، والنقل، والتجارة، بل والاقتصادات الزراعية بأكملها مبنية على الأرز والذرة والقمح، وهي المحاصيل الثلاثة التي توفر المواد الغذائية الأساسية لنحو 80 % من سكان العالم. ويبدو أن القمح أيضًا يمارس قبضته الخانقة على الدوافع الثقافية. من شوارع باريس الصاخبة إلى القرى الريفية في الهند، أصبحت أهمية خبز القمح في الثقافات المختلفة منسوجة في نسيج الحياة اليومية، مما يعكس ليس فقط تقاليد الطهي ولكن أيضًا السياقات الاجتماعية والدينية والتاريخية.

ولم تحظى البقول، إلى جانب “المحاصيل المهملة” الأخرى، بأولوية كافية حتى الآن من قبل صناع السياسات. إن الإصلاح الشامل لهذه المعايير التجارية والثقافية يعني حدوث تحول جذري في النظام الغذائي بأكمله من المزرعة إلى المائدة. ولحسن الحظ، لتحقيق هذه الغاية، لدينا بالفعل أدوات قوية تحت تصرفنا. يتمتع علماء الزراعة بالقدرة على بناء أهرامات جينية مستقرة ذاتية التعزيز ــ مما يوفر مقاومة أفقية لمسببات الأمراض المتعددة خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تفرض سيطرتها الآن على النشاط الزراعي. إن استخدامنا المتزايد لنماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، باستخدام عقود من البيانات السابقة تجعل من الممكن التنبؤ بتأثيرات درجات الحرارة المستقبلية على المحاصيل.

مسلحين بابتكارات تغير قواعد اللعبة ومدعومة بالأبحاث، فإن علماء الزراعة يعملون بجد الآن على المحاصيل المهملة وهو جزء من التزامنا الثابت كعلماء زراعة بأنظمة زراعية أكثر مرونة وتغذية وصديقة للبيئة. لكن إذا كان الطلب على هذه المحاصيل البقولية في ازدياد، فيجب على الممولين والمستهلكين والمنتجين أن يكونوا على دراية كاملة بفوائدها. يمكننا تحقيق إنتاج غذائي مستدام والحفاظ على التنوع البيولوجي عندما نتصدى لهذه التحديات معًا. وبالنظر إلى الاستثمار المناسب، فان رؤوس الأموال يجب أن تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات.

البقول وتوفير الاحتياجات من البروتين للإنسان

البقول والأمن الغذائي

هناك تهديدات كثيرة تواجه الأمن الغذائي يمكن تمثيل بعضها في النقاط التالية:

 

الزيادة السكانية: حيث يزداد عدد السكان في مصر سريعا لاسيما مع ضيق الرقعة الزراعية ومشاكل المياه التي أصبحت تلوح في الأفق لذا فان الإنتاج الزراعي يجب أن يتكيف وفقا لذلك ولكن بطريقة مستدامة.

 

انتشار سوء التغذية: هناك العديد من الدول التي تعاني من سوء التغذية وهي قضية هامة للغاية ويمكن استخدام مناطق واسعة من هذه الدول لإنتاج البقول. الأكثر من ذلك، في العديد من البلدان تعد اللحوم ومنتجات الألبان والأسماك مصدرا مكلفا للبروتين وبالتالي فان الحصول على البروتين الحيواني غير متاح اقتصاديا.

 

فقد الغذاء وهدره: في مناطق الإنتاج الريفية والتي يتصدرها المنتجين الفقراء فان الغذاء يحدث فيه فقد أثناء مراحل الإنتاج والنقل. بينما في مناطق الحضر فيتركز الفقد في التصنيع بنسبة كبيرة من المواد الاستهلاكية وفى مرحلة الاستهلاك.

كيف سيهم البقول في الأمن الغذائي

مناسبة للبيات الهامشية

من خلال زراعة أنواع البقول المقاومة للجفاف وذات الجذور العميقة التي يمكنها الحصول على احتياجاتها المائية من المياه الجوفية خاصة عندما تزرع كمحاصيل مختلطة في الأنظمة البينية.

من يعيشون في البيئات الجافة يمكن أن يمثل الأمن الغذائي تحديا كبيرا بالنسبة لهم، ولتعزيز نظم الإنتاج بطريقة مستدامة يمكن استخدام البقول المكيفة محليا.

 

مصدر للبروتين والأملاح المعدنية بأسعار في المتناول

يمكن لصغار المزارعين زراعة البقول على النحو التالي:

زراعة البقول كمحاصيل نقدية، وهذا يعنى زراعة البقول كمحاصيل تباع في الأسواق

زراعة البقول كغذاء، بالنسبة للمجتمع الزراعي خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة تعتبر البقول مصدر غذائي هام لتوفير البروتين ليكون مصدر متاح لهم.

 

انخفاض بصمة الهدر الغذائي

 

يمكن تخزين البقول لفترات طويلة دون أن تفقد قيمتها الغذائية وبالتالي التقليل من الخسائر نتيجة الهدر.

حجم الفاقد الغذائي من البقوليات بسب التلف يكون منخفض جدا

 

كيف يلعب البقول دور في توفير احتياجات البروتين للإنسان؟ 

 

من إجمالي 20 حمضًا أمينيًا، لا يمكن تصنيع 9 أحماض أمينية في أجسامنا ونحتاج إلى تناولها من خلال وجباتنا الغذائية. تسمى هذه الأحماض الأمينية الأساسية أو التي لا غنى عنها. الأحماض الأمينية الأساسية هي: هيستيدين، آيسولوسين، ليسين، ليسين، ميثيونين، فينيل ألانين، ثريونين، تريبتوفان وفالين. تتميز البقوليات بمحتواها العالي من البروتين، حيث تحتوي على ما بين %17 و%25. هذه النسبة قريبة لمحتوى اللحوم، لكن هناك فرقاً رئيسياً واحداً هنا: البقوليات فقيرة بالأحماض الأمينية الميثيونين والجليسين. وهذا لا يعني أنها ليست أطعمة تساعد على اكتساب كتلة عضلية، بل يعني أنه يجب استكمالها بمنتجات أخرى تعمل على تحسين محتواها من البروتين. وبمراجعة محتوى البروتين في بعض الأغذية الحيوانية المصدر ومقارنتها بالمصادر نباتية المصدر من البقوليات من ناحية محتوى البروتين والأسعار وصلنا الى نتائج الجدول التالي:

 

جدول نسب البروتين في المصادر النباتية والحيوانية وأسعارها والكميات اللازمة لإنتاج وحدة بروتين (كجم)
البيان نسبة البروتين  الكمية بالكيلو اللازمة للحصول على كجم بروتين سعر كجم الغذاء (ج) سعر وحدة البروتين (ج)
جم/100 جم
لحوم الأبقار 19.4 5.15 370 1907.2
لحوم الماعز 20.6 4.85 270 1310.7
لحوم الأغنام 16.6 6.02 270 1626.5
لحوم الإبل 23.0 4.35 300 1304.3
الرومي 27.7 3.61 128 462.1
لحوم الدواجن 16.4 6.10 140 853.7
الأرانب 21.8 4.59 245 1123.9
البط 19.0 5.26 130 684.2
النعام 29.4 3.40 205 697.3
الأسماك (البلطي) 18.3 5.46 70 382.5
بيض الدواجن بالكرتونة 13.0 3.85 75 288.4
لبن بقرى 3.2 31.25 42 1312.5
لبن جاموسي 3.7 27.03 50 1351.4
جبن قريش 23 4.35 100 434.8
الفول 23 4.35 40 173.9
العدس 25 4.00 62 248.0
الفاصوليا الجافة 22 4.55 90 409.1
اللوبيا الجافة 21 4.76 60 285.7
الكينوا الجافة 13.5 7.41 108 800.0
الحمص 19 5.26 97 510.5
الصويا 29 3.45 101 348.3
أسعار الأغذية طبقا لأسعار السوق في يوم 13 فبراير 2024 من الأسواق المصرية

 

من الجدول المعروض يظهر لنا أن أسعار البروتين النباتي أرخص بنسبة كبيرة تصل الى 50% اقل من أسعار البروتين من المصادر الحيوانية. ففي الوقت التي يمثل فيه سعر كجم من بروتين الأبقار 1907 ج فان سعر كجم بروتين من الفول البلدي كانت 174 ج بينما كانت الكينوا أعلى الأسعار مقارنة للمصادر النباتية الأخرى حيث يصل سعر كجم من بروتين الكينوا الى 800 ج. 

البقول والتربة

بينما نفكر في عالم الزراعة الديناميكي، لا يسعني إلا أن أتعجب من الدور الذي تلعبه البقول حيث تساعد زراعة البقوليات على زيادة الكتلة الحيوية الميكروبية وبالتالي نشاط التربة، وهذا يساعد على تحسين التنوع البيولوجي للتربة. كما أن البقول عنصر حيوي في النظم المحصولية المتعددة، على سبيل المثال تعتبر محاصيل البقوليات من المحاصيل البينية، ولها مدى واسع في التناوب المحصولى (حيث أن بعضها شتوي والأخر صيفي وكذا مميزات تناوبها مع المحاصيل الأخرى نظرا لما تقدمة من غذاء للتربة)، وأيضا مساهمة البقوليات العلفية في حل أزمة الأعلاف.

حيث يمكن للفاصولياء والعدس والفول والحمص وأيضا البقوليات العلفية للحيوانات الزراعية، وهي المحاصيل التي من المستهدف أن تعيد تشكيل مشهد الزراعة المستدامة بسرعة. العدس من البقوليات التي تصنف على أنه “محصول مرن” قادر على التكيف بسلاسة مع الظروف الصعبة، وهو مصدر “نظيف” للبروتين يعود تاريخه إلى مصر القديمة، يجسد الاستدامة والوفرة الغذائية، ويساهم في إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية.  تعمل العلاقة المعقدة للبقوليات مع البكتيريا المثبتة للنيتروجين على إثراء التربة بالعناصر الغذائية الأساسية. علاوة على ذلك، فإن النيتروجين الثابت الذي تستخدمه البقول يتم إطلاقه بدوره عندما يتحلل النبات (يصبح متاحًا لمحاصيل أخرى في حالة التناوب على الأرض، مثل زراعة الفول أو البرسيم في موسم الشتاء ثم تناوب محصول الذرة). لقد نجح علماء التربية في تطوير الأصناف الرئيسية من البقول، لتحقيق أقصى قدر من النمو مع الحد الأدنى من مدخلات المياه والأسمدة – وهو أمر ضروري في عصر الجفاف والشح. حيث تحصل الجذور العميقة للبقول على المياه من طبقات التربة غير المتاحة للنباتات ذات الجذور السطحية الضحلة، مما يسمح لها بتحمل فترات ندرة المياه.

في جنوب آسيا على سبيل المثال، تعمل أصناف البقول الذكية مناخيًا، مثل أصناف العدس سريعة النضج، المستخدمة جنبًا إلى جنب مع تقنيات زراعة المحاصيل التتابعية، على تعزيز دخل المزارعين بشكل كبير من خلال السماح بمحصول إضافي في فترة البور القصيرة بين محاصيل الأرز الأساسي، مما يلبي الاحتياجات الغذائية لسكان المجتمعات المحلية والتربة معا على حد سواء. بالإضافة الى توفير الأصناف الجديدة لزيادة في الغلة بنسبة 35-40٪. ومن الجدير بالذكر أنه ومن خلال بنوك الجينات الشاملة وتقنيات التربية عالية الدقة، يمكن أن يتم توفير المحاصيل الذكية مناخيا كنتيجة ملموسة للمساعي البحثية المستمرة في هذا الشأن.