د فوزي أبودنيا يكتب : الاستزراع المعملي للحوم، التهديد القادم للتربية التقليدية للماشية

9 يناير، 2022 - بتوقيت 9:57 م

المدير السابق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى

كثير من القلق يطفو على السطح هذه الآونة فيما يتعلق بالاستزراع المعملي للحوم، ويدور في الكواليس سؤال غاية في الأهمية، هل تشكل اللحوم المستزرعة في المعمل تهديدًا للتربية التقليدية للماشية؟
من الأمور التي باتت تثار في المجتمع البريطاني حاليا وضع كلمة “معملي” قبل أي منتج لحوم سوف يتم إنتاجه في المعمل، هذه العبارة على ما يبدو أنها لم تتناسب مع المستهلكين البريطانيين. في ذات الوقت فإن الشركات التي تتسابق هناك لتكون أول من ينتج و يبيع اللحوم المستزرعة في المعمل تعتمد على أسباب بيئية لإقناع الناس بخلاف ذلك. حيث تطلق هذه الشركات للمستهلكين سؤال مربك، إذا كان بإمكانك شراء منتج له طعم ومذاق اللحوم، وكان أرخص ثمنًا ولا ينطوي على موت حيوان سواء بالقتل أو الذبح، فلماذا لا تشتريه؟
بعض الأصوات التي تعارض هذا التوجه ترد على تلك التساؤلات بان هناك أسبابًا واضحة جدًا لعدم حدوث ذلك الأمر- حيث إن الدعوة إلى “طريق صناعي” للخروج من أزمة المناخ، عن طريق إنتاج الغذاء في المصانع، لا ينبغي أن يحل محل الزراعة الطبيعية وإنتاج الغذاء. إلا أن الشركات التي تتبنى هذا الأمر ترى أن المهم في هذا الشأن هو أن لحوم الأبقار والضأن المنتج في المعامل عبارة عن بروتين طبيعي ويتم إنتاجه مع مراعاة صحة البيئة والمستهلك. يحث ذلك في الوقت التي تشير فيه بعض التقارير العلمية الى أن ازدياد تعداد السكان وتأثيرات التغيرات المناخية في العالم سوف يؤدى بحلول عام 2040 إلى أن معظم اللحوم لن تأتى من الحيوانات كما كان معهود سابقا. حيث ينظر من قبل الكثيرين والمؤيدين لإنتاج اللحوم معمليا أن صناعة الثروة الحيوانية واسعة النطاق “شر لا لزوم له”، وذلك على الرغم من أن هناك العديد ممن يختلفون مع هذا التوجه. بيد أن اللحوم المستزرعة في المعمل غير متاحة للشراء في أي مكان في العالم حاليا على الرغم من التوقعات المسبقة للمطورين بأنها ستكون معروضة للبيع تجاريًا في وقت قريب، ومع ذلك يتنافس العلماء المدعومون من قبل الشركات الكبرى على خلق و تحديد موقع في السوق في المستقبل. ولكن هل تعد اللحوم التي سيتم زراعتها في المعمل خطوة بعيدة المنال فعلا بالنسبة للمستهلكين، كما رأينا ذلك في الجدل الذي دار حول الأطعمة المعدلة وراثيًا؟

المنافسة النباتية
على الجانب الأخر تواجه صناعة الثروة الحيوانية بالفعل منافسة من اللحوم النباتية، لكن الدلائل تشير إلى أن هذا القطاع قد يتعثر، أو بالتأكيد، طموحات بعض الشركات المصنعة سوف تتراجع. ففي هذا العام شهدت كبرى الشركات المنتجة للحوم النباتية من الصويا انخفاضًا في قيمة حصتها بعد أن خفضت الشركة إنتاج تلك اللحوم وتوجيه إيراداتها في الموازنة الى جوانب أخرى.
في الواقع تختلف اللحوم المستزرعة في المعامل عن البدائل النباتية من حيث أنها متطابقة وراثيًا مع نوع اللحوم التي تستزرع منه، سواء كان ذلك لحم البقر أو الدجاج أو لحم الخنزير. إنه ليس بديلاً للحوم مثل التوفو المصمم ليحل محل اللحوم. التوفو هو أحد منتجات فول الصويا، ويعتبر مصدرًا مثاليًا للبروتينات، خاصة للذين يتبعون نظام غذائي نباتي، ويتم صناعة التوفو من حليب الصويا في عملية تشبه إلى حد كبير عمليات تصنيع الجبنة من الحليب البقري، وقد تم تصنيع التوفو لأول مرة منذ قرون عديدة في الصين في عملية يقال إنها كانت مصادفة. كما يعرف التوفو أيضًا باسم خثرة الفاصوليا، هو طعام يتم تحضيره عن طريق تخثر حليب الصويا ثم ضغط الخثرة الناتجة إلى كتل بيضاء صلبة ذات نعومة متفاوتة، يمكن أن يكون حريريًا أو ناعمًا أو ثابتًا أو متماسكًا جدًا أو شديد الصلابة. وبالتالي فإننا نلحظ وجود فئات تركيبية واسعة. وهناك العديد من أنواع التوفو. لها نكهة خفية، يمكن استخدامها في الأطباق المالحة أو الحلوة. غالبًا ما يكون متبّلًا أو متبلًا ليناسب الطبق ونكهاته، وبسبب القوام الإسفنجي للتوفو فإنه يمتص النكهات جيدًا. ويعتبر التوفو مكون تقليدي من مطابخ شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، وقد تم استهلاكه في الصين لأكثر من 2000 عام. في المطبخ الغربي الحديث، غالبًا ما يتم التعامل معها كبديل للحوم. لكن يجدر بنا التنويه هنا إلى أن التوفو هو أحد المنتجات التي تثير الكثير من الجدل حولها، فرغم أنها منخفضة السعرات والدهون وغنية بالبروتينات إلا أنها قد تحمل أضرارًا للصحة، خاصة إذا ما تم استعمال الأنواع الخاطئة من التوفو، وأفضل أنواع التوفو صحيًا هو التوفو المخلل.

كيف يتم استزراع اللحوم في المعمل؟
تؤخذ الخلايا الجذعية الدهنية أو العضلية من حيوان حي أو مذبوح، أما بالنسبة للدجاج، يمكن أخذ خلايا من البيض، حيث يتم تكاثر الخلايا في أوساط غذائية، وذلك تحت بيئة معقمة ومُتحكم بها. تستغرق العملية أسابيع قليلة قبل نمو الخلايا لتصبح قطعة كاملة من اللحم يمكن تشكيلها حسب الحاجة. بشتى الطرق تحاول الشركات المنتجة لهذا النوع من اللحوم تحويل الانتباه عن الأصول المعملية لهذه المنتجات بأوصاف مثل “نظيفة” و “مزروعة” و “مستزرعة”. والى حد كبير فان إطلاق لحوم نظيفة عليها يلاقى قبول أفضل بدلاً من اللحوم” المستزرعة في المعمل “. وبالعودة الى لائحة المعلومات الغذائية للمستهلكين Food Information Council (FIC) وكذا المعايير القانونية ذات الصلة لوضع التعريفات لتكوين المنتجات الغذائية فإن توصيف أو تعريف اللحوم ينص على أنها تأتي من حيوان تم ذبحه وأن التعريفات التي تستخدم في هذا الشأن تكون مثل “الهيكل العظمي والعضلات”. هذه التعريفات تعطي انطباعًا بأن اللحوم تأتي من حيوان كان حيًا في يوم من الأيام. إلا إنه من المحتمل أن تستبعد التعريفات الحالية التي لدينا عن اللحوم (اللحوم النقية) كما تم تعريفها على هذا النحو”.
معركة الملصقات (بطاقة المنتج)
في الواقع إن كيفية وصف هذه الأطعمة للمضي قدمًا سيكون لها تأثير كبير على كيفية استقبال المستهلكين لها. وأن المعركة حول كيفية وصف هذا المنتج على الملصق ستكون “مهمة جدًا” لمدى نجاح الأعمال التجارية في تطوير هذه المنتجات. هذه المعركة ستخوضها مجموعات الزراعة في كل من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، حيث توجد حركة لتحديد لحوم البقر بحيث تكون أصولها من الماشية واضحة ولا يمكن تطبيقها على منتج تم استزراعه في المعمل. ففي الولايات المتحدة، يتبنون وجهة نظر مفادها أن اللحوم الحقيقية هي في الواقع شيء يأتي من الحيوان ويضغطون بشدة لحماية ذلك وحماية كلمات يجب أن تبرز على ملصق العبوة مثل لحم البقر، وذلك حتى لا يكون هناك أي فرصة للتضليل على المستهلكين. وقد لوحظ هذا بالفعل في صناعة الألبان، حيث كافحت مجموعات الزراعة لحماية مصطلحات الألبان مثل الجبن والحليب، للتأكد من أنها تنقل فوائد منتجات الألبان ولا يمكن استخدامها لوصف البدائل. في الحقيقة فإن الأطعمة التي تتنكر في شكل بروتين حيواني ليست جديدة – فهناك الكثير من منتجات “اللحوم” النباتية على أرفف السوبر ماركت. لكن الشركات التي تطور اللحوم المستزرعة في المعامل تعتقد أن هذا هو المنتج الذي من المرجح أن يفطم الأشخاص الملتزمين بأكل اللحوم عن المصادر التقليدية.
منحة الاتحاد الأوروبي
أعلنت شركة التغذية الحيوانية العالمية Nutreco وشركة Mosa Meat للتكنولوجيا الغذائية أن مشروع Feed for Meat، الذي يسعى إلى جلب “لحوم البقر” المستزرعة إلى سوق الاتحاد الأوروبي، قد حصل على منحة قدرها 2 مليون يورو (1.7 مليون جنيه إسترليني) من قبل برنامج المساعدة الأوروبية React-EU. ويعتقدون أنه من خلال استبدال المكونات المستخدمة إنتاج اللحوم المستزرعة من الدرجة الصيدلانية بمكونات من الدرجة الغذائية، فإنه يمكن أن يتسبب في خفض تكاليف الإنتاج بنحو 100 مرة. البعض يبرر إن إطعام البشر سوف يكون له أولوية هامة خاصة مع تزايد أعداد السكان حول العالم، حيث يصف هذا البعض تلك التقنية بـإنها “طريقة آمنة ومستدامة”، لما سيتطلبه من مجموعة متنوعة لطرق إنتاج البروتين الجديدة والناشئة لاستخدامها جنبًا إلى جنب مع الزراعة التقليدية. إن زراعة اللحوم من الخلايا تعني مساحة أقل بشكل كبير مخصصة للزراعة خاصة زراعة الأعلاف التي تلزم لتغذية الحيوانات، وبالتالي فإن هذا يعمل على تقليل استخدام الأرض بنسبة 99 ٪. حيث يتحول جزء من الأرض المنتجة لأعلاف الماشية الخاصة بالتسمين الى إنتاج محاصيل نقدية ذات أهمية استراتيجية كما أن إنتاج الميثان سوف ينخفض بانخفاض تربية حيوانات التسمين من الماشية إلا أن فرص العمل في قطاع الإنتاج الحيواني سوف تتقلص وجزء كبير من الأسمدة العضوية أيضا كما أن بعض الصناعات مثل الجلود سوف تتأثر كذلك المجازر ونواتج المجاز. الأمر متداخل بشكل كبير فهل نمضي قدما في إنتاج اللحوم في المعامل أم نتوقف؟ سؤال مهم يطرح نفسه ويفرض حالة من الجدل حول هذا الموضوع. من الملفت للنظر أيضا إنه في الوقت الذي تبني فيه بعض الشركات التي تطور اللحوم المستزرعة في المعامل لكلمات مثل “منتج جيد” على أسماء هذه المنتجات المعملية، إلا أن المزارعين يعترضون على هذا التوجه وهذا التبني ويقولون إن هذه الأوصاف لا تتماشى بشكل وثيق مع الدور الذي تلعبه تربية الماشية في الحفاظ على الأراضي وإدارة الأراضي والموارد الزراعية.
في نفس الوقت الذي يرى البعض أن تتم زراعة لحوم البقر والضأن في المعامل بشكل طبيعي ومستدام وعلى مزارعي الماشية ألا يكون لديهم ما يخشونه من اللحوم المستزرعة في المعمل حيث يرون إن المصداقية والسمعة الجيدة هي التي تخلق المكانة الجيدة لأي تحديات تواجه هذه المنتجات في المستقبل، كما إنهم أيضا يرون أنه يمكن للمستهلكين الوثوق في معرفة المزارعين ونظم وطريقة هذا الإنتاج وأن يكون تحت رقابة صارمة لتقديم منتج متميز. إلا أن المزارعين الذين يربون الماشية مزارع جميلة ذات طبيعة مزدهرة تنتج طعامًا ممتازًا وقد فعلو ذلك على مدار قرون طويلة بشكل غير مكثف وهذا التوجه هو ما يريده معظم الناس. وعلى الرغم من أن علم اللحوم المستزرعة في المعمل مثير للاهتمام إلا أننا نعتقد أن هناك إمكانات كبيرة لتربية المواشي لمواصلة رحلتها لإنتاج لحوم أبقار وأغنام عالية الجودة وصديقة للمناخ ومغذية للبشر وأنها ستواصل القيام بذلك طالما أن المستهلكين يطالبون بذلك.